الطب الصيني في لبنان.. تقنيات ومفاهيم علمية خاصة

يكاد الطب البديل في لبنان يصبح ممنوعاً تحت سيطرة الطب الحديث، وكارتلاته المحلية. إلا أنّه ورغم عصر الحداثة انتشر الطب الصيني، وأصبح له مراكز للعلاجات، خصوصاً منها الوخز بالإبر، والحجامة، واستخدام النباتات. 

  • الخبير اللبناني في الطب الصيني وليد العلي
    الخبير اللبناني في الطب الصيني وليد العلي

صراع سياسي- طبقي عريق يصنف قطاع الطب صنفين: طب "حديث" طاغٍ، وطب "بديل" مهمّش، والسبب أن نزعة السيطرة التاريخية التي تطال الأبعاد العسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية، تشمل قطاع الطب الذي يشتهر فيه الطب العربي، والفارسي، والصيني، والهندي، وسواه.

وفي عصر الحداثة التي أفرزتها الثورة الصناعية في أوروبا، انتشرت علوم الطب الحديث الرائج، وبرعت فيها أوروبا، ثم أميركا بصورة متقدمة عن بقية العلوم. 

حملت الحداثة على أكتاف أسيادها المستعمرين، الطب الحديث حيثما سيطرت، في امبراطوريتها التي شملت العالم بأسره، وجرى تهميش كل العلوم الطبية الأخرى، رغم أن الطب الحديث استند على ما كشفته، وأسسته مختلف حضارات الطب؛ وفرض الطب الحديث-المعتمد على الدواء الكيميائي، وتقنيات الصحة المختلفة من تصوير وتحليل مخبري- كقطاع صحي شرعي وحيد، وكل ما عداه فُرِضَ اعتباره غير شرعي، والسبب تجاري نظراً لما يؤمنه قطاع الصحة من قوة اقتصادية هائلة. 

في ظل هيمنة الحداثة، انقسم الطب إلى قسمين، الحديث، من جهة، وكل ما عداه صُنِّف في إطار البديل، من جهة ثانية، فبرزت قطاعات الطب البديل، والتجانسي، والوخز بالإبر الصينية، والتداوي بالأعشاب. وتطورت علوم الطب البديل حتى في عقر دار الطب الحديث، وخصصت جامعات لتدريسه، لكنه بقي في حكم المهمّش، كما نشأت الكثير من صناعات الأدوية الحديثة ذات المصدر النباتي- العضوي البحت، معتمدة تسمية "المتممات الغذائية" حفاظاً على الرقي الطبقي المفروض للأدوية الكيميائية.

في لبنان مثلاً، يكاد الطب البديل يصبح ممنوعاً تحت سيطرة الطب الحديث، وكارتلاته المحلية، واحتكارات ترويج عناصره. لكنّ العديد من التجارب تصارع تحت مواضيع مختلفة لا تمنعها السلطات بسبب عمل هذا القطاع تحت عناوين غير طبية، مثل الاستشارة الغذائية، من جهة، ومن جهة ثانية، لأن هناك الكثيرين يفضلونه، وقد وجدوا فيه أكثر إفادة، وطمأنينة.

الطب الصيني

  • الخبير العلي مع أستاذ صيني
    الخبير العلي مع أستاذ صيني

مع تعدد هذه المجالات، يستطيع المهتم بالطب الصيني العثور على العديد من مراكز العلاجات الصينية، خصوصاً منها الوخز بالإبر، والحجامة، واستخدام النباتات في العلاج. 

إقرأ أيضاً: ما هي فوائد الحجامة.. العلاج المعروف منذ عشرات آلاف السنين؟

وهناك مركز متخصص في شمال لبنان، لصاحبه الخبير وليد العلي (1975) الذي يحمل عدة شهادات من جامعات الصين، ومصر، وتركيا، وسواها من الدول، حيث خضع فيها للعديد من الدورات التعليمية-التدريبية على الوخز بالإبر، والحجامة العلمية، وطب الأعشاب. كما نال الدكتوراه الفخرية من "الاتحاد العالمي لتقنيات التنمية البشرية والتطوير الذاتي"- ومركزه في أنقرة .

لم يكن توجّه العلي طبياً في البداية، حيث كان يعمل في قطاعات مختلفة، بهدف الكسب المادي بأي قطاع من القطاعات، ومنها التجارة بالأعشاب الطبية- قطاع استهواه أكثر من سواه، فركز عليه ابتداءً من عام 2013، وتعرف بمن أوصله إلى الاتحاد، فبرع في بحوث الزيوت النباتية الطبية التي كان يعمل على استخراجها عبر تقنيات خاصة، وأو عن طريق الاهتمام بتراكيب العلاجات من النباتات. 

  • تقنية الحجامة والوخز بالإبر الصينية
    تقنية الحجامة والوخز بالإبر الصينية

يقول العلي إنّ "رئيس الاتحاد علمني كيفية تركيب المواد النباتية المفيدة، وسبل علاجاتها، ومنها علاج تنظيف الدم، وآلام المفاصل، ومشاكل الجهاز الهضمي، وسواها، ولما لمس براعتي في هذا المجال، وفي الأبحاث فيها بعد سنوات من العمل معه، منحني الدكتوراه الفخرية من الاتحاد”.

ويضيف، أعوام مضت قبل أن التحول إلى الطب الصيني في العام 2018، "حيث تعرفنا أنا وأحد الأصدقاء على طبيب مصري متخصص في الطب البديل، فحضر إلى لبنان، وخضعنا معه لأربع دورات"، متابعاً "توجهنا مع زملاء آخرين نحو الصين، وتعرفنا على دكتور مصري آخر مقيم في جامعة بكين الدولية الرسمية، وتدربنا فيها على ست دورات متقطعة بالطب الصيني، تركزت على الوخز بالإبر، والحجامة العلمية".

ومنذ عودته من هناك، يعمل العلي على معالجة مختلف الحالات الصحية بالتقنيات التي اكتسبها. كثيرون يقصدون مركز عمله، ويؤكد أن ليس هناك من مرضٍ مستعصٍ على الطب الصيني، إلا ونعالجه ونشفيه".

وقدم العلي أمثلة على علاجات "الديسك" الذي يتم تحديده إما بالأشعة، والفحوص الرائجة، أو بتقنيات صينية، موضحاً "نبدأ العلاج بالوخز بالإبر، وبناءً على حالة الديسك، يخضع المريض لجلسات وفق الحاجة".

مفاهيم الطب الصيني

يرتكز الطب الصيني، وبعد تجارب طويلة طاعنة منذ آلاف السنين قبل الميلاد، بحسب العلي، على مفهوم أنّ كل أعضاء جسم الانسان موصولة بفقرة من فقرات العمود الفقري، وكل فقرة مسؤولة عن عضو محدد. 

ويشرح أنّ الطب الصيني قسّم الجسم إلى نوافذ أمامية، ونوافذ خلفية، ترتبط كلٍّ منها بعضو معين. ومن خلال فحص معين، أو ضغط بالإصبع بتقنية مدروسة، يمكن تحديد المرض، وتحديد العلاج بتتبع المسار الكهرومغنطيسي للعضو.

ولمزيد من التحديد، - بحسب العلي- يقسم العمود الفقري إلى أربعة أقسام بدءاً من الأعلى، وأول قسم هو: "الفقرات العنقية"، والثاني: الصدرية، والثالث: القطنية، والرابع: العجزية. 

ويشير إلى أنّ لكل حالة مرضية طريقة علاجه، وقد تتضافر التقنيات الثلاث فيها، الوخز، والحجامة، والتداوي بالأعشاب، وليس هناك من تسلسل محدد في العلاج. 

ويعطي العلي مثالاً على ذلك، في معالجة مشكلة الشلل، "فإذا كانت حالة المريض سيئة للغاية، نبدأ بالوخز لرفع طاقة الجسم، ومتى لمسنا تحسناً بعد جلستين أو ثلاث، نردف العلاج بالحجامة، ونتابع وفق ما نراه ضرورياً، وقد يستغرق العلاج جلسات قليلة، وقد نصل إلى 12 جلسة، وبحسب التقدم والتجاوب، نتابع مع المريض، وإذا كان العصب مقطوعاً، أو في حال كسر العظم، علينا اللجوء إلى العمليات الحديثة".

ويتناول العلي الحالات الصحية المتعدد، وبينها حالات "الزهايمر" و"الباركنسون"، أو أي شلل مصدره الرأس، ويؤكد أنّ "العلاجات تشفيها بالتمام، لكن بعد جلسات متعددة، وتحتاج بعض الحالات المتقدمة لتقنية بارعة وهي برم الإبرة 200 برمة بالدقيقة لتعطي فعالية طاقة للجسم". أما في حالة وجود (البهاق) فنبدأ به بالتداوي، ثم بتطويقه بالإبر، ويمكن الشفاء منه بالتمام وفق تجاوب المريض".

وأما بالنسبة لوجود مخاطر خطأ عن طريق الوخز بالإبر، يؤكد العلي أنها "تنحصر في الغشاء الصدري أي غلاف الرئتين، والكلي".

ويختم الخبير في الطب الصيني قائلاً: "ليس سهلاً حصر الطب الحديث في محيط الطب الصيني المتراكم الخبرات منذ آلاف السنين".