الميادين تحاوِر رئيس كوبا: عن استمرارية الثورة وتحدياتها (الجزء الأول)

في الجزء الأول من مقابلة الرئيس الكوبي، ميغيل دياز كانيل، مع شبكة الميادين الإعلامية، تحدث الرئيس عن مفاهيم الثورة الكوبية، بالإضافة إلى الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2021.

  • مقابلة
    الرئيس الكوبي للميادين: الثورة الكوبية كانت في حالة غليان مستمر

أجرت شبكة الميادين الإعلامية، بشخص رئيس مجلس إدارتها غسان بن جدو، حواراً خاصاً مع رئيس كوبا، ميغيل دياز كانيل بيرموديس، تطرّق خلالها إلى الثورة الكوبية وتحدياتها، والعلاقات الدولية، والوضع في أميركا اللاتينية والحصار المفروض على كوبا.

وفي الجزء الأول من المقابلة، تحدّث الرئيس الكوبي عن المفاهيم التي قامت عليها الثورة الكوبية، وموقف كوبا من التيارات التقدمية الثورية المقاومة في العالم، بالإضافة إلى الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2021، وسياسات كوبا حيال الأجيال الجديدة.

"المونكادا" والثورة

وقال دياز كانيل للميادين متحدثاً عن مرحلة ما قبل الثورة في البلاد إنّ حقبة الخمسينيات كانت عقداً رهيباً بالنسبة إلى كوبا والشعب الكوبي، إذ كان عقداً أتى بعد سنوات من الهيمنة الإمبريالية على كوبا، مشيراً إلى أنّ كوبا كانت قد تحولت إلى مستعمرة أميركية.

وأضاف أنه بغض النظر عن الاستراتيجيات التي وُضعت لتمويه هذه الحالة، وجوهرها، كان كل شيء ناجماً عن الإحباط الذي أصاب النضال من أجل الاستقلال الكوبي عام 1895.

وأردف أنّ "هذا يعني أنه في اللحظة الأخيرة من حربنا في سبيل الاستقلال، عندما كانت كوبا قد هزمت إسبانيا عملياً، حدث ما أصبح يُعرف باسم الحرب الإمبريالية الأولى، حيث تدخلت الولايات المتحدة في الحرب الإسبانية الكوبية، التي سُميت فيما بعد الإسبانية - الكوبية – الأميركية".

وتابع بأنه "بعيداً من تحقيق استقلالها الحقيقي، أصبحت كوبا مستعمرة تابعة لحكومة الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين حكم البلاد عدد من الحكومات الخاضعة المستسلمة، العميلة للإمبراطورية، وساد الفساد الإداري، وتوطّدت الأوليغارشية التي لم تكن تدافع عن مصالح البلد أو الشعب الكوبي، بل كانت تدافع فقط عن مصالح الولايات المتحدة".

وبحسب الرئيس الكوبي، استولت الولايات المتحدة عملياً على جميع الموارد الطبيعية، وبدأت تقوم وحدها بجميع الاستثمارات في كوبا، وبالتالي بلغ الشعب الكوبي وضعاً معقداً جداً، وازدادت بنسبة عالية الأمية، وعملياً لم يكن أحد يمتلك منزلاً.

وأضاف أنّ هذا الوضع برمته وصفه فيدل كاسترو جيداً في وثيقة الدفاع عن نفسه بعنوان "سيبرّئني التاريخ" فكان برنامج "المونكادا"، بحدّ ذاته، هو البرنامج الذي وضعه فيدل من أجل تنفيذ الثورة.

إنجازات الثورة

ولفت إلى أنه "في حالة كوبا بالذات، في ذلك الوضع المعقد الذي تعيشه، كانت الثورة ضرورية ولا حل سواها، وبالتالي كانت مقبولة جداً، ثورة تستكمل الاستقلال الحقيقي لكوبا".

وأوضح دياز كانيل أنّ لهذا السبب فإنّ الثورة، كانت تعني في المقام الأول التحول، وإجراء تغييرات عميقة في المجتمع الكوبي، قبلتها غالبية الشعب الكوبي، وكانت عملية ديناميّة وتحررية بالكامل، وهي عملية منحت كوبا الاستقلال الحقيقي والسيادة الحقيقية وتقرير المصير.

وتابع الرئيس الكوبي أنّ "هكذا بدأت تتقدم العملية الثورية على خط مجموعة من الإنجازات الاجتماعية، التي أعطت الحق في التعليم المجاني، والصحة المجانية، واعتماد الرياضة حقاً للجميع، فضلاً عن انتشار الثقافة العالمية والثقافة الكوبية".

وأضاف: "كانت عملية إعادة تأكيد القيم الثقافية التي على أساسها بنيت الأمة الكوبية، طوال سنواتها، مستندة في جميع أعمالها إلى أساس القانون، أي الدفاع دائماً عما هو عادل".

وأشار إلى أنّ أحد المفاهيم الأساسية للثورة كان دائماً تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية، آخذين بالاعتبار الثقافة بمعناها الواسع، وليس الإشارة فقط إلى الإبداع الفني والأدبي، وإنما الأخذ بالاعتبار القيم التي تكوّنت في الأمة الكوبية على مدى سنوات عديدة، وإبرازُ أفضل تلك القيم التي يتمتع بها شعبها في العملية الثورية.

كذلك، أكد دياز كانيل أنّ "الثورة لم تخدع الناس يوماً، فما طلبته الثورة من الشعب هو أن يقرأ كي يصدق، ومنحته الحق في التعلم، وكل هذا له علاقة كبيرة بفكر القائد العام فيدل كاسترو روز وبإرثه وبالاستمرارية التي أعطاها لاحقاً  الجنرال راؤول كاسترو روز للعملية الثورية.

اقرأ أيضاً: الرئيس الكوبي يقلّد رئيس مجلس إدارة شبكة الميادين وسام الصداقة

الثورة تجدّد نفسها

الرئيس الكوبي لفت أيضاً إلى أنّ الثورة كانت في حالة غليان مستمر، وهي ما فتئت تتحول باستمرار وتتغير، متكيّفةً مع كل اللحظات التاريخية المعقدة التي كان عليها أن تمر بها، مشدداً على أنّ "هذا بالضبط ما يجري القيام به في الوقت الحاضر".

وأضاف: "يجب أن يتساءل المرء كيف لهذه الثورة، التي ولدت محاصرة ومطوّقة منذ ولادتها، من قبل القوة الإمبريالية الرئيسية، ومن قبل أقوى قوة عظمى في العالم، كيف لها أن تتمكن من مقاومة كل عمليات الحصار والعقوبات والاعتداءات وحالياً الحصار المشدد والهجمات الإعلامية الواسعة التي تسعى إلى تشويه سمعة الثورة وتقويض سلطة الثورة وأنموذجها؟".

وأردف أنه عندما يفكر المرء في هذه الأشياء وفي الطريقة والموقف اللذين تصرفت وفقهما الإمبراطورية ضد الثورة، هذه الثورة التي لا تبتغي سوى رفاهية الشعب الكوبي، فهناك إجابة واحدة فقط عن ذلك: أنها فعلتما فعلته بدافع الكراهية والحقد ولأنه يزعجها نموذج هذه الثورة. 

وأكد الرئيس الكوبي: "أعتقد أننا مستمرون في الثورة، وسوف تستمر الثورة في التقدم برغم الصعاب، وستستمر غالبية الشعب الكوبي في دعم هذه الثورة، ومن أجل ذلك علينا أن نستمر في حالة ثورة داخل الثورة".

وعلى صعيدٍ آخر، قال الرئيس الكوبي إنّ "العالم يمرّ بوضع صعب جداً، إنه عالم يعمّه انعدام اليقين، لقد عانينا للتو من وباء حطم نماذج النيوليبرالية، فعلى الرغم من السنوات الكثيرة من الليبرالية الجديدة، والترويج للكثير من الدعاية التي تدعم النيوليبرالية، عندما أتت لحظة معقدة، وجد العالم أنّ النيوليبرالية غير قادرة على حل جميع مشاكل الوباء بمساواة واستيعاب لكل الناس".

وأضاف خلال المقابلة أنّ الأنظمة الصحية في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدماً انهارت، وحدثت انفجارات في نظامها الصحي، وطُرح سؤال عن كيف يمكن تفسير عجز هذا العالم النيوليبرالي عن تقديم بدائل للأغلبية.

وأشار إلى أنه "بما أنّ العالم مرّ لتوّه بحالة وبائية، أعتقد أننا ما زلنا لا نستطيع التحدث عن مرحلةِ ما بعد الجائحة، حيث أنه لا يزال هناك أكثر من 20 دولة في العالم لم تتمكن حتى من تلقيح 10% من سكانها، ونرى أنّ هناك الكثير من عدم المساواة، لافتاً إلى أنه في خضم الوباء كان هناك موقف أناني جداً من جانب الأوليغارشية، وفي خضم الوباء أصبح الأغنياء أكثر ثراءً وأصبح الفقراء أكثر فقراً.

وتابع دياز كانيل: "لذلك نرى هذا التفاوت الذي ينشأ في المجتمعات الرأسمالية نفسها، ثم يؤدي انعدام المساواة هذا إلى التمرد ويؤدي قبل كل شيء إلى تمرد الشباب، والأجيال الجديدة أيضاً".

ووفق الرئيس الكوبي، ستستمر الثورة في كونها بديلاً، بغض النظر عن طريقة تنفيذها، وستظل الثورة طموحاً للشباب، ولكن سيكون من الضروري حتماً أخذ المحطات التاريخية في الاعتبار، وإجراء تحليل نقدي لما حدث في التجارب الثورية، لا رؤية الثورات من منطلق مثالي، بل النظر إليها بكل تناقضاتها، وباللحظات التي اضطرت إلى تجاوزها.

وأردف قائلاً: "أعتقد أنه في عالم اليوم، وقد لمست ذلك لأنه أتيحت لي الفرصة للتحدث مع الكثير من الشباب الذين يزوروننا من مختلف أنحاء العالم، يوجد شعور ثوري عميق، ويوجد اعتناق للأفكار الماركسية، من وجهة نظر ماركسية نقدية ويرى المرء أنّ هناك الكثير من الأمل في هذه الأجيال لبناء عالم أفضل".

ولفت دياز كانيل إلى ضرورة المحافظة على البيئة باعتبارها شرطاً لا غنى عنه للحفاظ على النوع البشري، مضيفاً أنّ كل هذه المحاكمات وكل هذه التأملات العميقة بشأن الأزمة المتعددة الأبعاد التي يمر بها العالم اليوم تعطي إجابة مفادها بأنّ الثورة لا تزال بديلاً.

كوبا والتيارات التقدمية الثورية 

ولدى سؤاله عن وجود يسارٍ تقدمي جديد في أميركا  اللاتينية والعالم، أجاب الرئيس الكوبي بـأنه "يمكنني القول إنه توجد في أميركا اللاتينية مرجعية تاريخية تشير إلى الحاجة إلى التعمق في هذه الأفكار، وتوفر أيضاً الأساس لاستمرارية هذه الأفكار التقدمية، وهذه الأفكار اليسارية".

ويرى دياز كانيل أنّ "أفكار اليسار هذه موجودة، وقد اعتنق جزءٌ مهم من شعب أميركا اللاتينية هذه الأفكار"،  مضيفاً أنه "يجب القول إننا شهدنا في السنوات الأخيرة مراحل تعبّر عن هذه الاستمرارية التاريخية في تجارب الاستقلال لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي".

وتابع أنّ الوضع الذي أوصلت "الإمبراطورية" (الولايات المتحدة) القارّة إليه بممارساتها النيوليبرالية أدى إلى زيادة اللامساواة في أميركا اللاتينية، وإلى جعل سكان معظم دول أميركا اللاتينية ومواطنيها في وضعٍ معقّد جداً".

وبحسب الرئيس الكوبي، صار ضرورياً أن تحدث تجارب ثورية، كما مرّ عقدٌ نشأت فيه مجموعة كاملة من التجارب الثورية كاستجابات وكبديل لهذا الوضع، وكانت تتميز بهذه الأفكار الثورية.

وفي حديثه للميادين، أشار إلى أنّ التجربة النموذجية بهذا المعنى كانت التجربة الفنزويلية، لافتاً إلى أنّ هوغو تشافيز، الذي كان بوليفارياً راسخاً وعارفاً بتاريخ أميركا اللاتينية، قام بثورة بوليفارية في فنزويلا.

وتابع أنه "في ذلك الوقت، تزامنت تجربة الثورة البوليفارية مع تجربة الثورة النيكاراغوية، وتجربة الثورة الكوبية، وتجربة الثورة الثقافية في دولة بوليفيا المتعددة القوميات، وتجربة ثورة المواطنة في الإكوادور، والتجارب مع لولا في البرازيل، وكيرشنر في الأرجنتين، على سبيل المثال لا الحصر".

وأضاف دياز كانيل أنه "كان هناك أيضاً رئيس تقدّمي في باراغواي، وكان هناك رئيس تقدمي في أوروغواي، ويمكنني القول إنها كانت مرحلة سمحت بتوطيد مجموعة كاملة من إجراءات التكامل في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي حيث الملايين من أميركا اللاتينية لم يعودوا يعانون من الجوع، وغيّروا وضعهم الاجتماعي انطلاقاً من أنّ كل هذه الحكومات التقدمية بدأت تتخذ تدابير ذات طابع اجتماعي، وتدابير ذات طابع اقتصادي لمصلحة الأغلبية".

واستدرك الرئيس الكوبي بأنّ الإمبريالية لم تقف مكتوفة الأيدي، وحاولت تقويض تلك الحركات التي كانت تعبيراً عن تلك الأفكار التقدمية واليسارية، مشيراً إلى وجود عددٍ لا يُحصى من الأفعال الأثيمة الشريرة، المسببة للانقسام، التي طبّقتها حكومة الولايات المتحدة بدعم من آلتها الاعلامية الضخمة لوأد هذه التجارب.

وأردف بالقول: "نعلم جميعاً كيف نفذوا انقلاباً برلمانياً في باراغواي، وكيف تسببوا بإقالة رئيسة البرازيل، ديلما، وكيف قاموا أيضاً بمقاضاة مجموعة من قادة أميركا اللاتينية سياسياً"، لافتاً إلى أنه "ما زلنا نشهد الاضطهاد القضائي ضد كريستينا كيرشنر (الأرجنتين)، وكيف حاولوا تنفيذ انقلاب برعاية منظمة الدول الأميركية ضد التجربة البوليفية التي قادها إيفو موراليس".

وأشار دياز كانيل إلى أنه "مرة أخرى نشهد دورة بدأ فيها من جديد الدفاع عن تلك الأفكار اليسارية والعمل على تعزيزها، عن تلك الأفكار التقدمية في أميركا اللاتينية"، مؤكداً: "نحن نحترم كل تلك التجارب، ولدينا علاقات مع كل هذه التجارب وهي أيضاً تجارب تحترمنا بالمثل".

وأضاف أنه "يوجد انسجام في هذه الظروف، نحن دائماً ندافع عن أهمية الوحدة داخل التنوع، ولكن لدينا أيضاً مرجعيات مهمة لتسليط الضوء عليها، موضحاً أنّ "في العقد الذي تقاربت فيه جميع العمليات التي شرحتها لك سابقاً، جرى تحقيق آلية تكامل لأميركا اللاتينية مثل PCT  ALBA".

وأكد أنه "من خلال آلية التكامل هذه في أقل من عشر سنوات، تمكنت أربع دول في أميركا اللاتينية من الانتصار في معركة محو الأمية من خلال برامج "مايا"، ولا سيما برنامج "أجل.. أنا أستطيع"، وتحررت فنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا والإكوادور من الأمية".

اقرأ أيضاً: خارجية كوبا لرئيس مجلس إدارة الميادين: نشكركم على الحِرَفية الإعلامية

 أول إقليمٍ خالٍ من الأمية في أميركا اللاتينية والكاريبي

ووفق الرئيس الكوبي، لهذه الحقيقة مغزاها بالنسبة إلى كوبا  التي أعلنت عن نفسها أول إقليمٍ خالٍ من الأمية في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، لافتاً إلى أنه استغرق الأمر أكثر من خمسين عاماً مع تجارب تكاملية أصيلة وحقيقية في أميركا اللاتينية، ومع الأفكار الإنسانية، والأفكار الثورية، والأفكار التقدمية، لتتمكن بلدان أخرى من أن تحقق ما بدا في السابق كأنه من نسج الخيال.

وأوضح أنّ هذا لا يزال حتى اليوم حلماً وأمراً بعيد المنال بالنسبة إلى كثيرين في العالم، ولكن مع عملية التكامل هذه، جرى أيضاً تحقيق ما عُرف بـ"العملية المعجزة"، التي أعادت البصر إلى الملايين في أميركا اللاتينية الذين لم يكونوا ليحظوا بذلك في الظروف التي كانوا يعيشونها في بلدان تنفذ مشاريع نيوليبرالية وبرامج نيوليبرالية.

وتابع بالقول: "هكذا راحت تتوطد مشاريع "بيترو-كاريبي" على قاعدة تقاسم موارد الطاقة في منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي، وأنشئت آليات تشاور أخرى مثل اتحاد أمم أميركا الجنوبية (أوناسور)، وأمكن تأسيس مجموعة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (سيلاك)، للمرة الأولى، حيث جلس 33 بلداً من أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لمناقشة مشاكلهم معاً ومن دون حضور أو مشاركة حكومة الولايات المتحدة".

كذلك، لفت إلى أنّ أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي أصبحتا تقرران بنفسيهما بحرية، على أساس مفهوم الوحدة ضمن التنوع لتعلنا وثيقة إعلان منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي منطقة سلام".

وأشار إلى أنّ الموافقة عليها جرت تحديداً خلال القمة التي عقدتها مجموعة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (سيلاك) في هافانا، والتي تضمن أو تقترح أيضاً كامل الإرادة السياسية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بكونها منطقة سلام.

وأكد أنّ كوبا تدعم تلك التجارب وتحترمها ولديها علاقة رائعة معهاـ مؤكداً أنّ كل ما يمكن فعله من أجل تحقيق عالم أفضل انطلاقاً من المواقف الأكثر إنسانية وثورية وتحررية وشمولية، ستظل تدافع كوبا عنه وستفهمه وستحترمه.

الأجيال الجديدة

وفي السياق عينه، أشار الرئيس الكوبي إلى أنّ الأجيال الجديدة التي تقود اليوم مسارات يسارية قد استخلصت دروساً من التاريخ، لقد قاموا بتحليل المسيرات التاريخية لليسار في العالم، وبالتالي قاموا بتقدير الحاجة إلى كيفية توحيد الصفوف آخذين التنوع بعين الاعتبار، وذلك لتأطير النضال الثوري ونضال اليسار.

وبحسب الرئيس الكوبي، فقد جرى استخلاص التجارب، انطلاقاً من كل ذلك، بشأن سبب فشل الاشتراكية في أوروبا الشرقية، كما جرى استخلاص العبر من العمليات الثورية في العالم.

كما يعتقد أنه جرى أيضاً تحليل مزاعم الإمبريالية ونياتها في هذا الوقت، مضيفاً أنه لا يمكن التحدث عن يسار جديد، يسار متجدد، يسار يعطي استمرارية للمحطات التاريخية، إذا كان هذا اليسار لا يعرف إلى أين يجب أن يتجه، وما الذي يسعى إليه، إذا كان لا يستطيع أن يفهم منشأه، مضيفاً أنّ هذا ما فعلته كل هذه الحركات، بما فيها حركات اليوم.

ولفت إلى أنه "يجب أن نضع في اعتبارنا أنّ الإمبريالية اليوم تُطوّر مفهوماً كاملاً للهيمنة على العالم، ولهذا فهي تعتمد أيديولوجياً على برنامج متكامل لاستعادة زخم الرأسمالية والليبرالية الجديدة والاستعمار الثقافي".

وتابع بأنّ "الطريقة الوحيدة التي تمتلكها الإمبريالية لتدمير الأمم، وإلغاء الهوية، وهدم الثقافة، وتحطيم جذور شعوبنا وجوهرها هي تحديداً عن طريق الاختراق الثقافي الذي يجعل الشعوب ترى أفكارها وجوهرها وكأنها بالية أو أنه قد عفّى عليها الزمن، فعندما ترى الشعوب أنّ أفكارها وجوهرها قد عفّى عليهما الزمن، ماذا ستعتمد؟".

وأجاب بالقول إنها "ستعتمد الأنماط والنماذج التي تحاول الإمبريالية فرضها"، موضحاً أنّ "فهم هذه المواقف هو ما يوحدنا جميعاً في دفاعٍ مشترك عن جوهرنا، في دفاعٍ مشترك عن الثقافة والهوية، لتفادي الاستعمار الثقافي وتجنب وجود فكر مهيمن واحد فقط يسود في العالم، وهذا هو السبب في أنه من المهم أيضاً تحليل مشاكل ذلك اليسار، مشاكل العولمة الليبرالية الجديدة".

وأضاف الرئيس الكوبي: "لو سألنا ما الذي جرت عولمته؟ لقد جرت عولمة الأنانية ولغة الحرب وعولمة العدوان، وعولمة الاختلافات والتفاوت الاجتماعي.. إنه المنطق الإمبريالي، وفي مواجهة هذا  المنطق الإمبريالي يجب أن يسود منطق اليسار، أو المنطق التقدمي".

ولفت دياز كانيل إلى أنه "في حالتنا، لدينا المنطق الاشتراكي الذي لا يرفض أبداً تشارك ترسانة كاملة من الأفكار اليسارية التي يدافع عنها الآخرون، لكنني أعتقد أنه أمر جوهري القضاء على استغلال الإنسان للإنسان، وأن يكون لدينا حالة من المساواة بين جميع سكان الكوكب، وأن يجري توزيع الثروة على نحو أفضل".

وأكد أنه "من الصعب جداً أن نفهم اليوم أنه في خضم هذا العالم من اللامساواة وحيث يعاني الكثيرون من الفقر، يجري استخدام ملايين وملايين الدولارات  كميزانية حرب، أو للإنفاق على التسلح".

وتساءل أنه "كم بوسع العالم أن يفعل أكثر لمنفعة جميع سكانه إذا جرى استخدام هذه الأموال لأهداف أخرى، كم من الأشياء يمكن إنجازها لو كان هناك المزيد من التكامل، لو كان هناك المزيد من الاحترام للجميع، لو كانت هناك بالفعل برامج لإنهاء الاستعمار، وبرامج من شأنها أن تتيح الفرص للجميع".

تحديات "الثورة"

وقال الرئيس الكوبي إنه "عندما جرى انتخابي لمنصب رئيس الجمهورية، طرحت أننا قبل كل شيء نحن جيل الاستمرارية، أي إننا نرى الاستمرارية بالمعنى الجدلي للكلمة، وأننا نراها استمرارية مدافعة عن جوهر الثورة، وستسير بالثورة الى الكمال أيضاً".

وأوضح أنه "بمعنى آخر، لم يكن جيلاً يريد المحافظة على وتيرة جامدة من تطور الثورة، لذلك فإنه في مفهوم الاستمرارية هذا، يجري أيضاً تبنّي مجموعة من القيم من الإرث التاريخي للثورة".

ورأى أنه "من ضمن تلك القيم تبرز الشجاعة التي صاغها من أجلنا فيدل وراؤول، شجاعة تمتد على طول حروبنا من أجل الاستقلال، وقرارنا الدفاع عن السيادة والاستقلال والدفاع عن حق تقرير المصير للشعب الكوبي بحزم، وأيضاً يبرزُ مفهومُ التواصل الأوسع مع الشعب"، مؤكداً أنها "عناصر ستميز دائماً الموقف الذي سنتخذه نحن الكوادر الثورية، والمناضلين الثوريين في حياتنا وخاصة في أصعب اللحظات".

وشدد على أنه "سنواجه دائماً المحن، سنواجه دائماً أصعب اللحظات، الأكثرَ تعقيداً، بشجاعة وأيضاً بهدوء لأنها لحظات يجب أن نفكر فيها بعمق، يجب أن نحلّلها، لا يمكننا الترنح أمامها، لا يمكننا التصرف بطريقة مرتجلة، بطريقة غير منظمة، بطريقة متجبرة"، مؤكداً أنّ "هذه لحظات عليك أن تدرس فيها، قبل كل شيء، الأسباب والتناقضات التي تحدث في الوقائع، وتبحث عن أفضل الحلول بمشاركة الجميع".

وأضاف: "دائماً أقول إنه لا أحد منا يعرف أكثر مما نعرفه جميعنا ونحن متحدون، وأعتقد أنّ الشعب الكوبي أظهر طوال تاريخه أنه شعب موهوب، وأنه شعب لديه إرادة، وأنه شعب شجاع، وأنه شعب أبطال وشعب حريص على كرامته".

ولفت دياز كانيل إلى أنّ الشعب الكوبي محاصر منذ أكثر من ستين عاماً، وتابع بأنّ جيله الذي ولد بعد الثورة هو "جيل محاصر منذ ذلك الوقت، لقد عشنا محاصرين، ولكن هذا أمر تقاسمناه مع أبنائنا وأحفادنا".

كذلك، أشار الرئيس الكوبي إلى أنّ "الأجيال التي ولدت بعد الثورة هي أجيال عاشت حياتها كلها تحت ضغط الحصار، تحت عدوان الحصار، تحت العواقب التي يتسبب بها الحصار، لكن الثورة لم تتوقف وواجهت الحصار وتمكنت من تطوير برامجها ومشاريعها، معتبرةً إيّاه على الدوام العقبة الرئيسية أمام تحقيق كل ما طرحناه، والحصار حقيقة يبطئ تطلعاتنا وإنجازَ مشاريعنا وأحلامنا".

وأردف بالقول إنه بدءاً من النصف الثاني من عام 2019، يحدث وضع خاص جداً، إنها اللحظة التي تعلن فيها إدارة ترامب أكثر من 243 إجراء ضد الثورة الكوبية، وهو ما يشدد الحصار.

وتابع: "لذلك نحن لا نتحدث عن حصار الستينيات، ولا السبعينيات، ولا عن الحصار حتى في "الفترة الخاصة (التسعينيات)"، نحن نتحدث عن حصار مكثف جداً ولا يزال العالم يعيشه، وبناءً على تمحيص وعلى تحليل أجريناهما في قيادة الثورة في ذلك الوقت، أوضحنا للشعب قبل فترة زمنية كافية المشاكل التي سنواجهها".

الرئيس الكوبي أكد أنه "أعددنا شعبنا لنوضح له أننا مُقبلون على مرحلة من التعقيدات، حيث سنواجه نقصاً في المواد الغذائية والإمدادات الطبية ونقصاً في الوقود وقطع الغيار والعملات الأجنبية حتى نتمكن من الحصول على المستلزمات الضرورية  لأعمالنا الإنتاجية الأساسية، وكذلك من أجل الغذاء وحل المشاكل الأساسية للسكان".

ومع هذه الإجراءات الـ243، جرى قطع جميع مصادر التمويل الخارجي للبلاد فجأة، ومن ناحية أخرى، بدأت الملاحقة المالية والملاحقة الدقيقة لموارد الطاقة حيث حاولت حكومة الولايات المتحدة أن تمنع بكل الوسائل دخول الوقود إلى كوبا، أو أن تحصل كوبا على ائتمان أو مستويات معينة من التمويل ولو كان ذلك قليلاً، وفق دياز كانيل.

وأشار إلى أنه في كانون الثاني/يناير 2020، وقبل أيام قليلة فقط من انتهاء ولاية ترامب كرئيس، وضع الأخير كوبا على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي قائمة زائفة، إذ إنه عندما يجري إدراج أحد ما بوحشية في تلك القائمة، تبدأ جميع البنوك وجميع الوكالات المالية بقطع العلاقات مع بلدك، وبالتالي تضعف أكثر مصادر التمويل الخارجي التي هي متأثرة فعلاً بباقي إجراءات ترامب.

وأوضح: "إلى حد أنه اليوم، هناك أماكن كي نجري فيها معاملة تجارية، وحيث يتعين علينا سداد مدفوعات معينة، فإن ذلك يكلفنا الكثير من الجهد لأنه ما من بنك تقريباً يريد المشاركة في ذلك منذ أن فرضت العقوبات".

وبحسب الرئيس الكوبي، من بين عقوبات ترامب أيضاً جرى تطبيق الفصل الثالث من قانون هيلمز- بورتون، الذي يفرض تدويل الحصار ومعاقبة البلدان في بقية أنحاء العالم، أي إنّ "الإمبراطورية العظمى" تفرض قيوداً على بقية أنحاء العالم.

كما ذكر أنّ تراكم التطبيق خلال زمن لتلك التدابير التي استمرت بها إدارة بايدن اليوم من دون أي تغيير بات يُحدث لدى كوبا مشاكل في إمدادات الأدوية، وإمدادات الوقود، والمواد الخام لعملياتها الإنتاجية الرئيسية وعمليات إمداد الوقود من أجل توليد الكهرباء أيضاً، ولتطوير بقية عمليات الإنتاج والخدمات في البلد.

محاولة إسقاط الثورة

ولفت إلى أنه بالدرجة التي راحت تنمو فيها هذه المشاكل التي لها تداعيات اجتماعية وتسبب أيضاً استياءً، وتجعل مجموعة من الناس يسيئون فهم الوضع الذي بدأوا يعيشونه، أتى وباء كورونا في آذار/ مارس 2020.

لذلك، كانت جميع ظروف العاصفة المثالية تقريباً قائمة كي يحدث الانفجار الاجتماعي الذي تاقت إليه حكومة الولايات المتحدة من أجل إسقاط الثورة الكوبية، وقد جرى دعم ذلك أيضاً من قبل حكومة الولايات المتحدة بعملية استخبارية كاملة.

ووأكد الرئيس الكوبي أنّ لدى كوبا البراهين، ولديها معلومات، من وجهة نظر إعلامية حيث بدأوا بتنفيذ حملة مكثفة لتشويه سمعة الثورة الكوبية على الشبكات الاجتماعية للسعي إلى نشر الإحباط، وخلق القطيعة، وسوء الفهم، وجرى توجيهها على نحو خاص إلى فئة الشباب، بحسب الرئيس الكوبي.

وأضاف: "يجب أن يُقال، وفاءً للحقيقة، إنه في بداية الوباء الذي كان يتطور بالفعل في ظل هذا الوضع برمته، أرسلنا فرقاً طبية إلى البلدان التي فيها بؤر وبائية، تعلمنا من المرض وتمكنّا على الفور من وضع خطة لمواجهة الوباء وهذا ما سمح لنا في اللحظة الأولى أواخر عام 2020 بتقليص عدد الحالات كي لا نصل إلى تفشٍ وبائي كبير، وقررنا فتح الحدود عامَ 2020.

وأشار إلى أنه "عندما فتحنا الحدود دخلت سلالة دلتا، لم نكن قد حصلنا على لقاحاتنا في ذلك الوقت، ومن هنا حدثت ذروة وباء استمرت قرابة عام مع سلالة دلتا، حدث كل هذا وسط الوضع الذي كنا فيه".

وتابع بأنه "واصلنا برنامجنا لمواجهة الوباء وعندما أردنا فتح غرف رعاية مركزة جديدة نحتاج إليها، منعت حكومة الولايات المتحدة الشركات المصنّعة لأجهزة التنفس الصناعي الضرورية جداً في صالات العناية المركزة أو غرف العناية المركزة من أن تبيع  كوبا أجهزة التنفس الصناعي، وعانينا من أزمة أوكسيجين، لأنّ الاستهلاك كان أعلى بسبب عدد المرضى، ولأنّ مصنعنا عانى من عطل".

وأكد الرئيس الكوبي خلال حديثه للميادين إلى أنّ حكومة الولايات المتحدة ضغطت على الشركات في أميركا اللاتينية كي لا تبيعنا الأوكسيجين الطبي الذي تحتاج إليه كوبا بشدة، ومنعت الولايات المتحدة وصول الأدوية إليها، ووصول اللقاحات أيضاً، وفي خضم كل هذا الوضع أطلقوا نفاقا وكذباً وافتراء حملة  "SOSCUBA" على مستوى الشبكات الدولية.

التلاعب الأميركي في المشهد الكوبي

هذا واعتبر الرئيس الكوبي أنّ كل العوامل المذكورة أعلاه مجتمعةَ سهّلت، بناءً على الوضع المعقد الذي كان يعيشه السكان في كوبا، حدوث سوء فهم.

وبحسب دياز كانيل، توجد في كوبا جميع الآليات والمساحات متاحة للسكان كي يشكوا من الأوضاع  التي لديهم رأي ما  بشأنها، لكن أشياء أخرى فعلت فعلها هنا، في إشارة إلى أحداث العام 2021.

وقال إن الاحتجاجات لم تكن سلمية، وقد أظهرت الأيام ذلك لاحقاً عندما باشرت السلطات التحقيقات وعندما تمكنت من معرفة كل ما وراءها، وأنّ هناك أشخاصاً دفعوا لهم أموالاً  للقيام باحتجاجات على شكل أعمال تخريب.

وحدث ذلك في الحادي عشر من تموز/ يوليو 2021، كان هناك أشخاص خرجوا مرتبكين، وآخرون دُفع لهم مال، لتنفيذ أعمال تخريب، لم تكن احتجاجات سلمية، كانت اعتداءات على المتاجر، وعلى قوى الأمن العام، محاولين تخريب الاستقرار الاجتماعي، ومحاولين تحطيم أحد أقوى العناصر التي يقدرها  السكان الكوبيون، ألا وهو طمأنينة المواطنين، وفق الرئيس الكوبي.

وأشار إلى أنها " كانت لحظة أقول عنها حزينة، ولكن نستخلص منها العبر أيضاً، فهنا وعلى عكس أماكن أخرى في العالم، لم تذهب قوى النظام الداخلي أو القوات المسلحة لإخماد هذه الاحتجاجات قمعاً، بل هنا خرج جزء مهم من الشعب الثوري للدفاع عن الثورة في الشوارع".

وتابع قائلاً: "كنّا أول من حضر إلى أحد الأماكن التي بدأت فيها هذه البؤر، وشرحنا لاحقاً للشعب الوضع الذي كنا نعيشه"، مؤكداً أنه "في يومٍ واحدٍ عملياً جرى إضعاف جميع بؤر الاحتجاجات التخريبية وقضي عليها".

وأضاف أنه في اليوم التالي في أحد أحياء هافانا، وقعت أحداث أخرى استمرت أيضاً لفترة قصيرة، ولكن كان هناك سيناريو كامل أعدّته "الإمبراطورية"، وكان السيناريو يقضي بتوليد انفجار اجتماعي من شأنه أن يمنح حكومة الولايات المتحدة الذريعة والحاجة إلى تقديم المساعدة الإنسانية في كوبا، مركداً: "نحن نعلم بالفعل كيف تساعد الولايات المتحدة دول العالم على نحو إنساني".

وذكر على سبيل المثال، "في العالم العربي، هناك أيضاً أمثلة في أفريقيا، عندما أتت الولايات المتحدة مع مساعداتها الإنسانية بين قوسين، أمست البلدان والشعوب أسوأ من ذي قبل، ولم تكن مساعدات إنسانية، بل كانت عملياً غزوات، اعتداءات وتدخلات عسكرية في تلك الدول، بين أيدينا أمثلة من كل من ليبيا والعراق وكل هذه الأماكن الأخرى التي تعرفها، ولدينا الحرب القذرة التي شنّوها ضد الشعب والأمة في سوريا".

وأردف بالقول: " هذه الأحداث جرت، وهذه الأحداث كانت كسيناريو مفاده بأنه إذا دعت كوبا السكان للدفاع عن الثورة، فعندئذ سندعو إلى حرب أهلية"، موضحاً: "على الإطلاق، لم يخرج أحد هنا بأسلحة لقمع أي شخص، لو كانت قد  تدخلت المؤسسات المسلحة لأمكن القول إن هناك قمعا بوليسياً ومسلحاً".

وأضاف أنّ "الجزء الآخر من السيناريو أنه عندما ستجري محاكمة الأشخاص بموجب القانون كما تفعل أي دولة في العالم في حالات التخريب، سيقال إنّ هناك سجناء رأي  سياسيين ضد "النظام" كما يصوروننا، ولم يُلقَ القبض على أي شخص هنا ولم يخضع أحد لإجراءات قضائية بسبب مجرد الاحتجاج على الوضع في كوبا".

وشدد دياز كانيل على أنه في كوبا لم يجرِ يوماً الذي يُرتكب يومياً في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنّ في الولايات المتحدة "حاولوا أيضاً التلاعب بالأوضاع، وزعموا أننا كنا أكثر قسوة مع السود مقارنة بالبيض، بينما لدى كوبا برنامج حكومي ضد التمييز بجميع أنواعه، وخاصة ضد التمييز العنصري".

وأكد أنّ "الأمر كله كان مجرد تلاعب، كل تلك الأخبار المزيفة، وتلك الحقيقة الافتراضية التي ينشرونها لتشويه سمعة تجاربنا التي لا تخضع لأغراضهم وأهدافهم، وتأمّل كم هو مثير للاهتمام أنه فيما لو حدث بالفعل انفجار اجتماعي في كوبا، لكان لدى الولايات المتحدة كل الفرص لإثبات فشل الثورة".

وأضاف أنه "على الرغم ذلك، ما الذي فعلوه على الشبكات الاجتماعية، نشروا صوراً لتظاهرة مفترضة في احتفال في الأرجنتين بانتصار في كرة القدم، أخذوا صوراً لتظاهرات الشعب دعماً للثورة، زاعمين أنها كانت تظاهرات ضد الثورة، وهناك أمر مثير للفضول حقاً: كان هيراردو هيرنانديز، أحد أبطالنا الخمسة، في تظاهرة مؤيدة للثورة فقدّموها على أنها ضد الثورة".

وتساءل الرئيس الكوبي: "هل يستخدم النزيه، أو غير الكاذب وسيلة كهذه لتشويه سمعة عدو ما لديه؟ فقط حكومة الولايات المتحدة تفعل ذلك، وهي تفعله بدافع الكراهية والوقاحة"، مؤكداً أنّ هذه هي حقيقة الأحداث التي جرى التلاعب بها. 

التقييم والتحوّل الاجتماعي

وتابع بالقول: "ماذا حدث بعد ذلك؟ لقد تعلمنا كثيراً، وأجرينا تقييماتنا، وذهبنا إلى مناظرة، وكانت قاعات القصر نفسها التي زرناها اليوم مساحات لتبادل الأفكار مع ممثلي مختلف قطاعات المجتمع الكوبي، بما في ذلك الشباب".

وأردف: "لقد ذهبنا أيضاً إلى عملية تحول اجتماعي في الأحياء الكوبية حيث تراكمت حالات انعدام المساواة. لدينا أيضاً أشخاص وعائلات في حالات ضعف، بغض النظر عن جميع الأعمال الاجتماعية للثورة، لكن هذا هو الحال لأننا عشنا سنوات مع احتياجات كثيرة، بل  مع الكثير من الحرمان نتيجة تشديد الحصار".

وبحسب دياز كانيل، "يجري نقل جميع مقترحات السكان إلى مجالسهم البلدية، حيث يمثّل المواطنين مندوبوهم على مستوى القاعدة. ثم تعود الأشياء التي جرت الموافقة عليها إلى تلك الأحياء، ويشارك سكان الأحياء في التحول الذي اقترحوه بأنفسهم، كما أنها تمارس سيطرة شعبية ونحن نسعى على نحو متزايد إلى تحسين ديمقراطيتنا، وهنا قدمنا مشاركة أساسية لشبابنا".

واستكمل حديثه قائلاً: "كيف تستمر هذه القصة؟ كان علي أن أطلب إلى علمائنا أنّ إنتاج لقاح كوبي سيكون ضرورياً للحصول على السيادة في مكافحة كوفيد، الذي كان أحد العوامل المحفزة لهذا الوضع برمته، لقد فعلت ذلك في آذار/ مارس 2021، وفي تموز/ يوليو أيضاً، بعد ثلاثة أشهر فقط".

وأكد أنه "بعد أسابيع قليلة، كان العلماء الكوبيون قد حصلوا بالفعل على أول بصيلة لقاح، وبعد ذلك نعرف أيضاً التاريخ: خمسة لقاحات مرشحة، اليوم هي ثلاثة لقاحات ذات فعالية هائلةـ لذا بدأنا حملة تلقيح ضخمة، بعدما أجرينا تجارب سريرية، ودراسات طارئة على الفئات السكانية الضعيفة".

ولفت إلى أنه "عندما حصلنا على اللقاحات كنّا البلد الذي حقق في خضم كل هذه الأزمة، برغم الضغوط والحصار المشدد، حققنا أعلى معدلات التطعيم في العالم، واليوم نحن أحد ثاني بلدين قدما أكبر عدد من جرعات اللقاح لكل مريض، فنحن من بين عشرين دولة لديها أكثر من 90% من السكان جرى تطعيمهم بالمخطط الكامل، ومع التعزيز، كنا الأوائل في العالم في تطعيم الأطفال الذين تفوق أعمارهم السنتين".

وتابع بالقول: "ما هي النتائج؟ اليوم لدينا صفر في المئة بفاصل ستة وسبعين (وفيات)، ونسبة الوفيات هي نسبة المتوفين إلى عدد حالات COVID، والعالم لديه واحد في المئة بفاصل صفر خمسة، وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي واحد في المئة بفاصل خمسة وأربعين".

وأكد أنّ كوبا واجهت الوباء بطريقة أفضل وكان لديها استراتيجية في مواجهة الوباء أكثر نجاحاً من حكومة الولايات المتحدة والكثير من البلدان المتقدمة في العالم التي تتبنى خطا نيوليبرالياً، وقد فعلت ذلك في موقف صعب وفي ظل حصار مشدد.

وأضاف الرئيس الكوبي: "من كانوا  في المنطقة الحمراء؟ الذين هم جزء مهم من هؤلاء العلماء الذين قدّموا إلينا هذه الإنجازات وأنقذوا البلاد وأنقذوا الثورة؟ من كان يرعى الأشخاص الأكثر ضعفاً في الأحياء أثناء الوباء؟ إنهم الشبان الكوبيون، إنهم الشبان الكوبيون".

اقرأ أيضاً: الميادين والتلفزيون الكوبي يبحثان تعزيز التعاون وتبادل الخبرات

 تطوير السياسات العامة

وفي حديثه مع الميادين، قال دياز كانيل: لم نفقد يوماً الحوار مع الشباب الكوبي، فنحن نتشارك معهم باستمرار، ونذهب باستمرار إلى الجامعات، وكانوا يشاركون في المهمات الأساسية للثورة، نشارك في المناقشات التي يجريها الشباب، ونتابع مؤتمرات المنظمات الشبابية، ولدينا شبان يمثلون الشباب الكوبي في البرلمان".

وأوضح أنّ الشباب يشاركون في مجموعات العمل المؤقتة التي تعمل على تطوير السياسات العامة التي تؤدي لاحقاً إلى ظهور القوانين التي يقرّها مجلس الأمة.

وأضاف: "نحن حالياً في مسعى بمشاركة الشباب حيث نضع السياسة العامة للشباب والطفولة التي تتيح لنا التوصّل إلى قانون نقدم فيه المزيد من الضمانات للشباب والأطفال"ز

ولفت إلى أنّ "الأمر الأساسي هو كيف نواصل العمل مع شبابنا على أساس القيم التي أوجدتها الثورة حتى لا يتحول اختلاف الأجيال  بين من صنعوا الثورة ومن يدافعون عنها اليوم والأجيال الجديدة  -حتى لا يتحول-  إلى  فَرق  أيديولوجي وخلاف قطيعة".

وشدد على أنّ هذا الأمر هو "تحدٍّ أمامنا وهنا يكمن جمال هذا التحدي، لكنني أعتقد أننا سنحققه لأننا اليوم نفعل ذلك، وأكثرية شبابنا هم  مع الثورة، بغض النظر عما إذا كانوا يعيشون اليوم  في مجتمع إمكاناته محدودة لا تفي بتحقيق كامل تطلعات  مشاريعهم الحياتية، لكنني أقول دائماً إنه في الوضع الذي نعيشه اليوم".

واستكمل حديثه بالقول: "قد قادني كل هذا إلى تفكير مهم، إلى مفهوم مهم: كيف يمكن لدولة في هذه الظروف، التي كانت ستندلع فيها الفوضى لو حدث ما كان مخططاً له، أن تهزم كوفيد، لقد وصل البلد إلى مرحلة ما بعد الجائحة، وبدأنا في إعادة تنشيط حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، وما زالت تدابير تشديد الحصار قائمة، فهل ما زالت القيود قائمة؟".

وبجسب الرئيس الكوبي، لقد جرى خلق قدرة المقاومة لدى الشعب الكوبي، وهي ليست فقط مقاومة الحصار وتحمّله، بل هي المقاومة في العام الماضي والمضي قدماً، والتغلب على المحن الراهنة بالاعتماد على موهبة الكوبيين وجهودهم الخاصة.

وأكد دياز كانيل أنّ "هذه هي الطريقة التي هُزم بها كوفيد، الجميع يعمل من أجل الجميع، وركزنا على إنقاذ حياة الرجال والنساء الكوبيين وحققنا ذلك".

وتابع: "كما نجحنا في حالة كوفيد، فسوف نستمر في النجاح، وسنواصل تحقيق ذلك بمشاركة الشباب، هذه هي الطريقة التي أعتقد أنه يمكننا عبرها معالجة هذه المسألة التي أثرتها في حديثك".

اخترنا لك