لبنان: مزارعو الجنوب يخشون تلوث حقولهم بالفوسفور الأبيض الإسرائيلي

في ظل تواصل الاعتداءات الإسرائيلية على بلدات عدة جنوبي لبنان واستخدام الاحتلال للفوسفور الأبيض المحرّم دولياً.. مزارعو الجنوب قلقون على أراضيهم من خطر تلوثها. والمجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية يرصد 175 هجوماً إسرائيلياً بالفوسفور على الجنوب.

  • منظمة العفو الدولية:
    منظمة العفو الدولية: "إسرائيل" استخدمت الفوسفور الأبيض بشكل عشوائي جنوبي لبنان

تواصل "إسرائيل" استخدام الفوسفور الأبيض المحرّم دولياً في قصفها على عدة بلدات جنوبي لبنان، منذ بدء اعتداءاتها في تشرين الأول/أكتوبر 2023، بالتوازي مع العدوان الهمجي والوحشي الذي تشنّه على قطاع غزة. 

ووفقاً للمجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية، فقد وقع 175 هجوماً إسرائيلياً على جنوب لبنان باستخدام الفوسفور الأبيض منذ ذلك الحين، وأدّى العديد منها إلى إشعال حرائق ألحقت الضرر بأكثر من 1480 فداناً من الأراضي الزراعية في جنوب لبنان.

ذخائر الفوسفور الأبيض ليست محظورة كسلاح كيميائي فحسب، بل يمكن استخدامها في الحروب لصنع سواتر من الدخان أو تحديد الأهداف أو حرق المباني. ولكن نظراً لإمكانية تسببها في حروق خطيرة ونشوب حرائق، فإنّ الاتفاقيات الدولية تحظر استخدامها ضد الأهداف العسكرية الواقعة وسط المدنيين.

وأعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في حزيران/يونيو الماضي، أنها تحققت من استخدام الفوسفور الأبيض في ما لا يقل عن 17 بلدية في جنوب لبنان منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، "خمس منها استخدمت فيها الذخائر المتفجرة جواً بشكل غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة". 

ووفقاً لتقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في كانون الأول/ديسمبر 2023 بشأن لبنان، فإنّ الفوسفور الأبيض سام للغاية ويشكل "مخاطر مستمرة لا يمكن التنبؤ بها مع استمرار النيران التي يسببها، وتصعب السيطرة عليها لوقت طويل، مما يسفر عن مخاطر جسيمة على صحة وسلامة الإنسان والبيئة".

وقال البرنامج إنّ "جودة التربة في منطقة الصراع بجنوب لبنان تضررت من انتشار المعادن الثقيلة والمركبات السامة، بينما أدى استخدام الفوسفور الأبيض إلى خفض خصوبة التربة أكثر وزيادة حموضتها".

اقرأ أيضاً: "واشنطن بوست": "إسرائيل" استخدمت قنابل الفوسفور الأبيض الأميركية في هجومها على لبنان

يتحدث المزارع اللبناني زكريا فرح ( 30 عاماً)، الذي وطأ حقوله الواقعة على مشارف بلدة القليعة جنوبي لبنان آخر مرة في كانون الثاني/يناير الماضي، ولكن ليس لزراعتها. فبينما كانت أصوات القصف تدوي على مسافة بعيدة، دسّ يديه فرح بسرعة في التربة لجمع عينات يمكن أن تحدد مستقبل عائلته. 

وبعدما عبأ التربة في أكياس، أرسل فرح ست عينات إلى مختبر في الجامعة الأميركية في بيروت لفحصها بحثاً عن بقايا الفوسفور الأبيض الناجم عن القصف الإسرائيلي، على أمل أن يعرف ما إذا كان بوسعه زراعة أرضه عندما تنتهي الحرب العدائية الإسرائيلية. 

وقال فرح لوكالة "رويترز": "بدي أعرف شو عم طعمي ابني، شو عم طعمي مرتي، شو عم طعمي نفسي"، مضيفاً: "خايفين على مستقبل أراضينا.. شو فينا ناكل؟ شو فينا نشرب؟".

ويخشى هذا المزارع أن تكون حقوله قد تسممت جراء استخدام الاحتلال الإسرائيلي للفوسفور الأبيض، مثله مثل عشرات المزارعين في جنوب لبنان.

فرح ومزارعون آخرون فقدوا بالفعل دخلاً كان يمكن أن يصل إلى سبعة آلاف دولار وأكثر لكل مزارع، لأنّ القصف المستمر جعل زراعة أو حصاد القمح والتبغ والعدس وغيرها من المحاصيل في المواسم المعتادة أمراً بالغ الخطورة.

بدوره قال عدي أبو ساري، مزارع من بلدة الضهيرة الجنوبية إنّ "الفوسفور الأبيض أحرق أيضاً القش الذي جمعه من أجل الماشية، وأحرق كذلك أنابيب الري البلاستيكية في حقوله". 

وأضاف أبو ساري: "رح اضطر إرجع بلش من الصفر بس أول شي لازم أعرف إذا صالح للزراعة".

ومن أجل التحقق مما إذا كان الفوسفور الأبيض قد ترك أثراً دائماً على تربتهم، يحفر المزارعون لأخذ عينات يرسلونها إلى كيميائي التربة في الجامعة الأميركية في بيروت للتأكد من هذا الأمر. 

فيما يوثّق آخرون هذا الأمر الخطير (الفوسفور) من خلال لقطات مصورة، حيث صوّر فريق جمعية (الجنوبيون الخضر)، الذي يضم مجموعة من علماء البيئة ومحبي الطبيعة في جنوب لبنان، عدة وقائع للقصف أظهرت العلامات الواضحة لهجمات الفوسفور الأبيض، وهي عشرات الخيوط ذات اللون الأبيض وهي تنفجر من ذخائر فوق الأراضي الزراعية.

وقال رئيس الجمعية هشام يونس لـ"رويترز" إنّ "الكثافة المخيفة للهجمات تصل إلى مستوى الإبادة البيئية - أي التدمير واسع النطاق للبيئة الطبيعية على أيدي البشر، عمداً أو عن طريق الإهمال".

وبالتوازي تعمل وزارتا البيئة والزراعة في لبنان مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتحديد حجم تداعيات الفوسفور على التربة، على أمل استخدام أي وثائق أو نتائج مخبرية لرفع شكاوى إلى الأمم المتحدة.

وفي هذا الإطار، قال وزير البيئة اللبناني ناصر ياسين، لـ"رويترز": "هذا عمل من أعمال الإبادة البيئية وسنرفعه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".

وفي وقت سابق،  أجرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تحقيقاً يظهر أنّ "إسرائيل" استخدمت الفوسفور الأبيض الذي زوّدتها به الولايات المتحدة في هجوم على لبنان، نفّذته في تشرين الأول/أكتوبر، وأسفر عن إصابة 9 مدنيين على الأقل. 

اقرأ أيضاً: ما مخاطر القنابل الفوسفورية البيئية والصحية؟