السودان: الخرطوم المدمّرة تواجه كلفة إعادة إعمار تبلغ نحو 130 مليار دولار

ملايين النازحين يعودون إلى العاصمة السودانية الخرطوم على الرغم من الدمار الواسع ونقص الخدمات، وسط تقديرات ببلوغ كلفة إعادة الإعمار 130 مليار دولار دون أفق واضح للتمويل.

0:00
  • عامل يجرف الحصى بالقرب من المباني المتضررة بشدة في الخرطوم في 30 تموز/يوليو 2025 (أ ف ب)
    عامل يجرف الحصى قرب المباني المتضررة بشدة في الخرطوم في 30 تموز/يوليو 2025 (أ ف ب)

تطرقت وكالة "بلومبرغ" الأميركية في تقرير لها إلى واقع العاصمة السودانية الخرطوم مع تزايد أعداد العائدين إليها، على الرغم من الدمار الشامل الذي خلفته الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف عام.

وأشارت الوكالة إلى أنه على الرغم من استعادة الجيش السوداني السيطرة على المدينة في آذار/مارس الماضي من قوات الدعم السريع، فإن العاصمة لا تزال ترزح تحت أعباء الانهيار الكامل للبنية التحتية، حيث تنتشر الجثث في الشوارع، وتتفاقم أوبئة حمى الضنك والكوليرا، فيما تبقى الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء شبه معدومة.

وتتوقع الأمم المتحدة عودة ما يقارب مليوني نازح إلى الخرطوم بحلول نهاية 2025، إلا أن غياب الأمن والمرافق الأساسية يُضاعف معاناة العائدين، ويجعل عملية الاستقرار تحدياً بالغاً.

كلفة الإعمار تفوق قدرات البلاد

وتقدر الحكومة السودانية أن كلفة إعادة الإعمار على مستوى البلاد قد تصل إلى 130 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي قبل الحرب. وتشمل هذه التقديرات نحو 20 مليار دولار لإعادة بناء البنية النفطية، و3 مليارات دولار لإعادة إعمار المطار الدولي الذي دُمّر بالكامل خلال المعارك.

وقد أبلغت السلطات السودانية المانحين الدوليين بهذه الأرقام في تقييم حكومي أولي، اطّلع عليه دبلوماسيون غربيون، فيما لا تزال جهود التمويل الدولي خجولة، ولم تُثمر المؤتمرات الإغاثية السابقة عن نتائج ملموسة.

دعم خارجي مشروط بوقف الحرب

وذكرت الوكالة أنه على الرغم من توقيع اتفاقيات أولية للمساهمة في الإعمار مع كل من روسيا، والصين، ومصر، والسعودية، وقطر، وتركيا، وإيران، فإن تنفيذ هذه المشاريع يبقى مرهوناً بعودة الاستقرار ووقف الحرب نهائياً، وهو ما لم يتحقق بعد.

وقالت خلود خير، مؤسّسة مركز "كونفلوانس" البحثي، إن العودة يتم تشجيعها رسمياً، لكنها "تجري في ظل انعدام الأمن والبنية التحتية والخدمات، ما يجعلها محفوفة بالمخاطر".

أولوية الإغاثة قبل الإعمار

بموازاة ذلك، تعاني جهود الإغاثة من نقص حاد في التمويل. ووفق برنامج الأغذية العالمي، فإن الموارد المتوفرة لا تكفي سوى لمساعدة 4 ملايين شخص شهرياً من أصل أكثر من 24 مليوناً بحاجة إلى المساعدة، كما أدى خفض التمويل الأميركي إلى إغلاق أكثر من 800 مطبخ خيري في الخرطوم، ما يُنذر بموجة جوع واسعة.

وأكد ديفيد ميليباند، رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، عقب زيارته السودان، أن "هناك شعوراً هائلاً بأن البلاد قد انهارت ولم تُجمع شتاتها بعد".

ويعكس مشهد الخرطوم حجم الكارثة، إذ نُهب المتحف الوطني، وتعرّض فندق كورنثيا الشهير للقصف المتكرر، كما نُهبت أو دُمرت مساجد وجسور تاريخية، فيما استهدفت طائرات مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع منشآت حيوية للكهرباء والطاقة.

ومع ذلك، أطلقت مجموعات مدنية جهوداً محلية محدودة لإعادة الحياة، مثل ما أعلنه خالد عادل، منسق مبادرة في حي العمارات، إذ بادر السكان إلى جمع التبرعات لتركيب مضخات مياه تعمل بالطاقة الشمسية، والتعاون مع تأسيس نقاط تفتيش أمنية بالتعاون مع الشرطة المحلية.

وذكرت وكالة "بلومبرغ" أنه في السياق نفسه، أعادت السلطات فتح عدد من مؤسسات الدولة، منها مراكز الشرطة والهجرة والكهرباء والطيران المدني، لكن المراقبين يرون أن هذه الإجراءات تبقى محدودة التأثير أمام ضخامة التحديات.

وقال أمجد فريد، رئيس مركز فكرة للدراسات والتنمية: "لا يمكن فتح أبواب المساعدات دون ثقة متبادلة بين المانحين والحكومة، وهذه الثقة غير موجودة حالياً".

وبينما تتجه الأنظار إلى مؤتمرات دولية محتملة لبحث إعادة إعمار السودان، فإن الواقع الإنساني يفرض أولوية عاجلة لإطعام الجوعى وتأمين الاحتياجات الأساسية قبل الشروع في أي مشاريع بعيدة المدى.

اقرأ أيضاً: السودان: الحرب دمرت البنية التحتية.. خسائر بمليارات الدولارات وتفشٍ للكوليرا