"Responsible Statecraft": الحرب على الحرب في مؤتمري الحزبين الجمهوري والديمقراطي

تظهر في مؤتمري الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، إشارات واضحة إلى استعداد الأميركيين لتحديث السياسات الخارجية لبلادهم.

0:00
  • "Responsible Statecraft": الحرب على الحرب في مؤتمري الحزبين الجمهوري والديمقراطي

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب برانكو مارسيتي، يتحدث فيه عن استعداد المشاركين في مؤتمر الحزب الجمهوري والديمقراطي على حد سواء لتحديث السياسات الخارجية لبلادهم. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

في الولايات المتحدة الرازحة تحت استقطابات حادّة، يظهر أنه لا شيء يُمكن للمتشدّدين من الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي" الاتّفاق عليه، مع أنّه ظهرت أيضاً في مؤتمري الحزبين إشارات واضحة إلى استعداد الأميركيين لتحديث السياسات الخارجية لبلادهم، لو كانت أفكارهم مُتنوّعة حول ما ينبغي أن يكون عليه هذا التجديد إذا صحّ القول.

كذلك، عبر مُعظم المندوبين والمشاركين في مؤتمر الحزب الجمهوري على نحو مُتكرّر عن عدم رضاهم عن تورّط الولايات المتّحِدَةِ أكثر ممّا يجب في الخارج، وأنّ الكنز الذي يستثمر في الحروب الخارجية يجب إعادة استثماره في الداخل.

"لقد أصبحت أميركا مُرهقة للغاية. فنحن نُحاوِل أن نفعل الكثير في مختلف أنحاء العالم"، بحسب ما يقول مندوب ولاية ميشيغين عن ترامب وعضو نقابة عمال الصفائح المعدنية كين كريدر، ويوافقه زميله جيمس هوبر حول حماقة التدخّل الأجنبي، معتبرين أنّه "لا يُمكنك أن تتنبأ بما سيحدث عندما تتوغّل في الخارج بهذه الأساليب".

شاليرا تايلور جاكسون، وهي متطوّعة مُحبطة من حملة باراك أوباما ومندوبة بديلة من كليفلاند، قالت بشأن مشروع قانون المساعدات العسكرية الضخم الذي أقرّ في وقت سابق من هذا العام لأوكرانيا و"إسرائيل" وتايوان: "لقد أرسلوا 100 مليار دولار إلى هؤلاء، وكان الأحقّ أَن تمنح هذه الثروات الهائلة للشعب الأميركي في مختلف أنحاء الولايات".

الأمر نفسه كرّره أحد الحاضرين في المؤتمر، والذي كان قد صوّت أيضاً لأوباماً، قائلاً: "هناك قدر هائل من المال يُمنح للحكومات الأجنبية، من دون الاكتراث لرعايتنا الصحّية والتعويضات الاجتماعية وسواها ممّا يحتاجه الأميركيون أكثر من إرسال الأسلحة إلى الخارج".

النائبة مارغوري تايلور غرين من الحزب الجمهوري عن ولاية جورجي شكّكت في نظريّات المؤامرة التي لا أساس لها عن مُحاولة اغتيال دونالد ترامب، وأعربت أيضاً عن شكوكها بشأن التقارير التي تتحدّث عن مؤامرة إيرانية تستهدفه، وقالت: "هل هذا هو البلد التالي تُريد الدولة العميقة الأميركية قصفه؟ لن نقبل تفسير أسلحة الدمار الشامل التي قُدّمت لنا في الحرب على العراق".

وفي الأسبوع الفائت، توقّف السيناتور الجمهوري عن ولاية ويسكونسن رون جونسون في فعالية لجمعية صربية أميركية مُؤيّدة لترامب، إذ تلقّى اِستقبالاً طيباً لرسالته المناهضة للحرب والتورّط بالتدخّل بشؤون الدول الأخرى و"شيطنة" الأجانب. وحثّ جونسون الجمهور على قراءة خطاب الوداع الشهير للرئيس دوايت أيزنهاور، الذي دان فيه المجمع الصناعي العسكري المتنامي. وقال ساشا جوفيسيك، مُنظّم الفعالية، إنّ "مثل هذه الكلمات تلاقي صدى لدى الحشد الصربي الأميركي، لأنّ التجنيد الإجباري قتل العديد من الرجال في التاريخ".

في مؤتمر الديمقراطيين، تماسكت التوجّهات المناهضة للتدخّل الخارجي المتهوّر والخطر على الولايات المتّحدة، مثل جريمة ترامب باغتيال الجنرال قاسم سليماني، وانسحاب الرئيس جو بايدن من أفغانستان. والآن، تحظى "إسرائيل" في حربها على المدنيين في غزّة بدعم أميركي واسع النطاق وحماسي، مع انتشار راية الاحتلال الإسرائيلية في جميع أنحاء المؤتمر.

كذلك، أعرب كثر من قواعد الجمهوريين عن آراء إيجابية حول ضرورة التفاوض مع الدول المختلف معها. يقول دون هاميل من دالاس وهو متزوّج من أوكرانية: "يجب أن تتحدّث مع خصومنا وأعدائنا". وحين سئل عن رأيه باحتمال اضطرار أوكرانيا إلى التنازل عن الأراضي كجزء من اتفاق سلام، قال: "هذا الأمر تقرّره كييف وموسكو، وهم أحرار في ذلك".

كان المشهد مختلفاً في مؤتمر الحزب الديمقراطي، حيث الحماسة أقلّ بكثير لحرب "إسرائيل" على الفلسطينيين، لكنّ الالتزام بحرب أوكرانيا كان صارماً، مع تعزيز فكرة أنّ ترامب مدين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والقلق من أنّ فوزه يعني تسليم أوكرانيا لروسيا. يقول مندوب ولاية ميشيغين باري ليبلر إنّ بوتين كان عازماً على إعادة تشكيل الاتحاد السوفياتي، وكان العالم في لحظة أشبه بالحرب العالمية الثانية، ولا يمكن لنا ولحلفائنا الصمت.

مقدّم البرامج الحوارية الإذاعية جويل هايتكامب ظهر في وقت سابق في حلقة نقاشية مُخصّصة لعودة الشريحة الاجتماعية الريفية إلى دائرة الاهتمام، لأنّها مُستاءة بسبب سيل المساعدات المالية الأميركية للخارج بدل استثمارها في الوطن. مع ذلك، اعتبر هايتكامب أنّ مُعارضة البعض لمساعدة أوكرانيا ليس عن قناعة بقدر ما هو نتيجة للخطاب التحريضي لترامب، وليس العكس.

كلّ هذا اتّسق مع خطابات الديمقراطيين في مؤتمرهم، الميّالة إلى التأكيد على شعارات ومبادئ بايدن في السياسة الخارجية خلال فترته الرئاسية التي شارفت على الأفول. وقد أصبحت الآن خطاباً ديمقراطياً مألوفاً يتلخّص في الحماسة لحلف شمال الأطلسي، والالتزام بأوكرانيا، والسياسة الخارجية القائمة على فكرة الدفاع عن الديمقراطية، وهم يلوحون في الساحة المكتظّة بالأعلام الأميركية. وقد غنّوا بسرور أغنية بروس سبرينغستين "وُلد في الولايات المتّحِدة"، لكنّهم تجاهلوا مغزى الأنشودة الشهيرة المناهضة للحرب.

وقد بلغ هذا ذروته مع خطاب نائبة الرئيس كامالا هاريس في ختام المؤتمر، إذ تعهّدت "بضمان امتلاك أميركا أقوى قُوّة قتالية وأكثرها فتكاً في العالم بشكل دائم"، ووعدت باتّخاذ أيّ إجراء ضروري ضدّ إيران، وأكّدت أنّها ستقف بقوّة مع أوكرانيا والحلفاء في الناتو، وبالطبع "سنقف دائماً من أجل حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، فيما أعربت عن تعاطفها مع معاناة سُكّان غزّة، لكنّها تجاهلت أيضاً أنّ المأساة الفلسطينية المستمرّة نتيجة للاحتلال الإسرائيلي لا العكس.

وشهد المؤتمر الديمقراطي قفزة كبيرة في التراجع عن إدانة توجّهات بايدن نحو "الحروب الأبدية" خلال فترته الرئاسية، وعن صياغة سياسات جديدة تُعنى بالطبقة الأميركية الوسطى، لكن هذا لا يعني أنّه لم تكن هناك أي علامات على التغيير. وكانت الحرب على الفلسطينيين في غزّة أكبر القضايا الجدلية في مُؤتمر الحزب الديمقراطي، إذ يتمحور الخلاف حول سياسة إدارة بايدن في الدعم غير المشروط لـ"إسرائيل" لتنفيذ ما تطلق عليه مجموعة متزايدة من الخبراء والمراقبين المطّلعين أنّه إبادة جماعية لا لبس فيها.

نحو أكثر من 30 مندوباً في المؤتمر المذكور جهدوا لإقناع زملائهم بضرورة إنهاء عمليات نقل الأسلحة الأميركية إلى "إسرائيل" وإيقاف الحرب. وقد حظي هؤلاء بدعم واسع النطاق داخل مؤسّسة الحزب. وقد صرّح ناشطون مُؤيّدون للفلسطينيين، وحتّى مُحتجّون مُناهضون للحرب باستمرار، أنّهم تلقّوا استقبالاً وديّاً من مندوبي هاريس وغيرهم من الحاضرين، وكثيراً ما حصلوا على كلمات دعم صريحة لمواصلة الضغط، ونجحوا بسهولة أخاذة في حمل 300 مندوب عن هاريس على التوقيع على عريضة تدعو إلى فرض حظر على الأسلحة المرسلة للاحتلال.

وكانت الإشارة إلى طلب وقف إطلاق النار من أكثر العبارات التي نالت تصفيق الحضور في الحدث، إذ حظي بيان هاريس المؤيد للفلسطينيين بتصفيق حارّ. كلّ هذا من شأنه أن يُوضح بشكل لا لبس فيه لكلّ من الساسة الديمقراطيين وغيرهم الجدية في مطلب إنهاء العدوان على غزّة.

يقول مندوب ولاية فلوريدا ويليام أريستيد إنّ "إسرائيل" شريكتنا، ولكنّها قتلت 40 ألف ضحية في غزّة، مُعظمهم من الأطفال، لم يفعلوا أي شيء ليستحقّوا ذلك، متسائلاً عن "ازدواجية المعايير بين حرب أوكرانيا والحرب على غزّة"، مؤكداً الحاجة إلى قطع إمداد "إسرائيل" بالسلاح والمال.

نقله إلى العربية: حسين قطايا

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.