التشويش الإسرائيلي على "جي بي أس" يربك السائقين والطيارين في لبنان

التشويش الإسرائيلي على أنظمة "جي بي أس" وخرائط "غوغل" الالكترونية يتواصل وخصوصاً في لبنان منذ بدء العداون الإسرائيلي على غزة وجنوب لبنان، والسائقون والطيارون قلقون من التشويش الذي يعرقل مهمتهم ويعرضهم إلى الخطر.

  • التشويش الإسرائيلي على
    التشويش الإسرائيلي على "جي بي أس" يربك السائقين والطيارين في لبنان

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان في تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتصعيد على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، بعد هجوم السابع من أكتوبر، يلحظ السكّان في العاصمة بيروت بوتيرة متفاوتة، اضطراباً في عمل الخرائط الالكترونية على غرار "غوغل" المستخدم على نطاق واسع، وتشويش إشارات نظام تحديد المواقع العالمي المعروف اختصاراً بالأحرف الثلاثة "جي بي أس - GPS". 

ففي أحيانٍ عدة مثلاً، عند فتح خريطة "غوغل" يظهر الشخص على أنه في مطار بيروت الدولي، حتى لو لم يكن هناك. 

التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) هو عملية تدخّل في، أو تعطيل، إشارات نظام تحديد المواقع العالمي الذي يعتمد على شبكة من الأقمار الصناعية لتحديد الأماكن بدقة على الأرض. يتم هذا التدخل عادةً عن طريق إرسال إشارات إلكترونية مشوشة أو قوية جداً إلى الأقمار الصناعية أو إلى أجهزة الاستقبال، ما يجعل من الصعب على هذه الأجهزة استقبال إشارات GPS بشكل دقيق.

يعود الاضطراب في تحديد المواقع عبر تطبيقات النقل، على غرار شركة "أوبر" للنقليات مثلاً، إلى تشويش إشارات نظام "جي بي أس".

ويتهم لبنان "اسرائيل" بالتسبّب بالتشويش عمداً وعرقلة النقل البري والجوي، على خلفية التصعيد في جنوب لبنان.

ويبدو أنّ التشويش الإسرائيلي يتعدّى بيروت الى جزيرة قبرص المجاورة، حيث وجدت صحافية في وكالة "فرانس برس" نفسها على الخريطة في مطار بيروت، بينما كانت في مدينة لارنكا الساحلية في قبرص.

وفي مدينة القدس المحتلة، وضعت خريطة "غوغل" صحافية في وكالة "فرانس برس" في القاهرة.

وفي بعض الأحيان تسافر الخريطة بالمستخدم أبعد من ذلك بكثير، كما حصل مع أحد الأشخاص الذي كان يعرض صوراً التقطها لشاشة هاتفه تظهره مرةً في مدينة رفح الفلسطينية حيث تدور المعارك مع الاحتلال، ومرةً أخرى في مدينة بعلبك شرقي لبنان،  فيما هو على بعد أكثر من 60 كلم في العاصمة اللبنانية بيروت. 

قبل أسابيع، كان سائق الأجرة، حسين خليل (36 عاماً)، يقود سيارته في بيروت، ليفاجأ بأنّ موقعه على الخريطة يُظهره في مدينة رفح الفلسطينية، جراء تشويش إسرائيلي يتكرر، معرقلاً النقل الجوي والبري. ويتهم لبنان بأنّ "إسرائيل" وراءه. 

يقول السائق خليل الذي يعمل في شركة "أوبر" بينما يقود سيارته في شوارع بيروت المزدحمة لوكالة "فرانس برس": "نحن نعاني من هذه المشكلة كثيراً منذ خمسة أشهر"، مضيفاً: "تمرّ أحياناً ثلاثة أيام لا نستطيع أن نعمل خلالها على الاطلاق، وأحياناً قد نبقى ساعةً أو ساعتين من دون عمل وطبعاً نحن نخسر". 

وجرّاء هذا التشويش، بات خليل يتجاهل الخريطة الالكترونية التي لم تعد تظهر المواقع بدقّة، ويستعيض عن ذلك بالاتصال مباشرةً بالزبون لمعرفة مكانه، ويقول متهكماً: "اتصلت بي الزبونة وسألتني: أنت في بعلبك؟! قلت لها لا، أحتاج دقيقتين لأصل الى موقعك". 

ويشرح فريدي خويري، المحلل الأمني لمنطقة الشرق الأوسط في شبكة "راين"، وهي شركة متخصصة في معلومات المخاطر، لوكالة "فرانس برس" كيف أنّ "إسرائيل تستخدم التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي لتعطيل اتصالات حزب الله أو إرباكها بالدرجة الأولى". 

وتلجأ "إسرائيل" كذلك، وفق خويري، إلى "تقنية تزوير نظام تحديد المواقع العالمي، وهو تكتيك آخر يُستخدم لإرسال إشارات GPS زائفة، بهدف تعطيل وتشويش قدرات الطائرات بدون طيار والصواريخ الموجهة بدقة على العمل أو ضرب أهدافها"، والتي "متلك حزب الله ترسانة كبيرة"منها"، وفق خويري. 

حتى 28 حزيران/يونيو الماضي، ظهر مستوى التشويش في موقع "جي بي أس جام" المتخصص بجمع بيانات حول انقطاع إشارات تحديد المواقع الجغرافية، عالياً فوق لبنان ومناطق من سوريا والأردن و"إسرائيل". 

ولعلّ أكثر ما يقلق لبنان هو تأثير التشويش على الملاحة الجوية، ما دفعه إلى رفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي في 22 آذار/مارس الماضي، ندّد فيها بـ"اعتداءات إسرائيل على السيادة اللبنانية عبر التشويش على أنظمة الملاحة وسلامة الطيران المدني في أجواء مطار رفيق الحريري الدولي، منذ بدء الحرب على غزة".

وأوعزت المديرية العامة للطيران المدني بدورها في تعميم إلى الطيارين الذين يسيّرون طائرات من وإلى مطار"بيروت منذ آذار/مارس، "بضرورة الاعتماد على التجهيزات الملاحية الأرضية وعدم الاعتماد على الإشارة التي يلتقطونها عبر (جي بي أس) نتيجة التشويش القائم في المنطقة، وحفاظا على السلامة"، وفق ما يوضح المدير العام للطيران المدني فادي الحسن لـ"فرانس برس".

وجراء ذلك، بات الطيارون يعتمدون على أجهزة الملاحة الأرضية، عوضاً عن استخدام نظام (GPS) كأساس وأجهزة الملاحة الأرضية كإجراء احتياطي.

ويقول المدير العام للطيران المدني اللبناني: "لا يعقل أننا في زمن التكنولوجيا، ولا يستطيع طيار يريد الهبوط في مطارنا أن يستفيد من ميزة (جي بي أس) بسبب التشويش من العدو الاسرائيلي"، مؤكداً حرص إدارته على "صيانة التجهيزات الملاحية الأرضية في كلّ الأوقات لكي تعطي الاشارات المطلوبة للطيارين للهبوط بشكل آمن بالمطار".

ويتحدّث أحد الطيارين عن تحدٍّ آخر يطرحه سوء الظروف الجوية، موضحاً: "عندما لا ترى الأرض، ماذا يحصل؟ فجأة يتملّكنا الخوف عندما نرى أننا في مكان لسنا فيه حقاً.. قد يؤدي ذلك إلى حادث أو كارثة". 

اقرأ أيضاً: التشويش على GPS: استراتيجية دفاعية تفشلها المقاومة وتهدد سلامة الطيران المدني

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.