"المونيتور": أقلّيات سوريا.. العيش تحت حكم الكرد هو الخيار الأكثر أماناً

على الرغم من وعود الإصلاح التي أطلقها الرئيس الجديد في سوريا، فإنّ الأقليات تخشى الانتقام، وتجد ملاذاً غير مريح لها تحت الحكم الكردي.

  • سوريون مكلومون بعد مقتل أقاربهم في الساحل السوري
    سوريون مكلومون بعد مقتل أقاربهم في الساحل السوري

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يتناول الوضع السياسي والإنساني المعقد في شمال شرق سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع (الجولاني) الحكم المؤقت.

يرسم النص صورة قاتمة لمستقبل سوريا في ظل تعقيدات ما بعد الأسد، ويطرح تساؤلات حول جدية التحول الديمقراطي ومكانة الأقليات في المرحلة المقبلة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

اجتاحوا البلدة ظهراً في شاحنات "بيك آب تويوتا" مزوّدة بمدافع رشاشة. وكان عددهم نحو 40 شخصاً، يرتدون أقنعة سوداء، ويحملون مسدّسات وسكاكين وقنابل يدوية. حين دخلوا "صوّب أحدهم مسدّساً إلى رأس ابني، وقال إنّه سيعدمه"، هكذا يتذكّر دحام عبدي، شيخ القرية اليزيدية الخالية الآن في شمال شرق مدينة الحسكة، المحنة التي وقع فيها في عام 2013.

يضيف عبدي، توسّلت زوجتي طالبة الرحمة "لا تقتلوا أطفالي"، تركوا الصبي لكنّهم نهبوا كل أموال العائلة، وذهبها ومجوهراتها وقالوا "إنّهم من جبهة النصرة".

والمفارقة أنّ الجبهة المذكورة كان قد أسّسها أحمد الشرع كفرع لتنظيم القاعدة في سوريا، إلى أن أصبح بعد 12 عاماً الرئيس المؤقّت للبلاد بعد إطاحة نظام بشار الأسد في كانون الأوّل/ديسمبر الماضي.

مع ذلك، قطع الشرع صلاته بـ "الجهاد العالمي"، واستبدل زيّه العسكري ببدلات أنيقة، وتعهّد ببناء سوريا تشمل جميع مواطنيها بحقوق متساوية بغضّ النظر عن عرقهم أو دينهم. وقد حرص الشرع على لقاء قادة مسيحيين حتّى قبل استيلائه على السلطة، وسمح بإقامة احتفالات عيد الميلاد وعيد الفصح في معقله الشمالي في إدلب، سعياً منه للحصول على الشرعية الدولية.

لكن، في شمال شرق سوريا، المنطقة التي تغطّي ربع مساحة البلاد ويديرها كرد علمانيون ومؤيّدون للغرب، يعرب العديد من السكان المحلّيين، ولا سيّما الأقلّيات غير المسلمة، عن قلقهم العميق بشأن الشرع، الذي كان يعرف حتّى وقت قريب باسمه الحركي أبو محمد الجولاني. ويقول الشيخ عبدي عن ذلك إنّ "رؤيته في السلطة أمر بالغ الصعوبة بالنسبة لنا. ولا نعتقد أنّ الجولاني قد تغيّر، لأنّه رجل دموي للغاية".

تفاقمت هذه المخاوف في الشهر الماضي، حين قتل أكثر من 1600 شخص معظمهم من المدنيين العلويين، في مجازر انتقامية على يد ميليشيات سنية ومواطنين مسلّحين في معقل العلويين الساحلي في البلاد، خلال ردّهم على هجوم شنّه موالون للأسد.

وكانت الحكومة السورية قد نفت تورّط أيّ من جنودها في هذه الفظائع، التي لا تزال قيد التحقيق الرسمي. ومع ذلك، لا يصدّق سوى قلّة في المنطقة الواقعة تحت نفوذ القيادة الكردية حكومة دمشق بسبب جذورها الجهادية، ويصرّ العلويون على أنّ القوّات الموالية للشرع شاركت في سفك الدماء.

فيما قال عدد من الدبلوماسيين الغربيين الذين تحدّثوا إلى "المونيتور" ولم يكشفوا عن أسمائهم، "إنّ مسلّحي الجماعات السنية المتمرّدة المتمركزة في الشمال والمدعومة من تركيا، هم الجناة الرئيسيون في هذه الجريمة". وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بعض قادة هذه الفصائل لارتكابهم جرائم حرب ضدّ الكرد أيضاً.

يقول لواء عبدي، وهو زعيم قرية تولكو اليزيدية المهجورة الأخرى، إنّ سير التحقيق نحو العدالة ضدّ الجناة سيكون اختباراً رئيسياً يظهر نزاهة الحكومة الجديدة من عدمه. وأضاف: "لا أعتقد أنّه تغيّر، حتّى العرب لا يعتقدون أنّه فعل، نحن بحماية الإدارة الذاتية هنا نشعر بالأمان"، في إشارة إلى الهيئة الحاكمة للمنطقة التي تسمى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

في الرقّة، عاصمة "داعش" سابقاً، يقول دياب دياب وهو من المسلمين السنة العرب، أكمل توّاً بناء مركز تجاري بتكلفة 3 ملايين دولار، إنّه راض عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وذكر أنّ "أسلوب إدارتهم للمدينة جيد، بينما لم يقدّم الشرع شيئاً بعد، وكلّ ما نراه هو وجود أشخاص جدد عند نقاط التفتيش".

وعلى المنوال نفسه، يعدّ أحمد محمد من السوريين العرب والذي يعمل في بيع تجهيزات الحمامات الفاخرة التركية، إنّ "هذا أفضل مكان لنا في سوريا مع هذه الإدارة التي نريدها أن تستمرّ".

في يوم 10 آذار/مارس الفائت، وقّع القائد العام لـ "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي اتفاقية تاريخية مع الرئيس السوري أحمد الشرع، تقضي بدمج مؤسّسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في الحكومة الوطنية. إلّا أنّ القادة الكرد رفضوا مسوّدة الدستور التي كشف عنها الشرع بعد أيام من الاتفاق مع عبدي، والتي لم تشر إلى أيّ شكل من الحكم الذاتي للكرد أو الأقلّيات الأخرى. كما احتفظ باسم الجمهورية العربية السورية، ونصّ على أنّ الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع.

مؤخّراً، دعت الأحزاب الكردية العاملة تحت مظلة المجلس الوطني الكردستاني المعارض في مؤتمرهم الأوّل للحوار الوطني الكردي، إلى "حلّ عادل للقضية الكردية في سوريا، من خلال الديمقراطية واللامركزية". وعلى الرغم من أنّ البيان الختامي للمؤتمر لم يشر إلى الفيدرالية أو الحكم الذاتي، فإنه أثار ردّ فعل غاضباً من الرئاسة السورية، وقال مكتب الشرع في بيان، إننا "نرفض بشكل واضح أيّ محاولة لفرض التقسيم أو إنشاء كانتونات انفصالية بموجب شروط الفيدرالية أو الحكم الذاتي من دون توافق وطني". 

ومنذ عام 2012، حين سحب نظام الأسد قواته من شمال شرق البلاد لمحاربة الجماعات المتمرّدة في أماكن أخرى، أدارت المنطقة التي تضم ثروة زراعية وطاقوية، الإدارة الذاتية بقيادة الكرد، الذين يشكّلون معظم سكّان شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى مجموعات صغيرة من المسيحيين واليزيدين. كذلك، خضعت المناطق ذات الأغلبية العربية، ولا سيّما دير الزور والرقّة، لحكم الإدارة الذاتية، بعد أن انتزعتها "قوات سوريا الديمقراطية" من قبضة تنظيم "داعش" بدعم أميركي. ويبدو أن مستقبل هذه المناطق يزداد غموضاً منذ أن بدأ البنتاغون في سحب قواته من دير الزور، وقلّص نشر القوات الخاصة إلى النصف، والتي كانت موجودة لمساعدة "قوات سوريا الديمقراطية" في محاربة "داعش".

لقد أسست الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا نظام حكم علمانياً يركّز على المساواة بين الجنسين واحترام الأقليات من جميع الأديان والأعراق والطوائف. كما تشغل قلّة من المسيحيين مناصب قيادية في الإدارة المذكورة. كذلك، أنشأت قوات سوريا الديمقراطية وحدات مسيحية آشورية دفاعية لمواجهة تنظيم "داعش". ومع ذلك، فمن المعروف أن السلطة الحقيقية تكمن في أيدي الكرد، وأنّه على الرغم من كلّ هذا الحديث الجاد عن الطائفية، فإنها تتدفّق من الأعلى إلى الأسفل، حيث يتّهم مواطنون مسيحيون السلطات المحلّية بغضّ الطرف عن عمليات المصادرة غير القانونية والبيع الاحتيالي لممتلكاتهم في المراكز الحضرية مثل القامشلي والحسكة وديريك.

مع ذلك، يشكّل التمثيل المسيحي والنسائي في الحكومة عامل إعجاب كبير بالكرد في العواصم الغربية، كما كان نجاحهم ضد "داعش" أيضاً. لكنّ هذا لم يمنع المواطنين اليزيديين والمسيحيين، من الفرار من المنطقة منذ سنوات، وقليلون منهم مستعدّون للعودة إلى سوريا، حيث تركها أكثر من عقد من الصراع والعقوبات على نظام الأسد في حالة فقر مدقع وخراب.

أبكار إلياس، مسيحي آشوري يملك محل نظّارات في القامشلي، يمثل استثناء نادراً، قال، إنّه عاد إلى مدينته عام 2016 من السويد بعد حصوله على جنسيتها منذ سنوات، لأنّ "الحياة أفضل هنا، والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وفّرت لنا الأمن والاستقرار.

يوافق أبكار إلياس زميله المسيحي الآشوري مازن داوي، الذي يدير متجراً للخمور في الحسكة، "نحن أحرار في هذه المنطقة، وما نسمعه هو أنّ الشرع متطرّف، وما حدث في الساحل أخافنا كثيراً، لأنّه ممكن أن يحدث هنا كما حدث هناك".

نادين ماينزا هي الرئيسة السابقة لـ"اللجنة الأميركية للحرّيات الدينية الدولية"، زارت دمشق قبل شهرين، وشمال شرق سوريا في الأسبوع الماضي، قالت، "لأوّل مرّة منذ سنوات في دمشق، شعر الناس بحرّية التعبير عن آرائهم علناً"، وهو أمر لم يكن مسموحاً به قطّ في ظلّ نظام الأسد القاسي، والذي يحتفل السوريون في جميع أنحاء البلاد بسقوطه.

ومع ذلك، أضافت ماينزا، "هذا التفاؤل قد خفّت حدّته بسبب العديد من إجراءات الشرع التي لا تتوافق مع وعوده"، خاصة أنّ إصدار دستور جديد أبقى على اسم "الجمهورية العربية السورية"، ونصّ على أنّ الفقه الإسلامي يشكّل "المصدر الرئيسي للتشريع"، وكلها مسائل مثيرة للجدل. 

من ناحية أخرى، ازدادت جرأة الجماعات الإسلامية، فدخلت الأحياء المسيحية في دمشق وحلب لمضايقة السكّان، مطالبة النساء بتغطية رؤوسهنّ والبقاء منفصلات عن الرجال. وفي أثناء وجودي في الشمال الشرقي لسوريا، تحدّثت مع قس مسيحي كان في دمشق الأسبوع الماضي وشهد هذه الاقتحامات بنفسه. كما أنّ التهديدات المتصاعدة، عمقت الشعور بالخوف وانعدام الأمن بين المجتمعات الضعيفة، حسب ما قالت ماينزا.

 لا أحد يشعر بالخوف أكثر من العلويين. شازيا إبراهيم كردية علوية من عفرين في غرب نهر الفرات، ولقد هربت منها في عام 2018 عندما غزتها تركيا وحلفاؤها من الفصائل السنّية المتمرّدة. تقول، إنّها رأت هؤلاء يقتلون جارها وابنه في قريته في نواحي عفرين، التي بدأت أعداد قليلة من الكرد بالعودة إليها الآن، لكن إبراهيم تقول، إنّها لن تعود إلى هناك مرّة أخرى ما دام الشرع هو الحاكم، "لن أعود إلّا إذا حكم شعبنا".

كذلك، أعرب بعض العلويين العرب في المناطق الساحلية عن رغبتهم في الانتقال إلى المناطق الخاضعة للحكم الكردي طلباً للسلامة، وفقاً لما صرّح به قائد "قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي لموقع "المونيتور" في وقت سابق من هذا الشهر. وكان الكرد من بين أوائل المستجيبين عندما اندلعت المجازر بحقّ العلويين في الساحل، حيث أرسلوا 16 شاحنة محمّلة بـ 300 طن من الدقيق ومستلزمات أخرى.

شيرين خليل، المسؤولة في الهلال الأحمر الكردي كانت ضمن القافلة التي استغرق وصولها إلى مدينة بانياس مدّة يومين، حيث وقعت أسوأ أعمال العنف وقيام المسلحين بإعدام مدنيين بإجراءات صورية على مدار 3 أيام متتالية، وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز".

تقول خليل، "لقد نُسّقت جهود الإغاثة مع الحكومة المركزية في دمشق، لكنّنا "سمعنا قصصاً مروّعة عن نساء يرقدن بجوار جثث أطفالهنّ خوفاً من أن يحرقها قتلتهم، أو غيرهنّ ممّن جمعوا دماء أطفالهنّ في القدور والمقالي". مع ذلك، كان الناس في غاية السعادة لرؤيتنا، وتوسّل الكثيرون كي يذهبوا معنا، بينما قال آخرون إنّهم يريدون من "قوات سوريا الديمقراطية" أن تأتي لحمايتهم، لقد "انفطرت قلوبنا عندما غادرنا ولم نستطع تلبيتهم".

نقله إلى العربية: حسين قطايا.