"الغارديان": ما يحصل في السودان جريمة واضحة لا يمكن تجاهلها

لن تتوقف المجازر التي ترتكبها قوات الدعم السريع في الفاشر بدارفور بدعم من رعاتها الإماراتيين إلا عندما يتحرك المجتمع الدولي.

0:00
  • "الغارديان": ما يحصل في السودان جريمة واضحة لا يمكن تجاهلها

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتناول تصاعد العنف في السودان مع التركيز على سقوط مدينة الفاشر في إقليم دارفور وتسلسل الأحداث المأسوي الذي أعقب ذلك: حصار، مجاعة، عمليات قتل جماعي على أساس عرقي، نزوح واسع وتورط جهات إقليمية ودولية.

المقال يقدّم وصفاً تفصيلياً للفظائع، سياق الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، ودور حلفاء خارجيين في تسليح وتمويل الميليشيا، مع مقارنة تاريخية بحالات إبادة سابقة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

على مدى 18 شهراً، شهد العالم أجمع الأحداث الدامية التي تجري في السودان. وفي الأسبوع الفائت، سقطت مدينة الفاشر الواقعة في إقليم دارفور والمُحاصرة من قوات الدعم السريع في أيدي هذه الميليشيا، وقد أعقب ذلك وقوع كارثة مع تنفيذ عمليات قتل جماعي. وتشير التقارير إلى مقتل نحو 500 شخص في مستشفى توليد واحد فقط، من المرضى وعائلاتهم.

 وتروي قلّة ممن تمكنوا من الفرار عمليات الإعدام الميداني التي تعرّض لها المدنيون. فقد شنت قوات الدعم السريع حملة قتل وحشية للمدنيين، لدرجة أن صور الدماء التي تلطخ الأرض التقطتها الأقمار الصناعية. وقد قارن مراقبو الحرب سرعة عمليات القتل التي أعقبت سقوط الفاشر مباشرةً وكثافتها بالساعات الـ24 الأولى من الإبادة الجماعية التي حصلت في رواندا. وقد شكل ذلك ذروة حملة حاصرت سكان المدينة، البالغ عددهم مئات الآلاف، وتسببت في مجاعة. والأشخاص الذين حاولوا الفرار خاطروا بالموت والاغتصاب؛ في حين تعرّض من بقي في المدينة للقصف وعاشوا على علف الماشية فحسب.

شكّلت الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور، وقد شهد الأسبوع الفائت نقطة تحول خطيرة في حرب السودان. فبعد عامين ونصف من الاقتتال، بات الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من أجل السيطرة على البلاد أكثر وحشية وضراوة.

في السابق، كان الحزبان شريكين في الحكومة، وحكما في ائتلاف متوتر مع المدنيين بعد أن أطاحت ثورة شعبية الرئيس عمر البشير في عام 2019. ثم انقلب الحزبان على المدنيين، قبل أن ينقلبا أحدهما على الآخر. وعندما حانت المواجهة، كانت متفجرة؛ كاشفةً عن مدى حشد قوات الدعم السريع (التي أنشأها البشير من صفوف مقاتلي الجنجويد لحمايته وخوض حروبه في دارفور) للقوة والموارد في الخفاء. ولم تكن الحرب التي اندلعت في نيسان/ أبريل 2023 بين الجيش وميليشيا ناشئة، بل بين جيشين، كلاهما يمتلك ترسانات أسلحة ومصادر دخل وآلاف الجنود وخطوط إمداد خارجية.

ومنذ ذلك الحين، شُرّد الملايين، وقُتل ما يُقدر بنحو 150 ألف شخص، ويحتاج اليوم أكثر من 30 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية عاجلة. إلا أنّ هذه الإحصائيات الصادمة لا تُفصِح تماماً عن مأساة السودان الكاملة، والانهيار السريع الذي تشهده البلاد، وتدمير بنيتها التحتية، والطريقة الوحشية التي شنت بها قوات الدعم السريع حملتها في دارفور.

ومع سقوط الفاشر، عززت قوات الدعم السريع موقعها في غرب البلاد. وبعد أن سيطرت على العاصمة الخرطوم في الأيام الأولى للحرب عام 2023، خسرتها لمصلحة الجيش، وركزت جهودها على دارفور. وهناك، انتقمت من السكان غير العرب، واستهدفتهم عرقياً في عمليات قتل جماعي. وفي وقت سابق من هذا العام، ذبحت قوات الدعم السريع مئات المدنيين على أسس عرقية، في هجوم على أكبر مخيم للنازحين في السودان. وما ينتظر الفاشر بعد سقوطها، وهي مدينة صمدت طويلاً في وجه قوات الدعم السريع، أمرٌ لا يمكن التنبؤ به. وتُظهر مقاطع الفيديو المتداولة أهالي المدينة وهم يتوسلون إلى رجال الميليشيات للإبقاء على حياتهم. وقد أخبر أحد القادة شخصاً بأنه لن يُستثنى أحد، قبل أن يُطلق عليه النار. وقال القائد: "لن أرحمكم أبداً. فمهمتنا تتمثل في قتلكم".

كان كل ما يحدث متوقعاً وقابلاً للتنبؤ. فقد صدرت تحذيرات لأشهر حول خطر وقوع مجازر جماعية وأعمال وحشية. وتمركز مليون نازح دارفوري، فروا من بؤر توتر أخرى، في مدينة الفاشر. ومع اشتداد القتال، تفرقوا مرة جديدة أو أصبحوا محاصرين. هذا السيناريو لا يُعيد إلى الأذهان الأيام الأولى للإبادة الجماعية في رواندا فحسب، بل حلقات سابقة من الإبادة الجماعية التي حصلت في دارفور قبل 20 عاماً، ولكن هذه المرة أكثر تركيزاً وكثافة. فقوات الدعم السريع اليوم هي جنجويد الأمس، إلا أنها هذه المرة مُدججة بالسلاح، ومدعومة بحلفاء خارجيين أقوياء وبرغبة متجددة في تطهير السكان غير العرب من جديد ممن عادوهم لعقود. واليوم، لا يأتون على ظهور الجمال أو الخيل، بل على متن مركبات رباعية الدفع مُجهزة برشاشات مُثبتة وطائرات مُسيّرة قوية.

ترعى الإمارات العربية المتحدة هذه الترسانة، وبالتالي الكارثة التي حلت بالفاشر وإقليم دارفور ككل. وبصفتها حليفاً تاريخياً وثيقاً لقوات الدعم السريع (التي استأجرت الإمارات قواتها لشن حربها في اليمن)، ضخت الإمارات الأموال والأسلحة في أيدي قوات الدعم السريع، ما أدى إلى إطالة أمد حرب السودان وتفاقمها. وعلى الرغم من الأدلة الدامغة، تواصل الإمارات إنكار دورها. في المقابل، تسعى الإمارات إلى تأمين موطئ قدم لها في بلد كبير واستراتيجي وغني بالموارد، وهي تحصل بالفعل على غالبية الذهب المستخرج من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وقد تم استدراج جهات فاعلة أخرى، ما أدى إلى فرض أجندات بالوكالة على صراع داخلي. والنتيجة طريقٌ مسدود ومستنقعٌ وإراقة دماء يبدو من المستحيل وقفها، حتى مع تفاقم الأزمة بشكل كامل.

تُوصف حرب السودان بأنها منسيّة، لكنها في الواقع مُهملة. لأن إدراك هول ما يجري في السودان يُشبه النظر في هاوية السياسة الإقليمية والعالمية. ورؤية الدور الإمبريالي المتنامي لبعض القوى الخليجية في أفريقيا وخارجها، والاعتراف بعدم ممارسة أي ضغط حقيقي على هذه القوى، بما فيها الإمارات العربية المتحدة، للتوقف عن دعم ميليشيات الإبادة الجماعية، سببه أنّ المملكة المتحدة والولايات المتحدة ودولاً أخرى حلفاء مقربون لهذه الدول. ومع حصار قوات الدعم السريع للفاشر العام الماضي، أفادت مصادر صحيفة "الغارديان" أن مسؤولين في الحكومة البريطانية كانوا يعملون على قمع الانتقادات الموجهة للإمارات العربية المتحدة بين الدبلوماسيين الأفارقة. وخلال الأسبوع الفائت، عُثر على معدات عسكرية بريطانية تستخدمها قوات الدعم السريع في ساحات القتال بالسودان.

في السودان، ثمة حزبان عسكريان لا يستطيع أحدهما هزيمة الآخر بشكل حاسم. وعلى الصعيد العالمي، تحولت السياسة الخارجية، التي كانت في السابق نتيجة مزيج من البراغماتية الدبلوماسية والأحزاب الخاضعة للضغوط الأخلاقية، إلى مجرد ممارسة مكشوفة للدول القوية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها التجارية والسياسية، بالطريقة التي تراها مناسبة. إنّ حجم ما يحدث في الفاشر وإقليم دارفور ووضوحه لا يترك مجالاً للتظاهر بالجهل. وهو تكرار لما شهدناه سابقاً، وفصل جديد في حرب استمرت طويلاً بما يكفي ليعلم الجميع ما يخبئه المستقبل. والجهات التي تملك نفوذاً على الإمارات، وبالتالي على قوات الدعم السريع، وتسمح للعنف بالمرور من دون تحرك عاجل أو ضغط، أيديها ملطخة بالدماء. باختصار، غالبية سكان الفاشر عالقون في ساحة قتل وكل دقيقة تُحتسب.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

منتصف نيسان/أبريل 2023 تندلع مواجهات عنيفة في الخرطوم وعدة مدن سودانية، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتفشل الوساطات في التوصل لهدنة بين الطرفين.