"الغارديان": حيّ يختنق بسبب الذكاء الاصطناعي. ما القصّة؟
يُعاني سُكّان مومباي من استهلاك "مراكز البيانات" للطاقة الغزيرة، وخاصة التابعة لشركة "أمازون"، مما يُؤدّي إلى تزايد الطلب على الطاقة، ويُبقي المدينة معتمدةً على محطات الفحم.
-
"الغارديان": حيّ يختنق بسبب الذكاء الاصطناعي. ما القصّة؟
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تحقيقاً موسّعاً عن الكارثة البيئية والصحية في حيّ ماهول في مومباي، وكيف أدّى التوسّع الهائل في مراكز البيانات، خصوصاً التابعة لشركة أمازون، إلى إيقاف خطط إغلاق محطات الفحم، ما فاقم التلوّث والأمراض بين السكان، في ظلّ تزايد الطلب على الكهرباء بسبب طفرة الذكاء الاصطناعي.
أدناه نص التحقيق منقولاً إلى العربية:
في كلّ يوم يقود كيران كاسبي سيارته عبر حيّه ماهول على الواجهة البحرية الشرقية لمومباي، في طرقات تصطف على جانبيها الأكشاك التي تبيع الطماطم والقرع وغيرها، حيث غالباً ما يتكثّف الضباب وسط الشوارع الناتج عن التلوّث.
وفي وقت سابق من هذا العام، اكتشف الأطباء 3 أورام في دماغ والدته البالغة من العمر 54 عاماً. وليس من الواضح بالتحديد ما الذي تسبّب في إصابتها بمرض السرطان. لكنّ الدراسات تُظهر أنّ الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من محطات الفحم هم أكثر عرضة بكثير للإصابة بهذا المرض، وسكّان حي ماهول يعيشون على بعد بضع مئات من الأمتار فقط من إحدى تلك المحطات.
وهواء الحيّ معروف بتلوّثه الشديد. حتى خلف نوافذ السيارات المغلقة، هناك رائحة ثقيلة من الزيت والدخان. يقول كيران كاسبي البالغ من العمر 36 عاماً، "لسنا الوحيدين الذين يواجهون تحدّيات صحية في المنطقة، فكلّ شيء مُغطى بالقذارة".
وقد كان من المقرّر إغلاق محطتين تعملان بالفحم في مومباي تابعتين لشركتين محليتين، "تاتا و"أداني" المتعدّدة الجنسيات أيضاً في العام الماضي في إطار جهود حكومية لخفض الانبعاثات. ولكن في أواخر عام 2023، أُلغيت هذه القرارات بعد أنّ جادلت شركة "تاتا" بأنّ الطلب على الكهرباء يرتفع بسرعة كبيرة جداً، مما يجعل مومباي في وضع لا يُمكنها الاستغناء عن الفحم، بينما لم تستجب أيّ من الشركتين لطلبات التعليق.
كذلك، أدّى النمو الاقتصادي والحاجة إلى تكييف الهواء في ظلّ الحرّ الشديد المرتبط بتغيّر المناخ إلى ارتفاع حادّ في الطلب على الكهرباء في الهند خلال السنوات الأخيرة. لكنّ تحقيقاً أجرته "سورس ماتيريال"، وصحيفة "الغارديان"، يكشف عن العامل الرئيسي وراء فشل المدينة في إنهاء اعتمادها على الوقود الأحفوري، بسبب مراكز البيانات التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة.
وتكشف السجلات المسرّبة أيضاً وجود أكبر شركة لتشغيل مراكز البيانات في العالم، وهي شركة "أمازون" في مومباي. وفي منطقة المدينة الحضرية تُسجّل "أمازون"، على موقعها الإلكتروني، 3 "مناطق تُعرّفها بمركز بيانات واحد أو أكثر. وتُظهر سجلات مُسرّبة من العام الماضي، اطلعت عليها "سورس مارتيل" من داخل "أمازون"، بأنّ الشركة استخدمت 16 مركزاً في المدينة.
ومع تحويل الهند لاقتصادها إلى مركز للذكاء الاصطناعي، فإنّ طفرة مراكز البيانات تُولّد صراعاً بين الطلب على الطاقة وتعهّدات مصلحة البيئة، وفقاً لما قاله بهسكار تشاكرافورتي، الباحث في تأثير التكنولوجيا على المجتمع في جامعة تافتس. وأضاف عن الحكومة الهندية، "لا أتفاجأ بتخلّفها عن التزاماتها المتعلقة بالتحوّل الأخضر، خاصة مع تزايد الطلب بشكل كبير على الطاقة.
تقول المتحدّثة باسم "أمازون" كايلي يوناس، إنّ "تحدّيات الانبعاثات" في مومباي لم تكن بسبب شركتها. وعلى العكس من ذلك، تُعتبر "أمازون" من أكبر الشركات المستثمرة في مجال الطاقة المتجدّدة في الهند، وقد "دعمنا 53 مشروعاً للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في البلاد، القادرة على توليد أكثر من 4 ملايين ميغاواط من الطاقة النظيفة سنوياً. وهذه الاستثمارات، التي تشمل مشروعنا لطاقة الرياح بقدرة 99 ميغاواط في ماهاراشترا، تكفي لتزويد أكثر من 1.3 مليون منزل هندي بالطاقة سنوياً بمجرّد تشغيله".
كذلك تعمل "أمازون" على بناء مئات من مراكز البيانات حول العالم في إطار تنافسها مع "مايكروسوفت" و"غوغل" وشركات أخرى على قيادة سوق الذكاء الاصطناعي المزدهر.
تقول المتحدّثة باسم منظمة موظفي شركة "أمازون" إليزا بان، "في العدالة المناخية، فشلت الشركة في تحمّل المسؤولية عن دورها في إطالة استخدام مصادر الطاقة الأكثر تلويثاً. كذلك فإنّ الشركة تستخدم الشيء اللامع المتمثّل في الذكاء الاصطناعي لصرف الانتباه عن حقيقة أنّها تبني إمبراطورية طاقة قذرة".
ونفت يوناس ذلك، وقالت، "نحن لسنا فقط المشغّل الرائد لمراكز البيانات من حيث الكفاءة، بل نحن أيضاً أكبر مشترٍ للطاقة المتجدّدة في العالم لمدة 5 سنوات متتالية مع أكثر من 600 مشروع على مستوى العالم".
إنّ مزاعم أمازون بشأن الطاقة الخضراء مثيرة للجدل، فلقد تعرّضت الشركة لانتقادات بسبب استخدامها "الحسابات الإبداعية" من خلال شراء شهادات الطاقة المتجدّدة جنباً إلى جنب مع عمليات الشراء المباشرة للطاقة الخضراء، كما وصفها أحد أعضاء منظمة موظفي "أمازون" من أجل العدالة المناخية.
كلّ شيء ملوّث
تُعدّ ناحية ماهول، التي يستخدمها كاسبي في تجواله بعربته الخاصة، قرية صيد أسماك سابقة أصبحت الآن موطناً لعشرات الآلاف من الأشخاص الذين انتقلوا إلى هناك بعد إزالة الأحياء الفقيرة في أماكن أخرى من المدينة.
وكان كاسبي قد وصل مع والدته إلى هناك عام 2018 بعد هدم منزلهما في ضاحية فيديافيهار. ويقول كاسبي إنّ والدته كانت تتمتع بصحة جيدة قبل الانتقال، "لكنّ حالتها تدهورت بسرعة حتى شُخِصت بأنّها مصابة بسرطان الدماغ".
يقول غاجانان تاندل الذي يسكن في الجوار، إنّ الأمراض المرتبطة بالتلوّث شائعة، و"هناك العديد من أمراض حالات تهيّج الجلد والعين، والسرطان، والربو، والسل، وغيرها، ولا توجد أيّ مساعدة من الحكومة. وكلّ شيء ملوّث. سئمنا من النضال من أجل حياة كريمة وحياتنا هنا جحيم".
مراكز البيانات المخفية
راهنت شركة "أمازون"، وهي متجر عبر الإنترنت تعالج 13 مليون عملية شراء من العملاء كل يوم، وفقاً لبحث أجرته شركة "كابيتال ون"، وتحصد مليارات الدولارات مما يؤهّلها توسيع أعمالها المربحة في مجال الحوسبة السحابية وتوسيع الخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، من الترميز الآلي إلى الترجمة.
كما أنّ السبب في أنّ العديد من مراكز "أمازون" في مومباي لم تعد تحت الرادار هو أنّها مُستأجرة وليست مملوكة من قبل الشركة. بينما في الولايات المتحدة تميل "أمازون" إلى امتلاك منشآتها بالكامل، في أماكن أخرى غالباً ما تستأجر "مزارع بيانات" كاملة أو رفوف خوادم في مراكز مشتركة مع شركات أخرى.
كذلك تمثّل وحدات "التنقّل المشترك" زيادة أكبر في استهلاك الطاقة لمراكز البيانات حول العالم مقارنة بالأجهزة المملوكة أو المستأجرة بالكامل، وفقاً لشاولي رين المختصّ في الحوسبة بجامعة كاليفورنيا، قال، "معظم الطاقة في صناعة مراكز البيانات تذهب إلى التنقّلات المشتركة، وهي منتشرة في كلّ مكان".
أظهرت بيانات مسرّبة أنّ مراكز البيانات المشتركة التابعة لشركة "أمازون" في مومباي استخدمت 624,518 ميغاوات في الساعة من الكهرباء في عام 2023، وهو ما يكفي لاستخدام أكثر من 400 ألف أسرة هندية لمدة عام
ومن المتوقّع أن تتجاوز الهند اليابان وأستراليا لتصبح ثاني أكبر مستهلك لكهرباء مراكز البيانات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وفقاً لتوقّعات ستاندرد آند بورز . وبحلول عام 2030، ستستهلك مراكز البيانات ثلث طاقة مومباي، وفقاً لأنكيت سارايا، الرئيس التنفيذي لشركة "تكنو آند إليكتريك إنغينيرينغ"، وهي شركة هندية لتوريد البنية التحتية للطاقة.
الجحيم السامّ
في سعيها الدؤوب لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، مددت حكومة ولاية ماهاراشترا عمر محطة "تاتا" للفحم في ماهول 5 سنوات على الأقل. وفي الوقت نفسه، أجّلت إغلاق محطة بقدرة 500 ميغاواط، تديرها مجموعة "أداني" مُنافسة شركة "تاتا" شمال المدينة.
وعندما طالبت شركة "تاتا" بتمديد فترة التماس قدّمته إلى مجلس الطاقة الحكومي، كان العامل الرئيسي الذي أشارت إليه هو زيادة الطلب على الطاقة من مراكز البيانات، بينما قالت شركة "أداني" بأنّ معظم الطلب الجديد المتوقّع خلال السنوات الخمس التي تلي تاريخ إغلاق محطتها سيكون من مراكز البيانات.
ومحطات الطاقة ليست سوى اثنتين من بين العديد من مصادر التلوّث في منطقة ماهول بمومباي، التي تضمّ 3 مصافي تكرير و16 مصنعاً كيميائياً، وفقاً لتقرير صدر عام 2019 عن مركز دراسات السياسات الهندي، والذي وصف المنطقة بـ"جحيم السموم".
لكن محطة "تاتا" التي افتتحت في عام 1984، ومثل محطات الطاقة القديمة الأخرى التي تخضع لقواعد انبعاثات أكثر تساهلاً، تُعدّ "واحدة من المصادر الرئيسية لتلوّث الهواء في مومباي"، وفقاً لراج لال، كبير علماء جودة الهواء في "شبكة الانبعاثات العالمية".
وتُساهم هذه الانبعاثات بنحو ثلث التلوّث المحلي وتُسبّب مشكلات صحية خطيرة عند استنشاقها. يقول شريباد دارمادهيكاري مؤسس منظمة "مانثان أديايان كندرا" البيئية، إنّ المعادن الثقيلة السامة الموجودة في رماد الفحم الناتج عن المحطة من المرجّح أن يسبّب "أمراض الجهاز التنفّسي، ومشكلات في الكلى، ومشكلات جلدية، ومشكلات في القلب".
وحتى مع استمرار تشغيل مصنع "تاتا"، تعاني شبكة الكهرباء في مومباي من ضغط الطلب المتزايد. وللحماية من انقطاع التيار الكهربائي، اشترت مراكز بيانات "أمازون" في المدينة 41 مولّداً يعمل بالديزل، وتطلب الموافقة على تركيب المزيد وفقاً للوثائق.
وفي آب/أغسطس الماضي، أشار تقرير صادر عن "مركز دراسة العلوم والتكنولوجيا والسياسة" إلى أنّ مولّدات الديزل تُشكّل مصدراً رئيسياً لتلوّث الهواء في المنطقة. وقال سواغاتا دي المتخصّص في جودة الهواء إنّ وجود مراكز البيانات التي تتطلّب طاقة مستمرة ومولّدات ديزل للنسخ الاحتياطي "سيؤدّي بطبيعة الحال إلى تفاقم الانبعاثات"، مؤكداً أنّه يجب إلزام مشغّلي مراكز البيانات بموجب القانون بتزويدهم بالكهرباء الشمسية الخالية من التلوّث".
ويضمّ أحد مواقع "أمازون" تحديداً على ضفاف نهر ثين مباشرةً من ماهول، 14 مولّداً كهربائياً. وقد حصل أحد مقاولي الشركة في وقت سابق من هذا العام على إذن لتركيب 12 مولّداً إضافياً في الموقع ذاته.
وقال رين من جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد، الذي شارك في تأليف ورقة بحثية حديثة لتقييم مخاطر الصحة العامة الناجمة عن مولدات الديزل في مراكز البيانات في الولايات المتحدة، "يجب أن تكون التأثيرات على الصحة العامّة اعتباراً أساسياً عند تحديد موقع مراكز البيانات واختيار مصادر الطاقة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.