"Counterpunch": دونالد في الجزيرة العربية.. ماذا حقق؟

إنّ العصر الذهبي الذي يتحدّث عنه ترامب، لن يستفيد منه أيّ مواطن أميركي، أو في الشرق الأوسط، والمفارقة أنّ هذه الصفقات تحدث بينما "إسرائيل" مستمرّة بالإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزّة.

0:00
  • الرئيس الأميركي دونالد ترامب وورائه خريطة الجزيرة العربية
    الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووراءه خريطة شبه الجزيرة العربية

موقع "Counterpunch" ينشر مقالاً يُدين فيه زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتبارها مثالاً صارخاً على فساد النخبة السياسية وتضارب المصالح الشخصية والتجارية مع المصالح الوطنية. ويصف "العصر الذهبي" الذي يتحدث عنه بأنه ذهبي فقط لأثرياء السلطة، لا للشعوب. كما يُبرز تناقضات ترامب في تعامله مع قضايا الشرق الأوسط، خصوصاً في تجاهله لـ"إسرائيل" وحرب غزة، وعلاقاته المعقدة مع دول الخليج وسوريا.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

قال الرئيس دونالد ترامب خلال منتدى الاستثمار السعودي- الأميركي في الرياض، إنّ "الولايات المتحدة أطلقت عصرها الذهبي، وبمساعدة شعوب الشرق الأوسط والشركاء في جميع أنحاء المنطقة، يمكن أن يمضي العصر الذهبي للشرق الأوسط قدماً معنا أيضاً".

بالطبع، يقصد ترامب بأنّه مع أصدقائه في الشرق الأوسط سيحصلون على الذهب، ويكمل ملحمة بدأت في ولايته الأولى عندما جعل المنطقة كما الآن، وجهته الأولى التي يقصدها، حيث حظي مع صهره جاريد كوشنر والمقرّبين في دائرته بتودّد واحتفاء من الملوك والشيوخ، الذين كافأهم الرئيس ترامب بنهج متساهل تجاه انتهاكات حقوق الإنسان، وتسعير النفط، وسواها من الأمور العزيزة على قلوب الحكّام المستبدّين، كما غضّ النظر عن دعم بعضهم حركة "حماس" آنذاك.

كانت رحلة الرئيس ترامب التي استمرّت 4 أيام إلى الشرق الأوسط في الأسبوع الماضي، بمنزلة تمرين على الفساد وتضارب المصالح الصارخ. كانت البداية الفعلية للرحلة هي "هدية" قطر لطائرة بوينغ من طراز "747" قبلها ترامب فوراً، كما لو أنّ حظر الدستور لمثل هذه الهدايا لا ينطبق عليه.

ولم تجد المدّعية العامّة بام بوندي التي كان في وقت من الأوقات تعمل مع جماعة ضغط لصالح قطر، مشكلة في قبول ترامب للهدية. بينما يعتزم ترامب استخدام الطائرة لاستخدامه الشخصي بعد ترك منصبه.

وبغضّ النظر عن عدم مشروعية الصفقة، فقد واجهت العديد من الاعتراضات حتّى من بعض الجمهوريين، باعتبار أنّ تجهيز الطائرة للسفر في أثناء وجود ترامب في منصبه سوف يكلّف مئات الملايين من الدولارات من أموال دافعي الضرائب، وأنّ تأمين الطائرة سوف يستغرق بضع سنوات، وأنّ قطر سوف تريد بالتأكيد عائداً على استثمارها.

حين يتحدّث المال

زيارة ترامب إلى المنطقة التي شملت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، كشفت بوضوح كيف تدار الأموال حين يتولى رئيس مجرم السلطة. لقد كانت الزيارة في الأساس رحلة عمل للرئيس، ومتابعة لصفقة ابنه إريك في الاستثمارات في فنادق وأبراج تحمل اسم ترامب، وصفقة عملات رقمية بقيمة ملياري دولار، وملعب غولف في دبي.

لقد قدّم السعوديون، الذين كانوا دائماً سعداء برؤية ترامب، المجموعة المعتادة من الوعود الكاذبة، بدءاً من صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار، والتي روّج لها على أنّها أكبر اتّفاقية مبيعات دفاعية في التاريخ، وتعهّدت الرياض أيضاً باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، من ضمنها 20 مليار دولار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وشراء توربينات الغاز وغيرها من معدّات الطاقة بقيمة 14.2 مليار دولار، ونحو 5 مليارات دولار في طائرات "بوينغ"، وصفقات أخرى.

الأرقام لا تصل إلى ما يقارب 600 مليار دولار، ولكن لا بأس. جرى الترويج لهذه الصفقات الضخمة في مأدبة غداء حضرها بعض كبار الرؤساء التنفيذيين للشركات الأميركية، بمن فيهم إيلون ماسك، حيث قال ترامب إنّ هؤلاء استولوا على مبالغ كبيرة خلال مأدبة غداء. لكنهم من بين ما قدموه بالمقابل هو رقائق حاسوبية متطوّرة للذكاء الاصطناعي، حيث يجري حالياً بناء مركز جديد للذكاء الاصطناعي في أبو ظبي، وستشحن مئات الآلاف من رقائق "إنفيديا" إليه، كما ستحصل السعودية عليها، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان ترامب قد تعاقد مع جهات خارجية لتوريد سلعة حساسة للأمن القومي.

بينما تحدّثت صحيفة "نيويورك تايمز" عن شكوك وقلق بين المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين بشأن "عدم كفاية الحماية لمنع استفادة الصين من هذه التكنولوجيا"، التي تربطها بهذه الدول علاقات جيدة. ويشاع أنّ المسؤولين الأميركيين قلقون أيضاً بشأن تمهيد الطريق لإنشاء "أكبر مراكز بيانات في العالم" في الشرق الأوسط، وهم يتساءلون عما حدث لخطّة ترامب لإعادة الشركات الكبرى إلى الوطن.

إشراك سوريا

لم تكن السياسة الخارجية هي الأجندة الأساسية في جدول ترامب، ولم يزر "إسرائيل"، ولم يقل أيّ شيء عن الحرب الإسرائيلية المستمرّة على غزّة، بينما تشير التكهّنات إلى أنّ ترامب ونتنياهو ليسا على علاقة جيدة هذه الأيام، ويرجع ذلك أساساً إلى محاولة ترامب عقد اتّفاق مع إيران في الملفّ النووي بدلاً من مهاجمتها، كما هو الترتيب مع الحوثيين في اليمن بعدم مهاجمة السفن الأميركية، ترك "إسرائيل" مكشوفة.

كما لم يضغط ترامب على السعوديين لتطبيع العلاقات مع "تلّ أبيب". وقال إنّه يأمل منها التوقيع على "اتفاقيات أبراهام"، لكنّه أقرّ بأنّ السعوديين سيقومون بذلك وفقاً لجدولهم الزمني الخاصّ.

كذلك يعد لقاء ترامب مع الرئيس الجديد لسوريا أحمد الشرع، تطوّراً إيجابياً، حيث أعلن ترامب عن قراره إيقاف العقوبات عن سوريا، بينما قدّم له السوريون خططاً لبناء برج ترامب، الذي لا بد أن "يمتلكه".

وفي الاجتماع، اقترح ترامب أن تطبّع سوريا علاقاتها مع "إسرائيل"، وأن تتخلّص من الإرهابيين الأجانب، ووعدهم الرئيس بمساعدات التنمية الأميركية مع أنّ أبواب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أغلقها بنفسه، بينما إذا احترمت الحكومة السورية حقوق الإنسان، وأنهت علاقاتها العسكرية مع روسيا، وتخلّصت من "داعش"، فلن يكون ذلك إنجازاً صغيراً.

ووصف بيان صادر عن وزارة الخارجية السورية الاجتماع بأنّه "تاريخي"، وأنّ ترامب "أكّد أنّ الإدارة في واشنطن ملتزمة بلعب دور إيجابي وبناء خلال هذه الفترة الحساسة". كما حقّق السعوديون الذين نظّموا الاجتماع الأميركي- السوري، انتصاراً هنا. قال ترامب: "ما أفعله هو من أجل ولي العهد".

إنّ العصر الذهبي الذي يتحدّث عنه ترامب، لن يستفيد منه أيّ مواطن أميركي، أو في الشرق الأوسط، وأرباح الصفقات ستذهب إلى جيوب الأوليغارشية هنا وهناك. والمفارقة المفزعة أنّ هذه الصفقات تحدث بينما "إسرائيل" مستمرّة بالإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزّة، والحرب الأوكرانية محتدمة، والتوتّرات بين الولايات المتحدة والصين لا تزال تتصاعد، وملايين الأميركيين قلقون بشأن رعايتهم الصحّية ووظائفهم، فهذا هو المنزل الذي بناه ترامب.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.