تكنولوجيا التعليم .. هل تقضي على الورقة والقلم؟

كما دخلت الوسائل الإلكترونية الحديثة الكثير من مجالات الحياة، دخلت هذه الوسائل أيضاً المدارس وقطاع التعليم وتتجه نحو تثبيت حضورها شيئاً فشيئاً كسبيل لتعليم مختلف المواد والتفاعل معها، فتحلّ الـIPad مكان الكتاب والـTouch Screen مكان اللوح.

يؤدّي استعمال الـIPad إلى ابتعاد الطلاب عن الكتابة بالطريقة التقليدية
يمكن ذكر العديد من السلبيّات والإيجابيّات التي تنطوي على هذا النوع من التجديد في أساليب التعليم. فالتخفيف عن الطلاب حمل أوزان الكتب وإمكانية استعمال الصوَر والفيديوهات محفّزة للطلاب على الدراسة وسهولة البحث، كلها إيجابيّات بالإضافة إلى عوامل أخرى دفعت بعض المدارس إلى إجراء تعديلات كبيرة على هيكليّتها وطرق التعليم في صفوفها.

من ناحية السلبيّات، يؤدّي استعمال الـIPad بدل الورقة والقلم إلى ابتعاد الطلاب عن الكتابة بالطريقة التقليدية التي قد تصبح ضرورة إن لم تتوفر أحياناً الوسائل الإلكترونية، فتتردّى جودة الخط على سبيل المثال، كما قد تؤدّي القراءة الدائمة عن الشاشة إلى ضعف في النظر على المدى البعيد أو بعد سنوات قليلة ربما.

تقدّم مدرسة ISI في منطقة صور جنوب لبنان نموذجاً مهمّاً عن هذا النوع من التعليم، من خلال إدخال عدّة تقنيّات. يستند الدكتور وطفى في قرار تأسيسه هذا النوع من المدارس إلى دراسة أجراها مع الدكتورة ديانا عودة لصالح جامعة Wollongong في دبي على طلاب مدارس وطلاب جامعة لمدة سنتَيْن متتاليَتَيْن، تخلص إلى تقدّم مستوى الطلاب الأكاديمي وازدياد تفاعلهم مع مختلف المواد التي يتلقّونها.

في حديث مع الميادين نت، يقول مدير المدرسة الدكتور محمّد وطفى، إنّ أسباباً عدّة دفعته ليجعل من المدرسة التي يديرها ترتكز على وسائل إلكترونية حديثة عدّة، أهمها:

·  أن يصبح الطلّاب أكثر تناغماً وتفاعلاً مع العالم الذي يسير سريعاً في ركب التكنولوجيا.

· حين يتعلّم الطالب في المدرسة بوسائل تكنولوجية، سيشكل الأمر حافزاً له في المستقبل، خاصة إن أصبح من أصحاب الاختصاصات التكنولوجية، ليطوّر هذه الوسائل ويحسّن من مستواها لخدمة الأجيال القادمة.

· تسمح بعض التقنيّات للطلاب بمعاينة بعض الدروس التي يتلقّونها في مجال العلوم بشكل مباشر.

· من خلال التقنيات التي تسمح بتسجيل الدروس بالصوت والصورة بشكل واضح ونشرها على حساب المدرسة على يوتيوب، يستطيع الطلاب مراجعة الدروس في المنزل تماماً كما شُرحت من قِبَل المعلّمين.

· تسجيل الدروس ونشرها على الأنترنت يسهّل أيضاً على أهالي الطلاب الاطلاع عن كثب عما يتلقّاه أبناؤهم كما يسهّل عليهم بشكل كبير مراجعة الدروس للأبناء بطريقة أكثر تناغماً مع طريقة المعلّم.

 

أما أبرز التقنيّات والسائل الإلكترونية المستخدمة في مدرسة ISI فهي:

· Virtual reality: تقنية تسمح للطالب من خلال نظّارة خاصة أن يدخل بشكل كامل إلى مشاهد توضحية، على سبيل المثال، يستطيع الطالب أن ينظر بوضوح إلى خصائص خلايا النباتات، بتقنية الـ 3D.

·  HTC Vive: هذه التقنية تسمح للطالب أن يتحكّم بصوَر وهو ينظر إليها. على سبيل المثال، يستطيع الطالب أن يرى نفسه داخل رسومٍ يتعلّمها في مادة الرياضيات، وأن يعدّل على هذه الرسوم كما تعلّم.

· ActiVote: تُستخدم هذه التقنية في الاختبارات المختصرة والسريعة التي يخضع لها الطالب، ما يُعرف بالـQuiz، فيختار من خلالها الأجوبة على الأسئلة التي تُطرح بشكل سريع.

· Augmented Reality: تطبيق يسمح للطلاب صغار السن بشكل خاص، أن يحصلوا على الأجوبة من خلال الـ Ipad على أسئلة مطروحة على صورة معيّنة.

· Microsoft Holo Lens: هذه التقنية تُستخدم من قِبَل المعلّم، وتقوم بتسجيل الدرس حتى يتسنّى للطلاب إعادة مشاهدته لاحقاً على موقع يوتيوب.

· Mobile Applications: وهو تطبيق خاص بالمدرسة يسمح لأهالي الطلاب البقاء على تواصل مع المعلّمين، كما يُقدّم خدمات أخرى للاطلاع على علامات أبنائهم وعلى كل جديد حول تقدّمهم أو تراجعهم في المستوى الدراسي.

 


Embed youtube:

عتريسي: للوسائل التكنولوجية مخاطر مستقبلية محتملة قد تكون لها نتائج كارثية
بعد استخدام كل هذه التقنيّات التي تغيّر الكثير من أوجه التعليم، قد يُطرح السؤال التالي "ما الذي بقي يخضع للأسلوب التقليدي إذاً؟ هل ما زال الطلاب يستخدمون الورقة والقلم في شيء؟"

يشير وطفى إلى أنّ الطلاب في المدرسة التي يديرها ما زالوا ييستخدمون الورقة والقلم في أمور عدّة، كتسجيل الملاحظات مثلاً. وبشأن الكتب، لا شكّ أنّ الطلاب يستخدمون الـIpad لتخفّف عنهم جزءاً من الوزن الذي يحملونه على ظهورهم، لكن بعض الكتب التي يقوم الطلاب بإضافة المعلومات عليها لا يمكن استبدالها بالـIpad.

بالإضافة إلى ذلك، يبقى الامتحان الخطي هو الطريقة الوحيدة لإجراء الامتحانات في كل المواد في مدرسة ISI. يعلّل وطفى ذلك بأنّ الطلاب وأهاليهم غير مؤهلين بشكل كامل بعد للاعتماد على الوسائل الاكترونية بكل شيء، لكنه يلفت إلى أنه قد يأتي يوم ما يختفي فيه القلم والورقة في المدارس.

من وجهة نظر اجتماعية أوسع، يطرح هذا التطوّر على صعيد المدارس إشكاليّات عدّة. في هذا الإطار، يرى الدكتور في علم الاجتماع طلال عتريسي في حديث مع الميادين نت أن الإيجابية الأساسية لاستعمال الإلكترونيات في التعليم تكمن في سهولة وسرعة تحصيل المعلومات من قِبَل الطلّاب. كما يخفّف هذا الأسلوب من "التعليم التلقيني" بحسب عتريسي، بحيث لا يعود الطلاب طوال الوقت يستمعون ويتلقّون كل شيء من المعلّم من دون تفاعل، بل تصبح لديهم قدرة ذاتية أكبر على تعليم أنفسهم.

أما السلبيّات، فيلحظ عتريسي أنّ لهذه الوسائل مخاطر مستقبلية محتملة، قد تكون لها نتائج كارثية، مع أنّ الأمر بمجمله ما زال حتى اليوم غير واضح. يخشى العتريسي أن يسبّب الاعتماد على المعدّات الإلكترونية خفضاً لنشاط الذاكرة عند تلاميذ المدارس، مشيراً إلى أن القراءة والكتابة هما الوسيلتان الأكثر نفعاً في تنشيط الذاكرة، واستعمال الإلكترونيات يخفّف كثيراً من الحاجة إلى القراءة، عبر مشاهدة الفيديوهات، ومن الحاجة إلى الكتابة ونقل المعلومات حيث أنّ كل ما يحتاجه الطالب مخزّن أمامه ويستطيع أن يصل إليه بقليل من البحث.

ويشير عتريسي إلى أنّ الدافع الأهم لبعض المدارس للتوجّه إلى هذه الأساليب هو إظهار نفسها بمظهر الحداثة والتطوّر، لكن المدارس التي سلكت هذا التوجّه في لبنان مثلاً، لا يحقّق تلاميذها نتائج أفضل من تلاميذ المدارس الأخرى، ولا يحوذون على المراتب الأولى في الامتحانات الرسمية.

يرى عتريسي أنّ تحديد نتائج واضحة لاستعمال الإكترونيات في المدارس يحتاج إلى إجراء دراسة على مدى سنوات على جيل معيّن، وفي حال كانت النتيجة سلبية، يُصبح من الصعب تعويض النتائج على الطلاب الخاضعين للدراسة، هناك تكمن خطورة اللجوء إلى الإكترونيات بشكل كامل.

بناء على ذلك، ينصح الدكتور في علم الاجتماع بالمزج بين الأساليب التقليدية والأساليب الإلكترونية، حتى لا تترتّب نتائج سلبية مفاجئة في مراحل معيّنة من الصعب تعويضها أو الحد من ضررها، خاصة وأنّ الموضوع يتناول طلّاباً صغار السّن في مراحلهم الأكاديمية الأساسية.

وتغيب الآليات الحكومية في هذا المجال في لبنان والمحيط، نظراً إلى عدم انتشار هذا الأسلوب بشكل كبير حتى الآن، لكن لا يُخفى على أحد أنّ عدد المدارس والجامعات التي تلجأ إلى الوسائل الإكترونية في ازدياد في مختلف الدول، مما سيفرض على الحكومات بعد فترات معيّنة وضع هذا التطوّر تحت مجهر الدراسة والمراقبة. أما بقاء الحكومات بعيدة عن إجراء دراسات حول الموضوع، واتباع خطة واضحة لمجابهة السلبيات والاستفادة من الإيجابيات، فقد يأتي بنتائج سيئة جداً قد تظهر بصماتها بعد عشرات السنين على مستقبل الأجيال القادمة.