"ميدل إيست آي": أيهما يزعج لندن أكثر.. الشعر أم الدم؟
شعار "الموت للجيش الإسرائيلي" في مهرجان "بوب فيلان" ليس معادياً للسامية.
-
مهرجان بوب فيلان في غلاستونبري
موقع "ميدل إيست آي" ينشر تقريراً يتناول الجدل الذي أثاره أداء فرقة "بوب فيلان" خلال مهرجان "غلاستونبري" في المملكة المتحدة، بسبب مواقفها السياسية الصريحة ضد الجرائم الإسرائيلية في غزة، وما أعقب ذلك من هجمة سياسية وإعلامية ضدّ الفرقة.
كما يسلّط النص الضوء على النفاق الغربي المتمثّل في إدانة هتافات موسيقية، مقابل الصمت أو التبرير لجرائم موثّقة ضدّ المدنيين.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
أثار أداء فرقة "بوب فيلان" (Bob Vylan) في مهرجان "غلاستونبري" موجة من الإدانة، إلّا أنّ شعور المملكة المتحدة بالذنب في التواطؤ في الإبادة الجماعية يُغذّي هذه الهستيريا حول فرق البانك.
لطالما عُرفت فرق البانك بتجاوزها للخطوط الحمر في المجتمع الراقي، وبصدمتها للرأي العام. ولولا ذلك، لما كانت من البانك. فهي ليست موجودة لمنح الناس شعوراً بالدفء والطمأنينة تجاه العالم. ولذلك، هناك دائماً جيمس بلانت أو "كولدبلاي".
لقد ظهرت فرق البانك لتوجيه الغضب والغربة اللذين يشعر بهما الكثيرون تجاه نفاق المجتمع وتعصّبه. وفي مهرجان "غلاستونبري" وجّهت فرقتا "نيكاب" و"بوب فيلان" انتقاداً شديداً للمملكة المتحدة بسبب دعمها للإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة. وقد أثار ذلك حالة من الهيستيريا والغضب المصطنع.
في فترة ما بعد الظهر المشمسة، بدأ مغني الراب بوبي فيلان عرضه في مهرجان "غلاستونبري" الموسيقي بهتاف "فلسطين حرّة، حرّة". وهتف الحضور معه، مؤكّدين الدعم واسع النطاق الذي تحظى به القضية الفلسطينية بين المشاركين في المهرجان، وبين المجتمع البريطاني الأوسع. ثم قال: "هل سمعتم هذا الشعار من قبل؟" وعندما بدأ يردّد شعار "الموت للجيش الإسرائيلي"، ردّد معه الجمهور الهتافات نفسها. ومن على خشبة المسرح، قال مغني الراب: "نحن لسنا من دعاة السلام.. ففي بعض الأحيان، يتعيّن عليك إيصال رسالتك باستخدام العنف، لأنها اللغة الوحيدة التي يتحدّث بها بعض الناس ويفهمها".
ومع ذلك، لم يدعُ بوبي فيلان إلى قتل الإسرائيليين، كما زعمت صحيفة "ميل أون صنداي" زوراً في عنوان صفحتها الأولى، وهذه واحدة من الأكاذيب المنشورة الأكثر وضوحاً التي اشتهرت بها "ميل أون صنداي" على مدى عقود من الزمن.
واليوم، تدفع الفرقة ثمن موجة الغضب هذه بسبب القتل الجماعي والتواطؤ الغربي؛ فقد تمّ إلغاء تأشيرة الجولة الأميركية وإلغاء عقد الوكيل؛ وفتحت الشرطة تحقيقاً في الأمر.
عنف الإبادة الجماعية
بعد مرور نحو عامين على بدء حملة الإبادة الجماعية في غزة، قد تكون الرغبة في تفكيك الجهاز العسكري الإسرائيلي ردّ فعل طبيعياً من جانب ملايين الفلسطينيين الذين دُمّرت حياتهم، وتحوّلت منازلهم إلى أنقاض، وتضوّر أطفالهم جوعاً وقتلوا على يد ذلك "الجيش". والأهم من ذلك كله، أنهم يريدون نهاية للحرب، ليس هذه الحرب فحسب، بل أي هجوم مستقبلي قد تشنه "إسرائيل" ضدهم. فبعد نحو 8 عقود من الحروب المتكرّرة والاحتلال والتهجير والمجازر، هم يرغبون ببساطة العيش في وطنهم من دون خوف من إرهاب "الجيش" الإسرائيلي.
يشعر ملايين الناس حول العالم بالاشمئزاز والغضب إزاء العدد الهائل للجرائم الإسرائيلية التي وثّقها الصحافيون والأطباء وعمال الإغاثة الفلسطينيون في غزة لأكثر من 20 شهراً. لكن يبدو أنّ حكّامنا السياسيين لا يشاركوننا هذا الغضب، فهم يضعون حماية "إسرائيل" فوق القانون الدولي، بل وحتى أبسط مبادئ الإنسانية. وفي هذا الإطار، أدانت وزيرة الثقافة ليزا ناندي في جميع وسائل الإعلام بثّ هيئة الإذاعة البريطانية عرض فرقتي "بوب فيلان" و"نيكاب"، واصفةً ما رأته في مهرجان "غلاستونبري" بـ"المشاهد المروّعة وغير المقبولة". أما بالنسبة للمجازر التي ارتكبها "الجيش" الإسرائيلي، فلم تجد كلماتٍ تُذكر بعد قرابة عامين من حصولها.
وفي العام الفائت، وجّهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. إلّا أنّ شيئاً لم يحدث. ويلجأ الجنود الإسرائيليون في كثير من الأحيان إلى استخدام العنصرية في الإبادة الجماعية من خلال رفع هتافات مثل "الموت للعرب" و"لتحترق قراهم".
إن ّحقيقة قيام صحيفة "ميل" بإعادة كتابة هتاف بوبي فيلان بشكل خاطئ يشير إلى أنّ عبارة "الموت للجيش الإسرائيلي" لم تُعتبر مثيرة للجدل بما يكفي، حتى بين قرّاء الصحيفة. كما يعني ذلك أنّ "إسرائيل وجيشها" لا فرق بينهما؛ وأنّ المجتمع الإسرائيلي هو "الجيش". ووفقاً لإحصاءات إسرائيلية، يخدم نحو نصف الإسرائيليين في "الجيش". وهو نظام تجنيد إجباري، ويُعدّ "الجيش" المؤسسة الأقوى في "دولة" استعمارية استيطانية مُعسكَرة. وكان معظم قادته من قدامى المحاربين الذين شاركوا في الحروب التي خاضتها "إسرائيل".
لم يدعُ بوبي فيلان إلى قتل نتنياهو أو أي زعيم إسرائيلي آخر. بل دعا إلى القضاء على أعنف قوة على الساحة العالمية اليوم. إذ لا توجد قوة عسكرية أخرى ترتكب بوقاحة وبشكل روتيني مثل هذه الأعمال الوحشية ضد الرجال والنساء والأطفال، وتتفاخر بها علناً.
يوم الاثنين، قصف "الجيش" الإسرائيلي مقهىً على شاطئ مدينة غزة، ما أسفر عن مقتل المصوّر الصحافي إسماعيل أبو حطب والفنانة التشكيلية فرانس السالمي و31 آخرين. لم يتصدّر هذا الخبر الصفحة الأولى لصحيفة "ميل"، كما هو الحال مع الكثير من الأعمال الوحشية الأخرى التي ارتكبتها "إسرائيل". ولم تصدر أي إدانة من القادة السياسيين البريطانيين.
ومؤخراً، قال جنود إسرائيليون لصحيفة "هآرتس" إنّ قادتهم أمروهم بإطلاق النار على طالبي المساعدة الجائعين أثناء اقترابهم من مراكز المساعدات في جنوب ووسط قطاع غزة. وأشار جندي إلى أنّ طالبي المساعدة الفلسطينيين "عوملوا كقوة معادية؛ فلا إجراءات للسيطرة على الحشود ولا غاز مسيل للدموع، فقط إطلاق نار حيّ بكلّ ما يمكن تخيّله: رشاشات ثقيلة، وقذائف صاروخية، وقذائف هاون". وأضاف الجندي: "لم أسمع عن أيّ حالة ردّ على إطلاق النار. إذ لا يوجد عدو، ولا أسلحة".
الغضب المصطنع
بدلاً من التركيز على هذه الجرائم، فإنّ وسائل الإعلام والساسة البريطانيين غاضبون للغاية بسبب كلمات شاعر متمرّد وبثّ هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لهذا الحدث كجزء من تغطيتها الحية لمهرجان "غلاستونبري". وقد أصدرت إيميلي إيفيس، منظمة مهرجان "غلاستونبري"، بياناً تنأى فيه بالمهرجان عن كلمات بوبي فيلان، وتدين معاداة السامية، والدعوات إلى العنف، وخطاب الكراهية.
بدورها، قالت ليزا ناندي في مجلس العموم إنّ "هتافات "الموت للجيش الإسرائيلي تمثّل دعوة لقتل كلّ يهودي إسرائيلي". ودعا اللورد إيان أوستن، المبعوث التجاري للحكومة البريطانية، الشرطة إلى "إجراء تحقيق على وجه السرعة واعتقال أعضاء الفرقة، إذا لزم الأمر". وفتحت الشرطة يوم الاثنين تحقيقاً جنائياً في العروض التي قدّمتها فرقتا "بوب فيلان" و"نيكاب" في مهرجان "غلاستونبري".
وكما أشار عدد من المعلّقين، فإنّ الدعوة إلى قتل "جيش" تتهمه منظمات حقوق الإنسان الرئيسة بارتكاب إبادة جماعية لا تُعدّ معاداة للسامية. أما الادعاءات التي تتناقض مع هذا الرأي في وسائل الإعلام اليمينية ومن جانب الساسة البريطانيين، فهي في أحسن الأحوال مُضللة. وفي أسوأ الأحوال، تعدّ هذه الادعاءات في حد ذاتها معادية للسامية، وتوحي بأنّ الشعب اليهودي بشكل عامّ لا فرق بينه وبين "الجيش" الإسرائيلي، في خضمّ كلّ الجرائم التي يرتكبها حتى يومنا هذا.
وقد وصفت شارين هاسكل، نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، هتاف الفرقة بالكراهية المعادية لليهود، قائلةً لصحيفة "ميل أون صنداي": "لأنّ الهدف هو إسرائيل ولأنهم يهود، يتمّ التسامح مع هذا الأمر وبثّه أيضاً. وهذا تحريض واضح".
إنّ محاولة اصطناع الغضب بسبب هتاف فرقة موسيقى البانك، بل وحتى وضع الكلمات في أفواههم لإثارة الخوف بين اليهود، هو في حدّ ذاته عمل خطير وتحريضي. وكما أخبرتني الناشطة اليهودية الاشتراكية نعومي ويمبورن-إدريسي: "لم يقل الموت للإسرائيليين المدنيين، بل الموت للجيش الإسرائيلي، أي القوة المسلحة المجرمة. وهو شعار يُرفع دائماً في التظاهرات في أستراليا وأماكن أخرى. وليس من المفترض أن يكسب تعاطف الناس ذوي النزعة الحسّاسة تجاه القضية، ولكن إذا حاولتَ قمع الغضب المشروع ضد إبادة جماعية متلفزة، فهذا ما ستحصل عليه".
وفي بيان صادر عنها، أوضحت فرقة "بوب فيلان" موقفها قائلةً: "لسنا مع قتل اليهود أو العرب أو أيّ عرق أو جماعة أخرى. نحن مع تفكيك آلة عسكرية عنيفة، آلة أُمر جنودها باستخدام قوة غير ضرورية ضد المدنيين الذين ينتظرون المساعدات، آلة دمّرت جزءاً كبيراً من غزة. لا تريدنا الحكومة أن نسألها عن سبب صمتها إزاء هذه الأعمال الوحشية، أو أن نسألها عن سبب عدم بذلها المزيد من الجهود لوقف القتل. نحن مُستهدفون لمجرّد رفع صوتنا".
باختصار، لا يحتاج "الجيش" الإسرائيلي إلى حماية من شاعر متمرّد في مهرجان "غلاستونبري"، بل يجب محاسبته على جرائمه.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.