"عن أبي نصر الله".. حوار من القلب للسيد جواد مع الميادين عن السيّد الإنسان
السيد جواد، نجل شهيد الأمة السيد حسن نصر الله، يتحدّث عن والده أباً وزوجاً وعن طفولته في حي شرشبوك، كما يروي أيضاً لحظات تلقّي خبر الارتقاء في لقاءٍ خاص مع الميادين.
-
نجل شهيد الأمة السيد حسن نصر الله، السيد جواد
تحدّث نجل شهيد الأمة السيد حسن نصر الله، السيد جواد، في مقابلة خاصة مع الميادين، خلال برنامج "مسك الكلام" عن السيرة الإنسانية للشهيد السيد نصر الله.
وأكد السيد جواد نصر الله أنّ شهيد الأمة لم يغب باستشهاده بل صار أكثر حضوراً، فهو في كلّ فكر وفي كلّ حركة وسكون، وهو موجود، "ليس فقط في البيت وفي أنفسنا كعائلة بل هو موجود في الخارج أيضاً".
"هو لم يغب حتى يحضر.."
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) September 28, 2025
كيف يحضر الشهيد #السيد_حسن_نصرالله في ذاكرة ووجدان نجله جواد؟#الميادين #السيد_الأمة #مسك_الكلام @Zahiwehbe @_mjn__ pic.twitter.com/uoOEv2cQci
واستند السيد جواد إلى المفهوم الديني، ليشرح أنّ مسألة نكران استشهاد السيد نصر الله لدى البعض هو مجرّد أمر عاطفي يسلخ عنهم المنطق، لكن الناس رويداً رويداً ستعود إلى الأمر الطبيعي.
خبر الارتقاء ولحظة المغتسل
استذكر نجل السيد نصر الله أنه تلقّى خبر ارتقاء والده شهيداً، كما الناس، عبر التلفزيون عند إذاعة البيان الرسمي لحزب الله، وعبر شاشة الميادين.
وعن المشاعر الأولى للاستهداف، وصف السيد جواد بأنّها "كانت صدمة ليس أكثر، كنّا بعض الشيء مهيّئين من عزم الضربة، من زلزلة الضربة، من الإعلان الإسرائيلي، من بعض التفاصيل التي بتنا نتكلّم بها تلك الليلة، هل يُعقَل هو أو لا، في هذا المكان أو لا".
وأضاف السيد جواد أنّ "طبيعة الجهاز الذي كان يمسك الحماية عند السيد هو مقسَّم، يعني ليس الكل يعرف بعضه، فبالتالي توصيل خبر إلينا كان صعباً بعض الشيء، نحن كنّا معزولين عن الاتّصال".
وسرد السيد جواد التفاصيل التي خطرت في فكره في اللحظات الأولى لتلقّيه خبر ارتقاء الشهيد السيد نصر الله، إذ تساءل: "أين هو؟ انتشلوه؟ ما زال في المنشأة؟".
ولفت السيد جواد إلى أنّ الشهيد السيد هاشم صفي الدين لم يعلن عن استشهاد السيد نصر الله إلا بعد أن تمّ سحب الجثمان من المنشأة، و"هناك من جاء ونظر إليه بعينه واتّصل بـالشهيد السيد هاشم وقال له أنا رأيت، فجهّز البيان".
وروى السيد جواد اللحظات الأولى لرؤيته جثمان شهيد الأمة السيد نصر الله على المغتسل، "أول ما نظرت كان إلى يديه لأرى إن كان استشهد خنقاً أو من الضغط، فحين وجدتهما مرتاحتين برد قلبي".
وعند هذا المشهد، شدّد السيد جواد على أنّه كان هادئاً ومتماسكاً، "أنا ابن أبي، نحن حين تصل إلينا الشهادة لا نجزع، أبداً".
توقّع الشهادة
وعن توقّع الشهادة لدى الشهيد السيد نصر الله، قال السيد جواد "ما أعرفه أنا أنّ والدي منذ سنة تقريباً هو يعرف نفسه في مسار الشهادة. هيّأنا نحن كأولاده! هو لم يكن يتحدّث، هو حتى لا يحمّل أحداً همّه".
وعن ما اعتُبر وداعاً واضحاً للشهيد السيد نصر الله حين قال في حفل تأبين الشهيد القائد فؤاد شكر "لشهيدنا لا نقول وداعاً بل إلى اللقاء، إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف، إلى اللقاء في الشهادة، إلى اللقاء في جوار الأحبّة"، حدّد السيد جواد أنّه "هو حسمها، والذي يعرف سماحة السيّد يعرف أنه لا يتكلّم بأيّ كلمة للمعنويات فقط، هو يقصد".
وبشأن لقاءٍ للشهيد السيد نصر الله بزوجته قبل ارتقائه، نقل السيد جواد أنّ الشهيد السيد نصر الله "قال لها هنا سنفترق، فسألته أراك إن شاء الله؟ قال لها لا هذه المرة الأخيرة التي نلتقي بها". وذكر أيضاً أنّ والده وقبل 3 أشهر من ارتقائه قال لوالدته "أشعر أنّ هذه الفترة الأخيرة".
وعن آخر لقاءٍ مع الشهيد السيد نصر الله، قال جواد إنّه في شهر حزيران/يونيو 2024، وذكر أنّ جدّه وأعمامه كانوا خلال هذه الجلسة وكان حديثاً خاصاً بالعائلة والذكريات.
الطفولة وحي شرشبوك
وعن طفولة الشهيد السيد نصر الله في حي شرشبوك في الكارنتينه في بيروت حيث نشأ السيد الشهيد، نقل السيد جواد إحدى القصص التي سمعها عن والده، إذ كان يقول "حين كنّا نريد أن نلعب فوتبول ما كان لدينا المال لنشتري كنزات عليها أرقام، فكنّا نُحضر علبة دهان وكنا نلبس (بروتيل) أبيض ونكتب الأرقام بالدهان، ثمّ نقول أعاننا الله على الضرب في البيت لأنه قد خرّب قميصه، كلّ الأولاد هكذا، كان عمرهم 5 إلى 6 سنوات، ويلعبون حفاة".
وعن الشتاء في هذا الحي، أخبر السيد جواد أنّ والده كان يحبّ صوت المطر على "الزينكو" لأنّ ذلك يذكّره بطفولته في حيّ شرشبوك، حيث "الأرستقراطي كانت جدران بيته من حجر وسقفه زينكو، كان الأغلب جدرانهم من خشب وحجر".
وأصبح هذا الصوت هو الذي يذكّر السيد جواد بوالده "فحين أكون في مكان ما وتمطر الدنيا، بجانبي هناك هنغار حيث أتواجد، حين يظهر صوت الشتاء أتذكّره، أنّ هذا الصوت الذي يحبه والدي".
وشكّلت طفولة الشهيد السيد نصر الله مدماك أساسٍ في تكوين شخصيته الإنسانية وانحيازه للفقراء، انحيازه للبسطاء، انحيازه للناس المهمّشين والمظلومين، وهنا أكد السيد جواد أنّ السيد كان يجلس تحت منبر السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمهما الله".
وأضاف السيد جواد، في هذا السياق، أنّ الشهيد السيد نصر الله كان منشدّاً إلى صورة السيد موسى الصدر "فإذا أردت أن تعرف من أين الفرد قد بنى شخصيته عليك أن ترى من أين استقى الحب والتعلّق والتأثّر".
السيد: القارئ النهم
وصف السيد جواد الشهيد السيد نصر الله بـ"القارئ الممتاز، والنهم.. ويقرأ ويحفط، يقرأ ويغلق الكتاب تسأله يردّ عليك". وقال إنّه "بالحد الأدنى السيد كان يقرأ كتاباً كلّ يومين، رغم كلّ المشاغل، كلّ يوم يجب أن يقرأ، هذا غير متابعة التقارير والاتّصالات والأخبار".
ولفت السيد جواد إلى "أمر جميل أيضاً"، حيث "لا محرَّم في القراءات، لا محرّم في الأسئلة ولا سقوف، بالعكس، هو يعتقد أن المعرفة والمشاورة والسؤال وعدم وضع حدود بالحوار هذا يفتح أفقاً، هذا يزيد المعرفة".
وذكر السيد جواد أنّ والده أخذ كتب أخته، التي كانت تدرس في الجامعة العربية شيئاً له علاقة بالمالية والإدارة، وقرأها. وكان يقرأ كتباً أدبية، سياسية، مذكرات رؤساء ومسؤولي أجهزة أمنية صهيونية وأميركية يتابع ماذا كان يفكّر هؤلاء، ولا حرمة على المواضيع.
ووصف السيد جواد الشهيد السيد نصر الله بـ"ديمقراطي جداً، يعني تسأله ما تريد، تحكي معه بشأن ما تريد، تعترض على ما تريد، يوضّح لك، ليس زجرياً، بالعكس يبيّن الأمور"، مضيفاً أنّه كان يوجّهه في اختيار الكتب ولا سيما الكتب العقائدية.
وشدّد السيد جواد على أنّ الشهيد السيد نصر الله يحثّ دائماً على قراءة القرآن الكريم كأوّل كتاب، و"هو يُفهّمك قراءة القرآن باليقين شيء وبلقلقة الألسن التي أغلبنا يقرأها، وإن كان بتجويد وصوت جميل لكن هناك يقين ينطبق على عمله وسلوك حياته ومسار حياته".
كتاب آخر يوصي الشهيد السيد نصر الله بقراءته هو "الأربعون حديثاً" للإمام الخميني، وفق ما نقل السيد الجواد، مشيراً إلى الاهتمام بالحركة المهدوية، و"كنّا دائماً حين نجلس معه نضع السياسة جانباً، نحكي ونسأله عن حركة الظهور".
السيد: الأب والزوج
تحدّث السيد جواد عن الشهيد السيد نصر الله كأبٍ، وقال: الموقف الذي يحتاج إلى الحزم هو حازم، لا يمدّ يده، والدي معروف يكفي أن ينظر إليك تتسمّر في الأرض، مثلاً حين يقول جواد خلاص، لا يمكن أن يعيدها".
وأضاف أنّ الغالب في صفات السيد الأب هو اللطافة والنصح، التبيين، مثلاً "لا يقول لك لا اعتباطياً، كنّا نسأله أحياناً لماذا لا؟ حسناً لن نفعل الأمر الفلاني ولكن اشرح لنا لماذا لنفهم، هذه تعلّم حتى لو كان المرء بعيداً يفهمك غيابياً، يفهّمك السبب، لماذا هذه حرام و لماذا عيب، لماذا هذا ممنوع وكذا، هذا ما يعلّمك أكثر".
وتابع عن السيد الأب أيضاً أنّه "لا محرّمات أبداً عند السؤال، حتى كنّا نسأل عن أمور يجِيبنا، نسأله لماذا عند الآخرين لا يمكن أن نسأل هذا السؤال، يردّ قائلاً أنهم يخطئون. هناك فرق، هناك مَن يسأل للاستدلال وكسب المعرفة والاستيضاح، وهناك مَن يسأل معاندةً".
"عندما دخلنا المدارس واحتككنا بالحياة، بدأنا نسمع بتسميات: سني وشيعي.."
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) September 28, 2025
السيد جواد نصر الله يروي كيف كان والده الشهيد #السيد_حسن_نصرالله ينظر إلى الطائفية والمذهبية#الميادين #السيد_الأمة #مسك_الكلام @Zahiwehbe @_mjn__ pic.twitter.com/MxH1FgCdyK
وفي العلاقة مع الأبناء بحسب الأكبر والأصغر، الشاب والفتاة، شدّد السيد جواد أنّ أخته زينب كانت لها خصوصية لوحدها.
ونقل السيد جواد عن والده أنّه كان "يقول أنا دلّلتكم جميعاً كل واحد بقدر عمره". وهنا أوضح السيد جواد أنّك "لا تشعر بأيٍّ من الغيرة من أخيك وأنت تجالسه، لأنه يشبّعك حناناً واهتماماً".
وأكد السيد جواد أنّ روحه مرحة ولكن حتى مزاحه لا يفقده الرزانة والاتزان، مضيفاً بالقول: "يعني سبحان الله يُسقط الكلمات مكانها، إن بجدّها أو بمزاحها".
وأضاف أنّ ما كان يميّزه كأب هو أنه "يعلّمك الكرم، يعلّمك العفو، يعلّمك كيف تتسامح وكيف تتعاطى ويؤدّبك، على قاعدة البيّنة".
وبشأن شهادة السيد هادي، قال السيد جواد "لا أتذكّر أنني رأيته يبكي على هادي"، إلا في لحظة تلقّيه الخبر حين اختلى بنفسه، لكن عندما "يتابع نشيداً أو خاطرة أو حلقة عن عوائل الشهداء كان يبكي، دمعته سخية على عوائل الشهداء".
وشدّد السيد جواد على أنّه "نحن في البيت ولا مرة تحدّث معنا" بشأن الأمور الطائفية، وكان السيد الشهيد نصر الله يتأذى "من رمي بعض المواضيع في الشارع".
وعن علاقة الشهيد السيد نصر الله بزوجته، قال السيد جواد "تعلّمنا كيف نتعاطى مع زوجاتنا منه، هو قمّة الأخلاق وقمّة اللطافة، قمّة الأدب، ولا مرة سمعنا صوته أصلاً، بالمقابل والدتي حملت حملاً ليس صغيراً، هي كانت له سنداً وملجأ راحة ليكون متوجّهاً على الأقل ذهنياً وفكرياً بأداء مهمّته".
الحلم الأكبر ومعركة الإسناد
الحلم الأكبر لشهيد الأمة السيد حسن نصر الله هو تحرير القدس، وقال السيد جواد "إذا لم يناصر هذه القضية ويبذل كل ما لديه، عمره ونفسه ودمه وماله وولده لأجل هذا فما الذي يستحق"؟ وأضاف أنّ السيد كان "لبنانياً بامتياز لأنه قدّم ابنه لهذا البلد".
وعن سؤال لمن يقول ليته لم يخض معركة إسناد غزة، لأن معركة الإسناد لولاها ربّما لكان السيد لا يزال حياً، أجاب السيد جواد "الذي كان معه في 2000 وقبلها، والذي كان معه في 2006 يكون معه في كل الميادين التي ذهب إليها ويكون معه في هذا الخيار، مَن معه هو معه حتى النهاية".
السيد والناس والسياسيون
أكد السيد جواد أنّه بوجوده بشكل دائم بين الناس وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كان يعمل على إيصال رسائل الناس إلى والده خاصة في المواضيع الحسّاسة، ولكن في مواضيع أخرى ولتخفيف الضغط عنه كان ينقل رسائل الناس إلى الشهيد السيد صفي الدين.
وفي سؤال عن نظرته إلى الطبقة السياسية في لبنان، قال السيد جواد إن والده كان يقول دائماً "الذي يعرفهم بشكل دقيق هو الأستاذ نبيه (رئيس مجلس النواب اللبناني) فهو مخضرم في التعامل معهم ويعرف مفاتيحهم".
ولفت السيد جواد إلى أنّ الشهيد السيد نصر الله كان يحب ويحترم بشكل لافت الراحل سليم الحص". (رئيس الحكومة الأسبق في لبنان)
وعن الشخصيات التاريخية التي تأثّر بها الشهيد السيد نصر الله ويحرص على قراءة سيرتها باستثناء الإمام موسى الصدر، والسيد عباس الموسوي، والإمام الخميني، أكد السيد جواد أنّ والده كان شديد التأثّر بأهل البيت عليهم السلام.