ورق ودواة... متعة تندثر

النصوص التي تُخَطّ اليوم إلكترونياً، تظل حاضرة في المخيّلة وكأنها كُتبت بواسطة الورقة والقلم. عدم القدرة، في الوقت المنظور على تحرير المخيّلة من هاتين الأداتين، يبدو أقرب إلى مجاهدة للحفاظ على الصورة التاريخية المتوارثة لفعل الكتابة وأدواته. الورقة والقلم حاضران ولو غابا. أيقونتا الكتابة الحميمية بما فيها من كل صنوف البوح، ستظلان تحرسان كل ما هو مقروء ولو خلف شاشة. شيء ما شبيه بالراسخ في الوعي والمخيّلة من الارتباط بين الغَيم والمطر.

أيقونتا الكتابة الحميمية ستظلان تحرسان كل ما هو مقروء ولو خلف شاشة
الكتابة فعل حميمي. طقس مليء بالدفء. لذلك قد يكون من الصعب تشكيل رسم لأيّ نص خارج الورقة والقلم. حتى النصوص التي تُخَطّ اليوم إلكترونياً، تظل حاضرة في المخيّلة وكأنها كُتبت بواسطة الورقة والقلم. عدم القدرة، في الوقت المنظور على تحرير المخيّلة من هاتين الأداتين، يبدو أقرب إلى مجاهدة للحفاظ على الصورة التاريخية المتوارثة لفعل الكتابة وأدواته.

وإذ لا يسعى هذا الملف لأيّ تحامل على التكنولوجيا، فهي كما اكتشاف الأوراق والحبر، واحدة من منجزات التطوّر البشري. إلا أن ما أردنا تسليط الضوء عليه من خلال مقابلات مع كتّاب وشعراء، هو تأثير الانتقال  من أدوات الكتابة "التقليدية" إلى التكنولوجية على تنوّع طقوس الكتّاب وعلاقتهم الوجدانية بنصوصهم.

فقد يكون من وجوه الكتابة على ما هو مُتاح من أدواتها الإلكترونية اليوم، تماثل طقوسها بحيث تظهر وكأنها طقس واحد. ولهذا أكلافه على جيل واسع من الكتّاب الذين بنوا مسيرتهم على الورق. فقد وجد بعضهم نفسه مضطراً إلى التحديق إلى شاشة خلفها ورقة بيضاء افتراضية، بدلاً من الشعور بلون الورقة الحقيقي الذي يحب أن يختاره، ويلمسها.

لا أحد ممن قابلهم الميادين نت أطلق موقفاً سلبياً من التكنولوجيا. ورغم أن بعضهم قد انتقل نهائياً إلى الكتابة الالكترونية أو اتّخذ قرار الانتقال، فإن البعض الآخر ظل متأرجحاً بين دفّتين تاركاً التكنولوجيا وسيلة لإنجاز النصوص السريعة. أما تلك التي تشبه عصارة الروح، فقد ظل مكانها الورق خوفاً من التخلّي عن تلك العلاقة الحسيّة التي تجمعهم بنصوصهم.

إن توحّد الأساليب التقنية في الكتابة، جعل النصوص تبدو وكأنها غير مرئية لكاتبها. وهذا يستتبع شعوراً بخفّة النص الالكتروني وغياباً تاماً لشخصيته التي يشكّلها الكاتب بخط يده، وما يصاحب ذلك من تشطيب ودسّ وإضافة. وبغياب شخصية النص فإن المتعة المتأتية منه تمّحي أيضاً، حيث أن المتعة لا تقف عند صوت القلم وحفيف اليد بالورقة، بل من غبطة الكاتب بأنه منشىء نصه.

مصاعب أخرى تواجه المتشبثين بطقوس الكتابة "التقليدية". الإلفة، ذلك أن ثمة مشكلة كبيرة تلامس الرعب تواجه بعضهم، وتتمثل في اضطرارهم لاستبدال عاداتهم الكتابية بأخرى جديدة، وما قد يتطلبه هذا من تخلٍ طوعي عن رفاق السنين الطويلة، خاصة لمن تقدّم في السنّ أو لمن حاول ولوج عالم التكنولوجيا ولم يستسغه.

لكن في المحصّلة، الورقة والقلم حاضران ولو غابا. أيقونتا الكتابة الحميمية بما فيها من كل صنوف البوح، ستظلان تحرسان كل ما هو مقروء ولو خلف شاشة. شيء ما شبيه بالراسخ في الوعي والمخيّلة من الارتباط بين الغَيم والمطر.