"Responsible Statecraft": الاتفاق النووي مع إيران قد يولد مليارات الدولارات لأميركا
إنّ الاتفاق النووي سيكون بمثابة نعمة لأسواق التصدير الجديدة، ودعم الوظائف، وعوائد عالية القيمة للصناعة الأميركية.
-
الصفحة الأولى في صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يناقش استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إيران، خاصة في ما يتعلّق بالملف النووي، والعلاقة بين العقوبات والمشاركة الاقتصادية كأداتين للضغط والتفاوض.
ويطرح النصّ فكرة أنّ الاعتماد الحصري على العقوبات أثبت فشله، وأنّ تقديم حوافز اقتصادية مدروسة يمكن أن يكون أكثر فاعلية لتحقيق أهداف واشنطن.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
بينما تخوض الولايات المتحدة وإيران محادثات مشحونة بالتوتر، لا يزال انعدام الثقة بين الطرفين عميقاً، بسبب إخفاقات الماضي والضغط المتزايد من المعارضين اللذين يعيقان التقدّم. خاصة وأنّ واشنطن عادت إلى موقفها القديم القاضي بعدم التخصيب، وهي سياسة دفعت إيران في عام 2010 إلى زيادة تخصيب اليورانيوم من أقل من 5% إلى 20%. ولا تزال طهران متمسّكة بموقفها بإصرار على أن "لا تخصيب، لا صفقة، لا أسلحة نووية، إبرام اتفاق".
واشنطن ميّالة غرائزياً لتشديد الخناق على طهران، وإضفاء مصداقيّة على تهديداتها، والتلويح بالتصعيد العسكري لإجبارها على الاستسلام. إلّا أنّ التاريخ يظهر أنّ هذه الأساليب القسرية غالباً ما تفشل. فالعقوبات لم تضمن الامتثال، وأثبتت أنّها مكلفة للمصالح الأميركية، ومن غير المرجّح أن تنجح الضربات بالحدّ من القدرات النووية الإيرانية، بل إنّها تخاطر بدفع طهران نحو تطوير سلاح نووي.
يتطلّب كسر هذا الجمود تحوّلاً استراتيجياً من العقوبات إلى المشاركة الاقتصادية العملية، فالحوافز ليست مكافأة، بل أداة أساسية في الدبلوماسية. ومن خلال ربط المنافع مباشرة بالامتثال للصفقة المتحقّقة، حيث تستطيع واشنطن تعزيز التعاون الحقيقي المعزّز لأمن الولايات المتحدة. وسيكون ذلك منحة حقيقية للأسواق الأميركية والإيرانية، بعد القطيعة لعقود.
حدود دبلوماسية العقوبات
سعت استراتيجية العقوبات الأميركية أوّلاً إلى تحويل الضغط الاقتصادي الأجنبي إلى اضطرابات سياسية داخلية، ممّا يجبر البلد المستهدف على الاستسلام السياسي. في الواقع، أدّت العقوبات إلى إفقار الإيرانيين العاديين من دون تغيير كبير في حسابات الحكومة. وبدلاً من الاستسلام، طوّرت إيران قدراتها النووية، وخطّطت بمهارة للتهرّب من العقوبات.
وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة، حافظت إيران على معدل نمو اقتصادي سنوي متواضع يبلغ 4% منذ عام 2020. ومع ذلك، فإنّ هذا النمو يخفي تحدّيات اقتصادية أكثر عمقاً.
تفضّل القيادة الإيرانية "المقاومة" على الاستسلام، وتعتبر أنّها يمكن أن تصمد إلى ما بعد العقوبات طالما لم تقدَّم لها فوائد حقيقية من الاتفاق. ولتغيير هذه الحسابات يجب على الولايات المتحدة تقديم مزايا اقتصادية تستهدف النخب والمواطنين الإيرانيين.
ومن خلال ربط الامتثال الدبلوماسي بوضوح بالتحسينات الاقتصادية الملموسة، يمكن بناء دوائر قواعد شعبية في كلا البلدين ملتزمة بالحفاظ على الاتفاق، بحسب ما خلصت إليه دراسة موجزة جديدة لـ "معهد كوينسي" بعنوان "الأبعاد الاقتصادية لاتفاق أفضل مع إيران".
المشاركة محفّز للتغيير
يعتقد عدد متزايد من النخب الإيرانية الآن أنّ إطلاق العنان للإمكانات الجيواقتصادية الإيرانية ومعالجة التحدّيات المتصاعدة يتوقّف على المشاركة الاقتصادية الأميركية، بينما يقاوم المتشدّدون المرتبطون بالجيش أيّ علاقات اقتصادية مع أميركا. مع ذلك، أقرّت معظم النخب على مضض بأنّه حتّى في ظلّ اتّفاق شبيه بخطّة العمل الشاملة المشتركة، تظلّ الشراكات مع الاقتصادات غير الأميركية هشّة في غياب المشاركة الأميركية.
فالمتشدّدون يدركون أنّ المزيد من الانفتاح من شأنه أن يقوّض قوة التكتلات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية والأساس المنطقي للعسكرة الاقتصادية، في وقت يعترف فيه المعتدلون بأنّ الاقتصاد الإيراني يتطلّب اتفاقاً دائماً يضمّ دوائر أميركية قوية لها مصالح خاصة في الحفاظ على تخفيف العقوبات.
إطار عمل مرن
الخطوة العملية يجب أن تطلق حواراً اقتصادياً موازياً للمفاوضات النووية، لاستكشاف خيارات فتح الأسواق الإيرانية الكبيرة أمام الشركات الأميركية بشكل انتقائي. حتّى من دون إلغاء قوانين العقوبات الأساسية بالكامل، يمكن للرئيس ترامب منح تراخيص لصادرات أميركية سنوية تصل قيمتها إلى 25 مليار دولار، وتمكين الشركات التابعة المملوكة للولايات المتحدة من الاستفادة من فرص استثمارية إيرانية غير مستغلّة تصل قيمتها إلى 4 تريليونات دولار بحلول عام 2040.
إنّ ترخيص صادرات أميركية تصل قيمتها إلى 25 مليار دولار سنوياً، وخاصة في قطاعات الطيران والزراعة والسيارات، من شأنه أن يوفّر ويدعم أكثر من 200 ألف وظيفة أميركية سنوياً. وإضافة إلى هذا الرقم، تحتاج إيران إلى استيراد معدات وآلات بقيمة 180 مليار دولار تقريباً لتجديد 30% فقط من قاعدتها الصناعية القديمة، ومن 50 إلى 60 مليار دولار لتوسيع وتطوير أنظمة نقل وتوزيع الكهرباء، و60 مليار دولار أخرى لتحديث وتوسيع شبكة السكك الحديدية. وإذا سمح بذلك، فيمكن الحصول على هذه الواردات بشكل رئيسي من السوق الأميركية.
يوفّر تسهيل هذه التبادلات حوافز دائمة لكلا الجانبين. يمكن أن تؤدي إعادة صفقات "بوينغ" إلى تنشيط مراكز التصنيع في واشنطن وساوث كارولينا. وعلى نحو مماثل، سيستفيد المزارعون الأميركيون، وخاصة في الغرب الأوسط، بشكل مباشر من زيادة الصادرات الزراعية إلى إيران، حيث يتمّ الاستيراد باستمرار من السلع الأساسية مثل فول الصويا والذرة بمليارات الدولارات.
وإلى جانب المزايا التجارية الفورية، يمكن لواشنطن أن تأذن بترخيص عامّ جديد، ممّا يوفّر نافذة مدتها خمس سنوات للشركات التابعة المملوكة للولايات المتحدة للعمل في القطاعات المحدّدة في إيران. مع أكبر سوق غير مستغلّة في الشرق الأوسط، من دون عقوبات، يمكن لإيران أن تضيف 600 مليار دولار إلى تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040. ويتطلّب تحقيق هذه الأهداف نحو 2.3 إلى 4 تريليونات دولار من رأس المال خلال السنوات الـ 15 المقبلة.
إنّ السماح بالاستثمارات الأميركية غير المباشرة، من دون إلغاء قوانين العقوبات الأساسية، يوفّر مساراً عملياً ومجدياً سياسياً لدمج الاقتصاد الإيراني في شبكة اقتصادية إقليمية أوسع. ونظراً لأنّ فترة الاسترداد لمعظم المشاريع الإيرانية ذات معدّل العائد المرتفع أقلّ من 5 سنوات، فإذا استمرّت الاستجابة، فيمكن تمديدها أو تطويرها إلى تخفيف دائم. فهذا يمنح الشركات الأميركية موطئ قدم مع الحفاظ على النفوذ.
إنّ إِشراك شركاء إقليميين، مثل السعودية وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة، في مشاريع مشتركة مع فروع أميركية، من شأنه أن يعزّز الفوائد الاقتصادية والجيوسياسية للاتفاق. ومن شأن هذا التعاون الاقتصادي الإقليمي أن يعزّز الاستقرار في منطقة الخليج، ويرفع التكاليف التي تتحمّلها إيران في حال انتهاكها شروط الالتزام، مما يعزّز بشكل كبير النفوذ الدبلوماسي.
يمكن أيضاً اعتماد آلية ديناميكية تسمح بتسريع انفتاح إيران الاقتصادي مع إظهار طهران امتثالاً وتعاوناً مستمرين. يتناقض هذا النهج القائم على الحوافز تناقضاً صارخاً مع العقوبات التفاعلية والعقابية التي اتّبعت في الاتفاقات السابقة، ممّا يخلق دورة إيجابية ومتوازنة بين الاستجابة والمكافأة.
إنّ ترسيخ الدبلوماسية النووية بالحوافز الاقتصادية يمنح صانعي السياسات الأميركيين فرصة لتحقيق أهداف أمنية عجزت عقود من الإكراه وحده عن تحقيقها. فعندها تربط المنافع الاقتصادية بالامتثال المتحقّق منه.
الآن، تواجه واشنطن خياراً بين مضاعفة الجهود في استراتيجية مدفوعة بالعقوبات ذات سجل حافل بالفشل، أو تبنّي سياسة أكثر ذكاء قائمة على الحوافز، تحقّق الأمن النووي والاستقرار الإقليمي والمكاسب الاقتصادية للعمال الأميركيين.
لقد حان الوقت للاعتراف بحدود الدبلوماسية المعتمدة على العقوبات فقط، وإعطاء الأولوية للمشاركة الاقتصادية كأساس لاستراتيجية أكثر فعّالية تجاه إيران لتحقيق الأمن الدائم والاستقرار السياسي.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.