"فايننشال تايمز": تحلية المياه.. الحلّ المكلف لعالم ظمآن

في ظلّ انتشار مشكلة ندرة المياه، تستثمر الحكومات مليارات الدولارات في تكنولوجيا لها تكاليفها البيئية الخاصة.

  • "فايننشال تايمز": تحلية المياه.. الحلّ المكلف لعالم ظمآن

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر تقريراً يتناول أزمة المياه العالمية المتفاقمة بسبب تغيّر المناخ، وكيف أصبحت تحلية المياه خياراً اضطرارياً ومتسارعاً لمواجهة الجفاف المتزايد وشحّ الموارد المائية، ولا سيما في دول مثل قبرص ودول الخليج.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

كلّ صباح، ينظر كريستوس بابابيترو، رئيس اتحاد مزارعي قبرص إلى السماء ويقول: "نتمنّى أن يهطل المطر". إلا أنه مع دخول البلاد عامها الثالث على التوالي من الجفاف، لا توجد أي مؤشرات تُذكر على حدوث ذلك. هذا الصيف، وللمرة الأولى في التاريخ الحديث، ستُضطر قبرص إلى استيراد الطماطم والبطيخ وغيرها من المنتجات التي تزرعها منذ فترة طويلة، لعدم قدرة المزارعين على الري. وقد خفضت الحكومة مخصصات المياه الزراعية إلى النصف، ما أدى إلى انقطاع المحاصيل الموسمية بالكامل. وفي هذا السياق، يقول بابابيترو: "لقد تقبّلنا الأمر، لكن دعونا لا نتظاهر بأنّ هذه المشكلة تخصّ المزارعين فحسب، بل هي تؤثر على البلد بأكمله الذي سيشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار". 

مع تسبّب تغيّر المناخ في عدم انتظام هطول الأمطار وانخفاض مصادر المياه الجوفية، تسعى الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى إيجاد حلول للحفاظ على استمرار تدفّق المياه، وهذه منفعة لصناعة تحلية المياه سريعة النمو، التي يعتقد باحثو السوق أنها ستتجاوز الـ20 مليار دولار في عام 2027، بعد أن قُدّرت بأقلّ من 15 مليار دولار في عام 2024. 

وفي قبرص، أدّت سنوات من نقص الاستثمار، وتشتّت السياسات، والاعتماد على هطول الأمطار إلى انهيار نظام المياه. وفي مطلع حزيران/يونيو، كانت خزّانات المياه الرئيسة الـ18 في البلاد ممتلئة بنسبة 21.7% فقط. وقبل 5 سنوات، كانت هذه النسبة 97%. ويُنظر اليوم إلى مضاعفة جهود تحلية المياه التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة على أنها الخيار الوحيد المُجدي. وتمتلك قبرص بالفعل 4 محطات تحلية مياه واسعة النطاق تُشغّلها خلال فترة ندرة المياه. وقد جعلت وزيرة الزراعة في البلاد ماريا بانايوتو تحلية المياه محور خطة طوارئ للمياه مكوّنة من 28 نقطة، بهدف تلبية جميع احتياجات قبرص من مياه الشرب من خلال تحلية المياه في غضون عامين إلى 3 أعوام عبر تشغيل الوحدات بشكل مستمر.

هذه الدولة الواقعة في جنوب أوروبا ليست سوى دولة واحدة ضمن منطقة تعاني من شحّ المياه، وتمتد على مساحة واسعة من العالم، من الهند إلى أميركا الشمالية، مع تأثّر أجزاء من المحيط الهادئ وجنوب أفريقيا أيضاً. وتشير التقديرات إلى أنّ واحداً من كلّ 10 أشخاص يعيش اليوم في بلد يعاني مما صنّفته لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية بأنه "ضغط مائي مرتفع وحرج".

في ظل تنامي عدد السكان والاقتصادات، "تزداد المجتمعات عطشاً"، كما يقول كافيه مدني، مدير معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة (UNU-INWEH). ويضيف: "نمتلك إمدادات محدودة من المياه المتجدّدة، وقد أصبحت اليوم أكثر محدودية من ذي قبل بسبب تغيّر المناخ". وخلال العقود الأخيرة، شهدت عملية تحلية المياه تحسّناً ملحوظاً، بحيث ابتعدت أخيراً عن التقنية القديمة المتمثّلة في غلي مياه البحر إلى تقنية أكثر تطوّراً وهي التناضح العكسي، التي تستخدم مساماً مجهرية في أغشية مصممة خصيصاً لتصفية الملح. ويُقدّر البروفيسور نضال هلال، مدير مركز أبحاث المياه في جامعة نيويورك أبو ظبي، أنّ النمو العالمي في قدرة تحلية المياه يتراوح بين 6% و12% سنوياً. 

إلا أن كلّاً من التقنية الحرارية القديمة ونسختها الأحدث تعاني من المشاكلات نفسها؛ فهي تتطلّب كميات كبيرة من الطاقة لتشغيل المصانع، وتنتج العملية تلوّثاً على شكل مياه شديدة الملوحة. واليوم، ومع ارتفاع الطلب، تستثمر الشركات والحكومات في منطقة الشرق الأوسط وخارجها مليارات الدولارات في توسيع البنية التحتية لتحلية المياه اللازمة في عالم أكثر دفئاً وجفافاً، بينما تكافح الآثار الجانبية غير المستساغة لهذه التكنولوجيا. ويقول مدني إنّ "هذه التقنية تنتج الكثير من الماء المالح وتؤثّر على المنظومة البيئية بشكل كبير". ولكن بالنسبة لبعض الدول، تُعدّ تحلية المياه الحلّ الفوري الوحيد. ويشير مدني إلى أننا "نفكّر اليوم في تحلية المياه ونقلها... كأننا ننقل المياه لمسافة 800 كيلومتر. يبدو الأمر جنونياً، لكنّ اليأس وصل بنا إلى هذا الحد". 

تُعدّ المجتمعات المطلة على الخليج، التي يعتمد وجودها على تحلية المياه، القوة الدافعة وراء تحديث هذه العملية. وقد كانت دولة الكويت الغنية بالنفط، التي لا تمتلك أنهاراً دائمة واضطرت في السابق إلى شحن المياه العذبة من العراق المجاور، رائدة في استخدام هذه التكنولوجيا في الشرق الأوسط من خلال تشغيل أول محطة لتحلية المياه في عام 1951. وسرعان ما حذت الدول المجاورة، التي تعاني من الجفاف، حذوها. واليوم، تُمثّل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا القاحلة نحو 70% من إجمالي الطاقة الإنتاجية العالمية لتحلية المياه، وفقاً لمرصد الاقتصاد الأزرق التابع للاتحاد الأوروبي (EU Blue Economy Observatory). وتستطيع اليوم أكبر محطات الطاقة في المنطقة إنتاج ما يكفي من المياه لتلبية احتياجات أكثر من مليون شخص.

تحت السطح المتموّج لبحر العرب، تتدفّق آلاف الأمتار المكعّبة من المياه إلى أنابيب يبلغ ارتفاعها ما يكفي ليقف فيها شخص واحد، وتمتد على مسافة كيلومتر واحد إلى أكبر محطة لتحلية المياه في سلطنة عُمان، وهي محطة "بركاء 4"، التي تستخدم تقنية التناضح العكسي. 

من الصعب إدخال مياه البحر إلى المصنع، ولا بدّ من سحبها برفق لتجنّب جذب الكائنات البحرية. يتصاعد جدار من الفقاعات حول أنابيب السحب لإبعاد قناديل البحر، والمياه المالحة التي تتدفّق إلى الخزّانات تكون خضراء اللون بسبب الطحالب التي يجب دفعها إلى السطح باستخدام فقاعات الهواء، ما يُكوّن طبقة طينية يمكن كشطها قبل تصفيتها. يُشكّل تزايد أعداد الطحالب في بحر العرب تهديداً لعملية تحلية المياه، ووفقاً لأحد الموظفين: "يمكن لهجمات متعدّدة أن تُوقف عمل المحطة". ويجب إتمام هذه المعالجة الأولية قبل دفع الماء تحت ضغط عالٍ عبر أغشية دقيقة. بعد ذلك، تُضاف المعادن إلى الماء النقي. ويُعاد نشر المحلول الملحي فائق الملوحة المتبقّي في البحر.

تُعدّ مياه بحر الخليج "أصعب مياه تتمّ تحليتها على وجه الأرض". فالخليج شبه المغلق أكثر ملوحة بكثير من المسطّحات المائية الأكبر والأكثر انفتاحاً، مثل المحيط الأطلسي. ووفقاً لهلال من جامعة نيويورك أبو ظبي، "كلما ارتفع تركيز الملح، زادت الطاقة اللازمة لتحلية المياه"، والوضع يتفاقم نتيجة ارتفاع درجة تعكّر المياه، بسبب طرق الشحن البحري ووجود مياه الصرف الصحي.

وقد سعى القطاع إلى خفض استهلاك الطاقة بالتحوّل إلى تقنية التناضح العكسي، كما هو الحال في محطة "بركاء 4" الأقلّ استهلاكاً للطاقة بكثير. ويوضح هلال أنّ "استهلاكها يبلغ نحو ربع أو حتى خمس الطاقة اللازمة لتقنية تحلية المياه الحرارية. لقد تطوّرت تكنولوجيا الأغشية كثيراً، وما زلنا، في رأيي، في البداية". وقد أدى خفض استهلاك الطاقة إلى جعل إنتاج المياه المحلاة أقلّ تلويثاً من حيث انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، وخفض التكاليف. وستحصل هيئة كهرباء ومياه دبي على سعر 37 سنتاً للمتر المكعب من المياه من محطة تحلية المياه في حصيان، والتي من المقرّر أن تبدأ عملياتها العام المقبل. 

وفي هذا الصدد، تقول إستيل براشليانوف، الرئيسة التنفيذية لشركة "فيوليا" (Veolia) للطاقة والمياه: "لقد أنفقنا مبالغ طائلة على البحث والتطوير لنتمكّن من خفض استهلاك الطاقة. وقسّمنا التكلفة على 5 في السنوات الـ12 الماضية". تُعدّ الشركة الفرنسية متعدّدة الجنسيات، التي تبلغ قيمتها 22.4 مليار يورو، واحدة من شركات المرافق العامة والهندسة المستفيدة من تزايد حالة الهشاشة التي تُعاني منها المياه في العالم. وتقول الشركة إنّ 18% من طاقة تحلية المياه العالمية تعتمد بالفعل على تقنياتها.

ويركّز الباحثون الأكاديميون على تحسين الأغشية من خلال البحث عن مواد وتقنيات لمنع انسدادها بالبقايا، ما يؤدي إلى تقصير عمرها الافتراضي. وهناك آمالٌ في أن تصبح عملية تحلية المياه بالتناضح العكسي أكثر كفاءةً في استهلاك الطاقة. وفي الولايات المتحدة، يتمّ تجريب ما يُسمّى بتحلية المياه في أعماق البحار، باستخدام ضغط المحيط نفسه لدفع مياه البحر عبر الأغشية.

إلا أنّ فوائد تحلية المياه الأقل تكلفة لا يستفيد منها الجميع. فقبرص تستخدم تقنية التناضح العكسي، لكنها تستورد الوقود الأحفوري لتشغيلها، ما يعني أنّ تكلفة إنتاج كلّ متر مكعب تبلغ 1.50 يورو، أي ما يقارب 5 أضعاف تكلفة محطة حصيان الجديدة في دبي. وتخطّط الحكومة لتجهيز محطات الضخ بألواح شمسية، لكن المساحة على الجزيرة محدودة، وشبكتها تفتقر إلى القدرة على التخزين لدعم الإمدادات الثابتة. وتقول بانايوتا هادجيجورجيو، الرئيسة السابقة لدائرة تنمية المياه: "لا يمكن لتحلية المياه أن تعمل بشكل متقطع. فهي تحتاج إلى طاقة موثوقة". 

ولا تزال منطقة الخليج تعتمد على التقنيات القديمة التي تتمتع بعمر افتراضيّ طويل. وتحصل دبي، ثاني أكبر مدينة في الخليج من حيث عدد السكان بعد الرياض، على 86% من مياهها المحلاة من التقطير الحراري. وتصرّح شركات في المنطقة بأنها تريد تغيير هذا الوضع. وتهدف شركة "طاقة" للمرافق في أبو ظبي، التي تزوّد المدينة بالمياه المحلاة، إلى استخدام تقنية التناضح العكسي في 66% من قدرتها على تحلية المياه بحلول عام 2030، مقابل 40% حالياً. كما أضافت 70 ميغاواط من الطاقة الشمسية إلى محطة "الطويلة" الضخمة، التي تستخدم تقنية التناضح العكسي، لتقليل استخدامها للوقود الأحفوري.

وفي هذا الإطار، يقول جاسم حسين ثابت، الرئيس التنفيذي لشركة "طاقة": "إنّ تعزيز كفاءتنا من أولوياتنا. ولذلك، نعمل على توسيع نطاق استخدام تقنية التناضح العكسي ونتطلّع إلى مبادرات أخرى، منها إعادة استخدام مياه الصرف الصحي والحدّ من الخسائر الناجمة عن تسرّب الأنابيب. من المهم للغاية أن نستغلّ كلّ قطرة ماء". 

من جهتها، تقول صوفي بيرتراند، نائبة مدير شؤون التنسيق التجاري في شركة "سويز إنترناشونال" (Suez International) ، التي تقدّم خدمات إدارة المياه والصرف الصحي، إنّ استخدام الطاقة المتجدّدة يقلّل أيضاً من التأثير البيئي للتناضح العكسي في حين يتمّ التخلّص التدريجي من محطات التقطير، وإنّ "معظم العروض تتضمّن تقنية التناضح العكسي وسيتمّ استبدال محطات التقطير القديمة في السنوات المقبلة".

وعلى الرغم من انخفاض الانبعاثات الناجمة عن تحلية المياه، تظلّ هناك مشكلة مستعصية تتمثّل في المحلول الملحي، وهو المادة شديدة الملوحة التي تبقى بعد استخراج المياه النقية. واستناداً إلى عدد من الأبحاث العلمية، تُنتج عملية تحلية المياه عالمياً 150 مليون متر مكعب من المحلول الملحي يومياً. وبشكل عامّ، تتمّ إعادة السائل الحليبي الكثيف إلى البحر. وقد ربطت إحدى الدراسات بين تحلية المياه المالحة وتبييض المرجان في خليج العقبة، في حين وجدت دراسات أخرى تأثيرات على الحياة البحرية في قاع البحر حول نقاط التصريف.

تشعر قبرص بقلق بالغ إزاء تأثير المحلول الملحي على البحر الأبيض المتوسط. وتقول هادجيجورجيو: "مقابل كل متر مكعب من المياه العذبة، يتمّ تصريف ما يقرب من نصف متر مكعب من المحلول الملحي". وتستخدم الجزيرة خطوط أنابيب بحرية وأجهزة توزيع لنشر المحلول الملحي على مسافة تصل إلى 2 كيلومتر من الساحل، بعيداً عن المنظومات البيئية الحسّاسة. و"لا يوجد دليل على وقوع أضرار حتى الآن، ولكن يتعيّن علينا أن نبقى يقظين".

وفي الخليج الصغير الضحل، الذي يغذي أكثر من 800 محطة لتحلية المياه، أدّى التخلّص من المحلول الملحي إلى إثارة المخاوف بشأن ارتفاع تركيز الملح وتأثيره على الأنواع الحساسة. ويعترف ثابت، من شركة "طاقة"، بأنّ "هناك تحديات تواجه تصريف المحلول الملحي. إلا أنّ الأمر لا يقتصر علينا فحسب، بل هو مشكلةٌ تطال قطاعاً بأكمله وتتطلّب تضافر الجهود".

ويسعى الأكاديميون في المملكة العربية السعودية، أكبر مُنتج للمياه المحلاة في العالم، إلى معالجة مشكلة المحلول الملحي. ويقوم تشيبينغ لاي، الأستاذ في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، باستخراج عناصر ثمينة من المحلول الملحي، مثل الليثيوم والبوتاسيوم، ذات الاستخدامات التجارية. وقد نشر فريقه في مجلة "ساينس" طريقة جديدة لاستخراج مادة الليثيوم المستخدمة في صناعة البطاريات، كما أسّس لاي شركة ناشئة لمحاولة تسويق هذه التقنية الجديدة. وفي هذا السياق، يقول لاي: "من حيث المبدأ، إذا استطعنا استخراج الليثيوم من هذا المحلول الملحي، فقد يعزّز ذلك الجدوى الاقتصادية لحلّ هذه المشكلة". وعلى الرغم من أنّ الليثيوم موجود بتركيزات منخفضة للغاية في المياه المالحة، فإنّ "المملكة مستعدّة لبذل جهود حثيثة لحلّ هذا التحدّي".

ومع تزايد أهمية تحلية المياه في منطقة الخليج، تقول براشليانوف، الرئيسة التنفيذية لشركة "فيوليا"، إن حكومات المنطقة قد وجدت نماذج ناجحة للتعاقد على المشاريع وتمويلها. وعادةً ما تكون هذه المشاريع عبارة عن شراكات بين القطاعين العامّ والخاصّ، مع "نماذج تمويل محدّدة، ونماذج تحصيل أو دفع محدّدة من قبل العميل". وسلّطت الضوء على دولة الإمارات العربية المتحدة، التي منحت شركة "فيوليا" 3 مشاريع في السنوات الأخيرة، جميعها من خلال نماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وذكرت شركة "فيوليا" أنّ سوق الشرق الأوسط كان الأسرع نمواً العام الماضي عبر خدماتها المختلفة. وتُعدّ "تقنيات المياه" واحدة من أسرع خدماتها نمواً على مستوى العالم، حيث بلغت مبيعاتها المُعلنة نحو 5 مليارات يورو العام الفائت. وتقول براشليانوف: "لطالما أدرك الشرق الأوسط أن المياه ضرورية للغاية للصناعة. لذا، لدينا محطات تحلية مياه تخدم مصافي التكرير في الشرق الأوسط، وليس السكان أو الصناعات فحسب. وهذا الإدراك لضرورة المياه في كل شيء أمرٌ تتخلّف عنه أوروبا كثيراً". 

هذ وتواجه شركة "فيوليا" منافسة شرسة من الشركات متعدّدة الجنسيات. فشركة أ"كسيونا" (Acciona) الإسبانية، التي حقّق قسم المياه فيها إيرادات بلغت 1.2 مليار يورو في عام 2024، تمتلك عقوداً لتشغيل محطات تحلية مياه من بيرث، أستراليا، إلى قطر، وتصل قيمتها السوقية إلى 9.3 مليارات يورو. كما تُدير شركة "دوسان إنيربيليتي" (Doosan Enerbility) الكورية الجنوبية محطات تحلية مياه في جميع أنحاء الخليج.

بالإضافة إلى ذلك، تتطلّع شركات بناء البنية التحتية في الشرق الأوسط إلى تصدير خبراتها في مجال تحلية المياه. وتُعدّ شركة "أكوا باور" (ACWA Power)، المُدرجة في بورصة الرياض، أكبر شركة لتطوير مشاريع الطاقة والمياه في المنطقة. ويقول ماركو أرسيلي، الرئيس التنفيذي للشركة: "نتطلّع اليوم إلى التوسّع خارج منطقة الخليج. ونأمل أن نوقّع قريباً اتفاقيات في أذربيجان والسنغال. كما ندرس مشاريع في الصين وماليزيا والفلبين. والكثير من الدول تتواصل معنا وتتطلّع إلى خبراتنا لحلّ مشكلاتها في المستقبل". 

ومع ذلك، يُحذّر بعض الخبراء من أنّ تحلية المياه، رغم أنها مُربحة للشركات، ليست الحلّ الوحيد لمشكلة نقص المياه. كما أنّ الدول تستثمر في تحسين البنية التحتية للمياه. فعلى سبيل المثال، قدّم بنك الاستثمار الأوروبي قروضاً بقيمة 400 مليون يورو لمشاريع المياه في إسبانيا العام الماضي، والتي غطت تكاليف تجديد أو تركيب أنابيب بطول 2000 كيلومتر. وبين عامي 2023 و2024، أنفقت ولاية كاليفورنيا المتضررة من الجفاف مبلغ 63 مليون دولار على مشاريع إعادة تدوير المياه واحتجازها وتخزينها. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة اليونانية عن مشاريع مياه طارئة لمعالجة انخفاض مستويات الخزانات، بما في ذلك حملة توعية عامة وخطط لدمج مئات من مقدمي المياه المحليين المثقلين بالديون لتحسين الرقابة والمرونة.

ويقول مدني، المسؤول في جامعة الأمم المتحدة: "من جهة، لدينا النظام التجاري، ومن جهة أخرى هناك حكومات مُستميتة. إنّ زيادة العرض أسهل بكثير من خفض الاستهلاك". ويضيف أنّ ترشيد استخدام المياه وتسخير مياه الصرف الصحي هما أمران بالغا الأهمية. و"يمكن لتحلية المياه أن تؤدّي دوراً رئيساً، وستؤديه بالتأكيد... لكنها ليست الحل. وهذا يعني أن بناء أكبر محطة تحلية مياه في بلدك ليس بالضرورة أمراً يستحق الاحتفال". 

نقلته إلى العربية: زينب منعم.