الأمثال الشعبية العراقية.. الحكمة والفكاهة

"عصفور كفل زرزور.. واثنينهم طيارة"، تحتل الأمثال الشعبية العراقية مكانةً مهمة في التراث الشعبي لغناها وتنوعّها وطرافتها، تعرفوا معنا إلى أشهرها وأكثرها تداولاً.

  • الأمثال الشعبية العراقية.. الحكمة والفكاهة

الأمثال الشعبية، معينٌ لا ينضب، هي حكمة الشعوب، تحمل تراث الأجيال، وتصاغ من تجارب وخبرات وحكمة رسختها الشفاه نتاجاً جماعياً تتناقله الناس، بعضها أفرزته حكاية، وبعضها الآخر ربما نكتة طريفة.

تزدحم أزقة سوق الكرخ في بغداد بالعراقيين، صغاراً وكباراً، وجدوا قبلتهم في هذا المكان لشراء حاجياتهم، تعلو صيحات البائعين ترويجاً لبضائعهم، يلفتون نظرك لبضع دقائق، ولكن سرعان ما تشدك رائحة البهارات المنبعثة من دكانة "أم ياسر"، سيدة تبلغ من العمر 70 عاماً، هي "عميدة السوق"، كما يحلو لأبناء المنطقة تسميتها، تجتمع عندها النسوة كل صباح، يتبادلن أطراف الحديث، ويستودعنها أسرارهنّ وأخبار الحي بأكمله.

استقبلتنا الحاجة أم ياسر بابتسامةٍ تختبئ خلف ثناياها تجارب الحياة، راحت تقص علينا قصتها ومعاناتها، سألناها عن الأمثلة الشعبية العراقية، فأجابت قائلة "الأمثلة كثيرة، ومتشابهة في الدول العربية، هناك مثل يقول: لو العمة تحب الكنة، كان إبليس دخل الجنة"، وأضافت "أنا أعامل كنتي على أنها ابنتي، هي أصبحت جزءاً من عائلتنا وأنجبت لي أحفاداً، وهذا المثل لا ينطبق على الجميع".

انتقلنا إلى الدكان المجاور، كان الحاج أحمد العامري منهمكاً بترتيب الرفوف، أخبرنا أن الأمثلة الشعبية هي الأرث الشفهي للشعوب، تتناقلها الأجيال، وفيها تترسخ القيم الفاضلة، وحول ذلك قال: "امشي وراء الذي يبكيك، ولا تمشي وراء الذي يضحكك"، وأضاف "هذا المثل يعني أنه ليس كل من جعلك تضحك يكون هدفه مصلحتك، أحياناً من يبكيك يكون هدفه تعليمك وتأديبك وإرشادك إلى الدرب الصحيح".

أمثال لا تخلو من الفكاهة

تابعنا جولتنا في السوق، ووصلنا إلى دكان الحاج أبو علي، أخبرنا أن بعض الأمثال العراقية في  ظاهرها تبدو فكاهية، ولكن باطنها عميق جداً ومضمونها غنيٌّ بالحكمة، وتابع قائلاً "(عصفور كفل زرزور، واثنينهم طيارة)، هذا المثل وإن بدا مضحكاً، إلا أنه مليء بالحكمة والدروس، ويقال لمن لا تثق الناس به فيحضر كفيلاً على شاكلته ليكفله، وكلاهما كما الطيور على أشكاله تقع".

المثل قصة حياة ترويها الأجيال، وحكاية حكمة الأجداد الصالحة لكل زمان ومكان وإن اختلفت اللهجات، إلا أن المعنى والمغزى من المثل الشعبي يبقى واحداً، يستوقفنا حسين الحيدري، صاحب أحد المحال في السوق، ليروي لنا قصة أحد الأمثال قائلاً: "(لا حظت برجلها.. ولا خذت سيد علي)، هذا المثل قصته طويلة، تتحدث عن فتاة جميلة لم تحافظ على زوجها الذي أجبرها والدها على الزواج منه، ولم تتزوج من السيد علي الذي أعجبت به فرفضها، وبالتالي خسرت الإثنان معاً، ولهذا فإنه على الإنسان أن يرضى بنصيبه".

خلف إحدى عربات (بسطات) الخضار، يقف الطفل محمد، عمره 10 سنوات، منتظراً زبوناً يعبر من هنا أو هناك، وقع نظره علينا، فنادى قائلاً "أنا أحفظ مثلاً شعبياً، (امشي شهر ولا تعبر نهر)، ويعني هذا المثل أنه على المرء أن يمشي في الطريق الصحيح مهما كلفه ذلك من متاعب".

أمثالٌ كثيرة، لا تعد ولا تحصى سمعناها في السوق، "اللي ما يلوح العنب يقول حامض"، "مال اللبن للبن، ومال الماي للماي"، وغيرها من أمثالٍ أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الشعب العراقي، وعصارة حكمته، والضيف الدائم في أحاديثه، وذاكرته الحية.

في نهاية جولتنا، أقبل علينا أحمد الرحبي، رجل سِتّيني، يرتدي عباءة بيضاء، شعره مصفف بعناية، وتجاعيد وجهه البارزة تختزل قصصاً وحكايات، ومن دون سابق إنذار، أطلق ضحكة ملأت أرجاء السوق وقال "اللي ما يعرف يركص يقول الكاع عوجة، الحكمة من هذا المثل هي أن من يتعدى على مهنة لا يعرفها سيضع فيها ألف علة".

المثل الذي قاله العم أحمد ينطبق كثيراً على من لا يرون في بلد الحضارات إلا القتل والدمار، ولا ينقلون عنه إلا أخبار الموت. فحتى تعرف العراق وشعبه عليك أن تنزل إلى أرض الواقع، أن تتجول في شوارع مدنه، وتتنقل بينها، وأن تخالط أهله وتجالسهم، وأن تتقاسم معهم "الصمونة" والضحكات وحتى الهموم اليومية، عندها ستجد صورة مغايرة لشعبٍ لا يزال متمسكاً بالأمل والحياة بالرغم من الويلات التي مرت عليه.

يشهد يوم العاشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل انتخابات برلمانية في العراق، تكتسب أهمية كبيرة وينتظر منها أن تؤسس لمرحلة جديدة في التحالفات السياسية. تفرد الميادين مساحة واسعة لهذه الانتخابات تحت عنوان "يا عراق الخير".