"Counterpunch": جيفري إبستين هو مرآة للقوة الأميركية
جيفري إبستين ليس مجرد أداة للصراع الحزبي، بل هو تجسيد أكثر بشاعة لجوهر السلطة في أميركا.
-
تظاهرة أمام البيت الأبيض تدعو إلى الكشف عن ملفات جيفري إبستين
موقع "Counterpunch" ينشر مقال رأي يتناول فكرة تُجادل أنّ الاعتداء الجنسي يتعلق بالسلطة لا باللذة، وتربطه بإرث الغزو والاستعمار وبُنى الهرمية في الغرب. يتخذ من قضية جيفري إبستين مثالًا على "ثقافة الاغتصاب" المؤسسية، منتقداً تحويلها إلى سلاح حزبي يُفرغها من معناها ويُهمّش الضحايا.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
المغتصبون لا يسعون إلى اللذة الجنسية، بل إلى إثارة أكثر فظاعة: شعور يشبه الإلهية ينبع من غزو إنسان آخر كما تُغزى دول العالم الثالث. ومغتصبو الأطفال، هم من يدركون أن هؤلاء هم الفئة الأكثر قابلية للسيطرة والسحق بشكل كامل وسهل. الاعتداء الجنسي في الولايات المتحدة شائع بشكل صادم، والجاني النموذجي ليس بالضرورة منحرفاً أو مختلّاً نفسياً. بل هو فقط شخص مسموح له بذلك.
الثقافة الغربية مبنية على الغزو العنيف والتدرج الهرمي الاجتماعي الصارم، لذلك لا يُفاجأ أحد حين تتحوّل معظم الهياكل الاجتماعية الغربية إلى أوكار لاعتداءات الأطفال. ببساطة، عندما تتركز قوة هائلة في أيدي قلة مختارة، فإن ذلك يمنحهم القدرة على تدمير الأرواح كما لو كانت هواية، في حين يقوم المجتمع المطيع بتمكينهم من ذلك. هناك مصطلح لهذا الواقع، وهو "ثقافة الاغتصاب"، وهو مفهوم يُتداول كثيراً لكنه نادراً ما يُفهم. وهو ليس مجرد خطاب نسوي، بل هو نتيجة سامة لما بعد الاستعمار والانحطاط الأخلاقي الذي يغذّيه. هذه الثقافة من الفجور العارض تؤثر على الجميع، لكن وقعها على الفئات المهمشة يكون منهجياً وبنيوياً. أكبر ضحايا الاعتداء الجنسي في الولايات المتحدة هم النساء والأطفال، وتزداد احتمالات التعرّض أربعة أضعاف كلما أضفت صفة إضافية مثل "أسود".
لهذا السبب، لا يمكن فصل النسوية عن مناهضة الاستعمار أو حقوق الشباب، يجب مواجهة كل مؤسسة سلطة وتفكيكها، من السجون إلى المدارس. ولهذا ينبغي عدم تسخيف ملفات إبستين وتحويلها إلى سلاح حزبي تافه في السياسة الأميركية.
أنا أرى هذه القضية امتداداً لحركة "MeToo".
جيفري إبستين، ودونالد ترامب، وبيل كلينتون، جميعهم جزء من الثقافة نفسها: ثقافة العنف السلطوي الترفيهي. هذه ليست مشكلة حزبية يسارية أو يمينية تقليدية، بل أعمق وأشمل من ذلك بكثير. ومع ذلك، فإننا نسمح للديمقراطيين والجمهوريين، وهما قبيلتان نخبويتان تعجّان بالأوليغارشيين المفترسين، بالسيطرة على سردية إبستين وتفريغها من معناها، تماماً كما فعلوا مع حركة "MeToo".
وفي خضم هذه المهزلة الحزبية، يضيع الضحايا الحقيقيون.
مئات الفتيات اللواتي تعرضن للاستغلال والاتجار الجنسي من قِبل إبستين وأصدقائه يتم استخدامهن مجدداً، كأدوات دعائية بلا وجوه، من الذين استغلوهن سابقاً أنفسهم. هذا مقزز. وبالنسبة لأشخاص مثلي، فهو صادم ومحفّز للصدمة النفسية. ولكن فقط لأن هذه الطبقة الأوليغارشية الأميركية المتحللة حولت القضية إلى عرضٍ هزلي، لا يعني أنّ القضية نفسها لا تهم. بل على العكس، علينا إغلاق التلفاز، ووضع الهاتف جانباً، والنظر بتمعّن في ما نعرفه.
ما نعرفه عن جيفري إبستين: كان شخصاً عديم الكفاءة تقريباً، بلا مؤهلات أكاديمية، ومع ذلك أصبح مليارديراً غامضاً مقرباً من أصحاب النفوذ. من عام 1994 إلى 2004 (وربما قبل وبعد)، أدار شبكة اتجار جنسي بفتيات قاصرات، زوّد بها عملاء أثرياء في مانهاتن وبالم بيتش. وحتى اليوم، لم يُحاسب أي من عملائه، رغم اعتراف الحكومة بوجودهم.
ما نعرفه عن دونالد ترامب: اتُّهم منذ السبعينات بـ "التحرش الجنسي" من قِبل أكثر من 20 امرأة، من بينهن من اتهمنه بالاغتصاب. أدين مدنياً في تهمة اعتداء جنسي، ومع ذلك أنكر لاحقاً وتباهى علناً بتحرشه بالنساء. كان ترامب صديقاً مقرّباً لإبستين لمدة 15 عاماً، وهي فترة تتداخل مع نشاط إبستين الإجرامي المعروف. إبستين كان ضيفاً دائماً في "مارالاغو"، حيث جرى تجنيد بعض الضحايا للعمل هناك. حتى أنه قدّم ترامب إلى زوجته الحالية، وإحدى ضحاياه.
ما أعرفه عن المعتدين الجنسيين من واقع التجربة والعلاج: غالباً ما يعملون كأزواج، يدعم بعضهم بعضاً. يتعرف بعضهم إلى بعض بسهولة. يستمتعون بانحرافات بعضهم بعضاً ويتحدّون بعضهم بعضاً لزيادة الفجور. يتسللون إلى المؤسسات ذات النفوذ، لأن هذه المؤسسات تستفيد من خدماتهم القذرة وتحميهم.
يجب على الجميع أن يعرف ما أعرفه. لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإيقاف هذا الجحيم. هذه هي الطريقة الوحيدة لكي "تتحسّن الأمور" فعلاً. ما نحتاجه اليوم ليس لجان تحقيق ولا مستشارين خاصين ولا صفقات حزبية. ما نحتاجه هو الشفافية الكاملة. انشروا كل الملفات، مع إخفاء أسماء الضحايا فقط، ودعوا الناس يعرفون كيف تبدو السلطة.
جيفري إبستين ليس مجرد أداة للصراع الحزبي، بل هو تجسيد أكثر بشاعة لجوهر السلطة في أميركا. إنه مرآة تكشف حقيقتها العارية. تأملوا ما صنع، أيها المتغطرسون، وافقدوا الأمل.
نقله إلى العربية: الميادين نت.