الصحافة العربية.. ماذا خسرت برحيل طلال سلمان؟ وأي بصمات تركها؟

محللو الميادين يؤكدون أنّ الراحل طلال سلمان أسس لمدرسة صحافية، تنتهج الوعي والوضوح وتجمع كلّ أطياف لبنان والوطن العربي، ويشيرون إلى أن"إرثه في مأمن".

  • الصحافة العربية.. ماذا خسرت برحيل طلال سلمان؟ وأي بصمات تركها؟
    الراحل طلال سلمان

عندما يفتقد كل العالم العربي قلماً، فنحن أمام قلمٍ من ذهب لا يعرف الصدأ. قلمٌ لم يسعه "بيت الشمس"، بلدته شمسطار البعلبكية، فتمشى بين أفخاخ لبنان وخصوصياته وحجز مكانه على مقاعد ثوابت الأمة وقضيتها المركزية. 

في لبنان نبذ الطائفية والفرقة، واستكتب في جريدته سعيد عقل بالرغم من عاصفة الانتقادات ضده، وفي الوطن العربي حارب التخلف والرجعية وفي الفضائين كان يتألم. 

كان يتألم من كل شيءٍ قبيحٍ، من لبنان الى كل العالم العربي ، والقبح هنا ليس نسبياً، كان يتألّم لكنه كان يقاوم، إنه فعلياً قلمٌ مقاومٌ في مرحلةٍ ذهبيةٍ للمقاومة.

منذ أن نشر العدد الأول من جريدة السفير، بعد سنةٍ من نكسة عام 73 كان العنوان واضحاً، "لسنا ناقلي أخبار ولا لاهثين وراء سبق إنّما نحن رسلٌ مهمتنا مساعدة الشعوب العربية على أن تكون ملمّةً بقضاياها وتميّز عدوها من صديقها". 

من هنا كانت فلسطين البوصلة، ومن هنا كانت "السفير" جريدة لبنان في الوطن العربي، وجريدة الوطن العربي في لبنان، ومن هنا أيضاً كان الراحل من مؤسسي المؤتمر القومي العربي ومناصر الناصرية، من دون أن يكون من دراويشها، فالحب لفلسطين مطلقٌ وللعروبة أيضاً، لكن إذا غاب النقد غاب الحرص وبهتت الصحافة. 

هي مسيرةٌ مناقضةٌ تماماً للصحافة العربية اليوم، التي تحابي هنا وتملئ هناك، فهو صادقٌ في حبه لفلسطين كقضيةٍ مركزيةٍ للأمة، وصادقٌ في إعجابه بالسيد حسن نصرالله كقائدٍ عظيمٍ من قادة الأمة العربية في تاريخها الحديث، صادقٌ في مقته لصفقة القرن كعنوانٍ للفاجعة الكبرى، لا يمكن أن تكون مناصراً للإنسان وقضاياه ولا تصل لكل القلوب. 

وفي قلب الميادين تربّع طلال سلمان، الميادين التي نعته بألمٍ وحزنٍ وأسى ولكن بحبّ واعتزازٍ وكرامة، وربّما الأكثر تأثيراً في نعيها جاء الوعد بإكمال المسيرة الصحافية الشجاعة بهويةٍ وموقف، فالمعلّم رحل في نهاية الطريق اسماً علماً "طلال سلمان".

اقرأ أيضاً: الميادين تنعى طلال سلمان.. رحلَ وهو رائدُ الصحافة المكتوبة بجدارة

الراحل سلمان أسس مدرسة للوعي

ورأى محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية، قاسم عز الدين، أنّ الراحل سلمان "تبنى منظومة قيم قبل أن يدخل الى الصحافة وحافظ عليها طوال حياته كإنسان"، مضيفاً أنّ بشأن علاقته برجال السلطة: " هو يعرفهم كلهم، في الحكم وفي المعارضة، لكنه ظلّ طوال حياته بسيط يعيش على الكفاف". 

بدوره، اعتبر محلل الميادين للشؤون الأفريقية والدولية، محمد  حسب الرسول، أنّ الراحل "أسس مدرسة للوعي من خلال مؤسسة صحافية"، لافتاً الى أنّ سلمان "قدّم تجربة فريدة لأنها اتّسمت بسمات نادرة في هذا العصر... رصينة...عميقة... معبّرة عن وجدان الشارع العربي من محيطه الى خليجه". 

في السياق نفسه، قال محلل الميادين للشؤون الإقليمية والثقافية، سليم بوزيدي: "أدركنا خطورة هذا المشروع الإعلامي في فتنة ما يُسمى عشرية النار عندما كان الإعلام أداة تخريب وأداة فتنة وأداة تدمير للأمة"، فيما أسس الراحل سلمان "لثقافة مهنية وإعلامية وتحريرية وأيضاً أسس لتوجه عقائدي مبدئي للصحافة"، فكانت السفير  "مدرسة واضحة المعالم". 

"السفير": الصرح الجامع 

من ناحية أخرى، أكّد قاسم أنّ "السفير كانت معلم وكانت صرح، مختبر تتلاقى فيه وتتلاقح كل الأفكار وتتضارب تحت راية طلال سلمان"، مشيراً الى أنّ سلمان "جمع كل الكتاب من كل الأطياف الوطنية والقومية واليسارية على اختلاف مشاربهم". 

كذلك، أكّد حسب الرسول أنّ "السفير" "كانت جامعة لكل اللبنانيين يكتب فيها الجميع دون استثناء، جمعت اليمين واليسار، جمعت المعارضة والموالاة، بالمقابل كذلك كانت هي رسالة لبنان الى الوطن العربي". 

الراحل سلمان أسس جيلاً يتبنى القضايا العربية وقضية فلسطين

قال بوزيدي إنّ "جيلاً من الشباب تتلمذ على كتابات ومقالات طلال سلمان، وأيضاً كتاب كبار  مروا على طلال سلمان. مضيفاً أنه بفضل ما كان يكتبه سلمان برز جيل من الأقلام تكتب بنفس عروبي بعدما كانت الصحافة الفرنسية هي الأعلى صوتاً والأكثر نفوذاً. 

ولفت حسب الرسول الى أنّ الراحل "مكّن الشباب في صحيفة السفير، وكأنه كان يريد أن يصنع جيل من الصحافيين الشباب يضمن من خلالهم استمرار رسالة "السفير"، ويضمن من خلالهم استمرار "السفير" في ما يتصل بالقضية الفلسطينية كونها القضية العربية المركزية". 

في نهاية الأمر، شدّد على أنّ "إرث سلمان في مأمن"، لأنّ بذوره "كبرت وأينعت مشاريع وأفكار وتجارب كبيرة جداً، بعضها ربما يعمل بشكل فردي". 

اخترنا لك