"lawfare": إدارة ترامب الثانية تغضّ الطرف عن أفغانستان
إن تفكيك الإدارة الأميركية لبرامج المساعدات الإنسانية وبرامج اللاجئين من شأنه أن يؤثر بشكل عميق على الأفغان.
-
"lawfare": إدارة ترامب الثانية تغضّ الطرف عن أفغانستان
مجلة "lawfaremedia" الأميركية تنشر مقالاً يتناول السياسات الأميركية تجاه أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية في عام 2021، مركزًا بشكل خاص على تغيّر المواقف بين إدارات ترامب وبايدن، وتأثير ذلك على الوضع الإنساني والسياسي في أفغانستان.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
خلال إدارة ترامب الأولى حضرت أفغانستان مراراً وتكراراً، حين تحدّث الرئيس عن إنهاء عصر "الحروب الأبدية"، عن أنّ إدارته وقعت اتّفاقاً مع حركة طالبان في العام 2020 في الدوحة، ينصّ على سحب جميع القوّات الأميركية من أفغانستان بحلول العام 2021. والتزم الرئيس جو بايدن بالصفقة، ولكنّ الانسحاب الفوضوي والعار الناجم عنه دفع إدارته إلى وضع أفغانستان في سلّة النسيان، إلّا أنّ ترامب أعاد إحياء قضية الانسحاب خلال حملته الانتخابية في العام الماضي، كأساس لانتقادات لاذعة وجهها لبايدن، مع التركيز بشكل خاصّ على "هجوم مطار كابُل" الذي وقع في الأيّام الأخيرة من الانسحاب.
ومنذ الانتخابات تلاشت أخبار أفغانستان من التداول. ومع ذلك، فإنّ سياسات الإدارة الحالية لها عواقب وخيمة على الأفغان، كما أنّ تقاعس الولايات المتحدة عن دورها له آثار مستمرّة.
المساعدات الإنسانية
لقد سحبت إدارة ترامب الدعم الأميركي للمساعدات الإنسانية والإنمائية الدولية بشكل شبه كامل، ما أدّى إلى آثار فورية وهائلة في معظم أنحاء العالم، وأفغانستان من بين الدول الأكثر تضرّراً. ومع استيلاء طالبان على السلطة في آب/أغسطس 2021، انزلقت البلاد نحو أزمة إنسانية ترافقت مع دخول العقوبات الاقتصادية على الجماعة حيّز التنفيذ، حيث جمدت احتياطيّات البلاد من النقد الأجنبي، وجفّت كمّيات كبيرة من المساعدات الدولية، كما فقد الاقتصاد السيولة كلّها تقريباً.
ووفقاً لرئيس برنامج الغذاء العالمي أنّه منذ خريف عام 2021، كان 23 مليون أفغاني مهدّدين بالمجاعة، كما أفادت تقارير إعلامية مروّعة عن عائلات يائسة تبيع أطفالها من أجل البقاء. ومنذ ذلك الوقت، احتاج 23 مليون أفغاني وهُم أكثر من نصف سكّان البلاد إلى مساعدات إنسانية. كذلك أطلقت الأمم المتحدة نداءات إنسانية من أجل أفغانستان كلّ عام منذ عام 2022 بدءاً من صندوق ب 4.4 مليارات دولار، وهو أكبر نداء لأيّ بلد في العالم في عام 2022، (وأكبر نداء منفرد للأمم المتحدة حتّى تلك اللحظة. ونداء هذا العام مقدّر ب 2.4 مليار دولار. مع العلم أنّ الولايات المتحدة كانت أكبر مانح منفرد لأفغانستان منذ العام 2021، وأسهمت بأكثر من 3.8 مليارات دولار في المساعدات الإنسانية والتنموية.
لكن حين أعلنت إدارة ترامب تجميد برامج المساعدات الإنسانية الأميركية في بداية العام الجاري، كانت أفغانستان تتعامل بالفعل مع نداءات إنسانية تعاني نقص التمويل بسبب إرهاق المانحين والأزمات الأخرى الملحّة في جميع أنحاء العالم التي تستحوذ على الاهتمام. وبعد نحو 3 أشهر قرّرت إدارة ترامب إنهاء كلّ الدعم لبرنامج الأغذية العالمي في أفغانستان، بحجّة أنّ الأموال كانت تفيد طالبان. بينما الحقيقة أنّ بعض أموال المساعدات سقطت في أيدي طالبان منذ عام 2021، لكنّ العلاج لا يكون بسحب الدعم الإنساني المنقذ للحياة، وهذا له عواقب وخيمة.
ويبدو أنّ نية الإدارة هي خفض أموال المساعدات الأميركية لأفغانستان إلى الصفر. ولن يؤدّي هذا فقط إلى إنهاء التمويل المخصّص للخدمات الصحّية الأساسية، بل سينهي أيضاً المساعدات الغذائية الأساسية لمليوني أفغاني، من بينهم نحو 400 ألف طفل وأمّ يعانون سوء التغذية.
اللاجئون
تقول إدارة ترامب إنّها لن تمدّد وضع الحماية المؤقّتة الذي يسمح للمهاجرين من البلدان التي تواجه صراعات أو كوارث طبيعية بالبقاء في الولايات المتحدة، من بينهم 9,000 أفغاني كانت إدارة بايدن قد منحت آلاف الأفغان هذا الوضع بعد آب/أغسطس 2021، ومدّدته مرّة واحدة في عام 2023. تستشهد الإدارة الحالية بالظروف "المحسّنة" في أفغانستان كسبب لإنهاء الحماية المؤقّتة للأفغانيين، مما عني أنّ من المحتمل ترحيلهم بمجرّد انتهاء المدّة في الـ20 من الشهر الحالي.
كما أوقفت الإدارة نقل الأفغان الحاصلين على موافقة لمنحهم تأشيرات الهجرة الخاصّة، بما في ذلك تلك الموجودة في دول ثالثة، فضلاً عن إيقاف قبول الحلفاء الأفغان مؤقّتاً بموجب برنامج قبول اللاجئين الأميركي.
وهذه القضايا التي تهتمّ بها مجموعات المحاربين القدامى بشدّة مثل "أفغان إيفاك" و "لا أحد يترك في الخلف"، كجزء من الوعد الذي قطعته أميركا على نفسها لحلفائها الأفغان الذين ساعدوا الولايات المتحدة في المجهود الحربي الذي استمرّ 20 عاماً، والمحتاجين الآن إلى الحماية وإعادة التوطين. وكان مايك والتز الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي حتى أوائل الشهر الجاري وهو من قدامى المحاربين في أفغانستان قد دعا إلى إعادة توطين اللاجئين الأفغان في الماضي لكنّه التزم الصمت بشكل ملحوظ بشأن هذه القضية خلال هذه الإدارة.
من غير المرجّح أيضاً أن يعطي الكونغرس الأولوية لقانون التكيف الأفغاني، الذي من شأنه أن يمهّد الطريق إلى الإقامة الدائمة القانونية لعشرات الآلاف من الحلفاء الأفغان الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة بعد عام 2021، ويوسّع معايير منح تأشيرات الهجرة الخاصة. وقد قدم القانون لأول مرة في عام 2022، وأعيد تقديمه بنسخة منقحة في الكونغرس في عام 2023، لكن لم يسمع عنه بعد ذلك.
وبشكل غير منفصل تماماً، تعمل باكستان أيضاً على تكثيف ترحيلها للاجئين الأفغان الذين كان بعضهم على الأقل يقف في الطوابير الطويلة للحصول على تأشيرات هجرة خاصة من الولايات المتحدة، والتي لن تكون قريبة بعد الآن.
التعامل مع "طالبان"
زار المبعوث الأميركي آدم بوهلر والممثّل الأميركي الخاص السابق لأفغانستان زلماي خليل زاد أفغانستان منذ شهرين، وهي أوّل زيارة يقوم بها مسؤولون أميركيون للبلاد منذ آب/أغسطس 2021. أعقب ذلك إطلاق طالبان سراح رهينتين أميركيتين، كما ألغت إدارة ترامب المكافآت التي كانت مرصودة منذ فترة طويلة لــ 3 من قادة شبكة "حقاني"، وليس من الواضح إذا ما كان ذلك مرتبطاً بصفقة إطلاق سراح الرهائن.
وكانت الولايات المتحدة قد عرضت مكافآت قدرها 20 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عن ثلاثة من قادة شبكة حقاني.
ومع ذلك، فإنّ كلّ هذا لا يعني أن هناك علاقة أوسع مع أفغانستان، أو اعترافاً رسمياً بنظام طالبان. ومن المرجّح أن تركّز الإدارة الأميركية على قضية الأسلحة الأميركية المتروكة في أفغانستان والتي وفقاً للتقارير الأخيرة، استولى عليها المتمرّدون العرقيون عبر الحدود في باكستان، واستخدمت في هجمات أدّت إلى خسائر مرتفعة هناك، وهي قضية ندّد بها ترامب بشكل متكرّر. زيادة على ذلك، قد تواصل الولايات المتحدة التعامل مع طالبان بشكل محدود في جهود مكافحة الإرهاب ضدّ تنظيم "داعش" في خراسان، ولكن من غير المرجّح أن يترجم هذا إلى علاقة أكثر متانة.
كما أنّ الإدارة لن تعترف بحركة طالبان أو تعيد إنشاء سفارة أو قنصليات أميركية في أفغانستان. ولكن، حتّى لو حدث ذلك، فمن غير المتوقّع أن يربط هذا النقص في الاعتراف، كما فعلت إدارة بايدن، بالمخاوف بشأن حقوق الإنسان وحقوق المرأة في البلاد. في النهاية، أثبتت هذه المواقف والتصريحات أنّها غير مجدية، ولم يكن لها تأثير في سياسة طالبان تجاه النساء، لكنّها كانت علامة على موقف الولايات المتحدة من هذه القضايا. كما أوضحت إدارة ترامب الثانية أنّ حقوق الإنسان لن تكون بعد الآن محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
تحوّل الهدف الأميركي الأصلي في التدخّل في أفغانستان من هزيمة تنظيم "القاعدة" وطالبان، في النهاية إلى عقدين من محاولة بناء الدولة الأفغانية. وقد فقدت أميركا قدراً كبيراً من الدماء والأموال في أفغانستان، وفقد مئات الآلاف من الأفغانيين حياتهم، بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ الحرب ـــــــــ لا الانسحاب فقط ـــــــــ فشلت استراتيجيّاً خلال عقدين حيث عادت طالبان إلى السلطة.
لكنّ البلدين متشابكان نتيجة للتدخل الأميركي في ذلك البلد الذي استمرّ 20 عاماً. لقد أثّرت الحرب، وكيف انتهت، تأثيراً عميقاً على حياة الأفغان. كما أنّ سياسات الإدارة الحالية بشأن قبول اللاجئين والمساعدات الإنسانية تلحق ضرراً مباشراً بحلفائها من المدنيّين الأفغان. وبدلاً من أن تتحمّل الولايات المتحدة مسؤوليتها تجاه هذا البلد المضطرب، تختار الانسحاب تماماً وهي نتيجة تنذر بمزيد من مآسي الأفغانيين التي خلّفها الاحتلال الأميركي.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.