"بإنتظار الخريف" للسوري جود سعيد : الضاحك الباكي في معادلة الحياة والموت ؟؟؟

كانت لحظة معبّرة حين الإعلان عن فوز فيلم "بإنتظار الخريف" ، للمخرج السوري جود سعيد ، بالجائزة الأولى في مسابقة آفاق السينما العربية ، إحدى تظاهرات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 37 الذي رفضت السلطات المصرية منحه تأشيرة دخول إلى مصر مع شريكه في كتابة السيناريو علي وجيه ، وبالتالي اضطرت منتجة الفيلم رحاب أيوب لأن تتسلم الجائزة.

المخرج السوري الشاب جود سعيد يفوز بجائزة أفضل فيلم في مسابقة آفاق السينما العربية
ألقت رحاب أيوب كلمة بالمناسبة شكرت فيها الحضور و إدارة المهرجان على الحفاوة والتقدير ، وألقت كلمة مكتوبة أرسلها المخرج إلى إدارة المهرجان قال فيها :

"أعتذر .. منكم أعتذر .. فقد باتت الطائرة تعجز عن حمل هويتي إليكم ، فقد أضحت هويتي  مثقلة بالدم والرصاص ..صارت ربما عبئاً من قسوة . السينمائيون أهل ذاكرة لا ينسون في العام 2009 وأنا أصنع فيلمي الأول : حصل طارئ تقني في دمشق كاد يمنعنا من إتمام الفيلم في مواقيته ، فقالت لنا القاهرة أهلاً ، و أذكر الطريق من المطار للأستوديو و أنا محمّل بأعوامي الـ 29 وعشرات علب الخام في تاكسي بسيط يضحك سائقه الكهل مجلجلاً، و أنا أخبره أنه يحمل مئات اللقطات التي لا نسخة ثانية لها ونمشي والقاهرة لا تقول لي إلاّ أهلاً" .

وأضاف "عدنا في العام 2010 مرة أخرى للمشاركة في مهرجان القاهرة الذي لم يتوقف عن القول لنا أهلاً .

يذكر الأستاذ علي أبو شادي تلك الحادثة ، وأوجه له ولكل قامات مصر السينمائية التحية،  اليوم وبعد أربع سنوات تعود القاهرة لتقول لنا أهلاً . شكراً لمصر ولمهرجان القاهرة والقائمين عليه لإستقبال فيلمي الثالث ومنحه حق عرض هويته و إسماع صوته ، الحرية لا تتجزأ فهي إمّا أن تكون جميع أو لا تكون ونحن نريدها حقيقية ، و للجميع دون إستثناء .

وتابع المخرج "أستودعكم على الشاشة أرواحنا و سلاماً للدنيا من دمشق ، لا تنسونا فلربما نموت غداً أو بعد غد ولا يبقى منا إلاّ ذاكرتكم و أسماءنا وما ستشاهدون بعد قليل، إنتظارنا لخريفنا ، لسماء تشريننا أقل قتلاً و أقل ظلماً، ما ستشاهدون فيه هو من دمنا ، هو ضحكات وجعنا و بسمات من رحلوا عنا و هويتنا الطيبة الرقيقة التي لا ولن تموت . نحن لا نموت فإن غبنا جسداً يبقى صدق صوتنا و حق حروفنا التي تسمعون الآن" .



"نحن لانموت"

وختمت الرسالة بالقول "أتمنى من كل الحاضرين أن نستذكر كل الأبرياء الطيبين الذين ماتوافي سنوات قهرنا دون أن يسألهم أحد إن كانوا يودون الإستمرار في الحياة . فلنستذكرهم جميعاً كل الضحايا السوريين ، بلحظات صمت لربما يصيرالغد أقل عنفاً،شكراً مهرجان القاهرة لإصرارك على حياتنا".

هذه الرسالة قالت في حدود ما قاله الفيلم  الموجّع والعميق والنازف دمعاً صادقاً حتى من الضحكات الساخرة التي تتخلل المواقف المتلاحقة بتدفق وكثافة غريبين تعبيراً عن الحال التي بلغتها الأزمة السورية في تداعياتها النموذجية ، من قسوة العسكر ومحاولة المدنيين تجاوز التداعيات التي أفرزتها الأحداث والإنغماس في الرياضة ( الكرة الطائرة ) في محاولة لكسب كأس الجمهورية وهزيمة الضيعة المنافسة ، والقيادة دائماً بيد إمرأة ( سلاف فواخرجي) التي أحسنت قيادة الفريق وتدخلت في كل تفصيل عادي وحمت أعضاء الفريق من الجنسين .

الفيلم شبيه بقصة : بإنتظار غودو ، حيث لا أحد ينتظر شيئاً ، ولا يرى في الأفق أي أمل ، ومع ذلك هناك إندفاع وعمل وكأنما الوعد بالخلاص مضمون من كل الأطراف .

كل ما في الفيلم يؤشر على سينما مختلفة ، وإذا لم يكن المخرج نجح في دخول القاهرة فإن فيلمه تخطى كل العوائق وقطف الجائزة العربية الأولى بجدارة .

المخرج عبد اللطيف عبدالحميد أسهم في السيناريو وفي الأدوار الأولى إلى جانب سلاف ، ومعهما كامل نجمة ،رنا الحلبي ، و رنا ريشة ، وأدار التصوير وائل عزالدين ، و صاغ الموسيقى التصويرية نديم مشلاوي ، في فيلم تدور أحداثه قبل عامين لمخرج درس السينما في فرنسا(معهد لوي لوميير- ليون) وتخرج منها قبل 9 أعوام . له الشريطان القصيران : مونولوغ / 2007 / وداعاً / 2008 / ثم صوّر الروائيين الطويلين : مرة أخرى / 2009 / و صديقي الأخير / 2012 /.