دقة: لؤلؤة أثرية تعانق ربوع الشمال الغربي التونسي

  هنا يتوقّف الزمن ، هنا حياة أخرى غير التي اعتادها الناس ، هنا كتب تاريخ من حضارات متنوّعة ، ووثّقت الأحجار وبقايا البنايات قصصاً وحكايات بعضها أسطوري وبعضها الآخر حقيقي.

  •  دقة: لؤلؤة أثرية تعانق ربوع الشمال الغربي التونسي
    دقة: لؤلؤة أثرية

مدينة دقة الأثرية المتربّعة فوق ربوع الشمال الغربي التونسي وتحديداً في منطقة تبرسق، تزيّنها أقواسها الكلسية وأعمدتها المرمرية شاهدة على ثراء  معمارها وجمال هندستها، وتحاكي تاريخ بلد عمره 3 آلاف سنة من الحضارة، حيث  تعدّ هذه المدينة واحدة من  أهم المواقع الأثرية في تونس وشمال أفريقيا وأكثرها جمالاً واستقطاباً للسيّاح بنكهة رومانية.

شهدت مدينة دقة الأثرية العديد من الحضارات، من ذلك البربرية والنوميدية والبونية والرومانية والبيزنطية ،غير أن الطابع الروماني كان الأكثر وضوحاً،  حيث لا تختلف الهندسة المعمارية لمدينة "دقة التونسية" عن الهندسة المعمارية للمدينة الرومانية التقليدية، مثل مدينة  بومبي في إيطاليا.

  • دقة: لؤلؤة أثرية تعانق ربوع الشمال الغربي التونسي (فيديو)

ضمن التراث العالمي

وإلى جانب الآثار والمعالم الدينية، تحتوي مدينة دقة التي أدرجتها اليونسكو  ضمن التراث العالمي، على عدد كبير من أجمل المعالم الأثرية، وأهمها المسرح الروماني الذي يتسع إلى أكثر من 3500 شخص، وأيضاً معبد الكابتول الذي كان يسكن فيه القيصر الروماني (الحاكم) ويعدّ رمزاً من رموز السيادة والقوة الرومانية وخلودها، مخصصاً لعبادة الثالوث الإلهي لمدينة روما.

إضافة إلى معبد "ساتيرن" الذي بني في فترة حكم الإمبراطور الأفريقي سبتيموس سيفيروس ومعبد "ماركير" في نهاية القرن الثاني، ومعبد  "جونان كلاستيس" المحاط بأشكال نصف دائرية حيث تقام الطقوس والتراتيل القدسيّة للآلهة القرطاجنية "تانيت" رحلة إلى الماضي بلا تأشيرة  وبين ربوع هذه المدينة وآثارها  يتجوّل الإنسان و كأنه في رحلة إلى الماضي، رحلة  بلا تذكرة ولا جواز  سفر وإنما طابعها المعماري وما يحاكيه من قصص ويخلّده من تاريخ وحده كافٍ لأن يمنحه تأشيرة العبور إلى ماضٍ ثريّ واستثنائي.

  •  دقة: لؤلؤة أثرية تعانق ربوع الشمال الغربي التونسي

لأن التاريخ  كما يقول الكاتب عبد الرحمن منيف " يعلّم الإنسان الدروس، ويجعله أكثر وعياً" وقد أكدت كتابات تاريخية أن مدينة "دقة" ، المعروفة قديماً باسم "ثوقة"، كانت حليفاً لروما ضد القرطاجيين. لذا لم تدمّرها الجيوش الرومانية، التي غزت قرطاج سنة 146 قبل الميلاد.

ثم ضمّها قيصر روما إلى إمبراطوريته، بعد نحو قرن من ذلك، وظلت تشهد نهضة وازدهاراً كبيرين، حتى منتصف القرن الثالث الميلادي.

دقة  طبيعة استثنائية  

جمال دقة الممتدة على مسافة 70 هكتاراً لا يختزل في آثارها المنتشرة في أرجائها كافة فحسب، بل يعود أيضاً الى  تموضعها وسط  أراضٍ زراعية، وهو ما جعلها صامدة إلى اليوم وفق ما أكّده المؤرخ التونسي عبد القادر المسيليني، حيث تحاط هذه المدينة من كل الجهات  بغابات شجر الزيتون وحقول القمح وعيون المياه العذبة المتدفّقة، ما جعل منها مركزاً للخيرات منذ القدم، فهي تقع في منطقة الشمال الغربي الأكثر خضرة في تونس  والذي كان قديماً يزوّد روما بالقمح حتى أنه أطلق على محافظة باجة التي تقع فيها.

  •  دقة: لؤلؤة أثرية تعانق ربوع الشمال الغربي التونسي

لا  تعدّ مدينة دقة صرحاً تاريخياً وأثرياً فحسب، بل هي أيضاً صرحٌ ثقافي مميّز ، حيث يفتح مسرح دقة  أبوابه سنوياً لاستقبال عشّاق الحياة والفن، ويمنحهم فرصة الحلم والإبداع  على أنغام فنية ترقص لها فينوس وتنحني لسحرها تانيت، فقد غنّى على خشبة هذا المسرح  أبرز الفنانين العرب والأجانب ، ويستعدّ خلال هذه الأيام  ومع انطلاق "الدورة الـ 48  لمهرجان دقة" المقبل قريباً، لاستقبال عديد الفنانين مثل أنور براهم ومي فاروق وغيرهما من الفنانين لإحياء سهرات موسيقية ومتنوّعة  من عديد البلدان  على غرار فنانين من تونس والجزائر والمغرب ومصر وفلسطين وفرنسا وسويسرا.