"المونيتور": تصادم حقيقي.. "إسرائيل" غاضبة من سيطرة واشنطن على سياستها
يشعر المسؤولون الإسرائيليون الحاليون والسابقون بالغضب إزاء الضغوط الشديدة التي تمارسها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في غزة "مهما كان الثمن"، ويخشون أنّ الأسوأ لم يأت بعد.
-
"المونيتور": تصادم حقيقي.. "إسرائيل" غاضبة من سيطرة واشنطن على سياستها
موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يتناول التصاعد غير المسبوق في التوتر بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" على خلفية الضغوط الأميركية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس والمضي في خطة ترامب لإنهاء الحرب وإعادة إعمار غزة.
يعكس النص مرحلة من التوتر والانقسام بين الحليفين التقليديين، حيث تجد حكومة نتنياهو نفسها محاصَرة بين المطالب الأميركية الصارمة والضغوط الداخلية الإسرائيلية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
إنّ الضغط الشديد الذي تمارسه الولايات المتحدة على "إسرائيل" للالتزام بشروط وقف إطلاق النار الأخير مع حماس والمضي قدماً إلى المرحلة التالية من الخطة، يؤدي إلى وصول العلاقات بين البلدين إلى درجة الغليان. وشهد الأسبوع الماضي زيارتين متتاليتين إلى "إسرائيل" من قبل نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو، إلى جانب زيارات صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف.
وشهد هذا الأسبوع أيضاً الكشف عن مركز قيادة عسكري متعدد الجنسيات تديره الولايات المتحدة في مدينة كريات جات جنوب "إسرائيل"، للإشراف على تنفيذ الخطة التي أعلنها ترامب لإنهاء الحرب بين "إسرائيل" وحماس التي استمرت عامين وإعادة إعمار غزة. وأظهرت لقطات إخبارية تلفزيونية إسرائيلية في الأيام الأخيرة جنوداً أميركيين يتجوّلون في المدينة.
ووصف دبلوماسي إسرائيلي كبير، أدّى دوراً محورياً على مرّ السنين في إدارة العلاقات الأميركية الإسرائيلية، هذه التطوّرات بأنها غير مسبوقة. وقال لـ"المونيتور"، متحدّثاً شريطة عدم الكشف عن هويته، في إشارة إلى الزعيم الإسرائيلي المتشدّد الراحل: "لا أستطيع أن أتخيّل رئيس وزراء كأرييل شارون، على سبيل المثال، يوافق على سيطرة أميركا على السياسة الإسرائيلية، كما يحدث الآن".
وأضاف أنّ الزيارات رفيعة المستوى من قبل المسؤولين الأميركيين والتوبيخ العلني لـ "إسرائيل" من قبل ترامب وفانس وروبيو، دلّت على انعدام الثقة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته. وقال: "الخطوة الأخطر هي المقرّ العسكري الذي أنشأه الأميركيون في كريات جات".
إهانات متبادلة
صرّح مسؤول دفاعي إسرائيلي كبير لموقع "المونيتور" شريطة عدم الكشف عن هويته: "هذا مسار تصادم حقيقي. تُعتبر إسرائيل عائقاً أمام استمرار تنفيذ خطة ترامب".
التقى فانس هذا الأسبوع في مقرّ وزارة الدفاع في "تل أبيب" برئيس الأركان الفريق إيال زامير، ووزير الدفاع إسرائيل كاتس، ومدير المخابرات العسكرية اللواء شلومي بيندر، وآخرين، الذين وصفوا العقبات التي تواجه المرحلة الثانية من الخطة التي توسّطت فيها الولايات المتحدة، والتي تدعو إلى نزع سلاح حماس وانسحاب "إسرائيل" من معظم غزة. وتلقّى فانس معلومات استخباراتية تشير إلى أنّ حماس تحاول إعادة بسط سيطرتها على غزة ولا تنوي نزع سلاحها.
وقال المسؤول الدفاعي الإسرائيلي الكبير: "لم يرق لنائب الرئيس سماع ذلك إطلاقاً، وأعتقد أنّ ترامب سيتقبّله أكثر". وأضاف: "هذا مستوى تاريخي من التدهور في العلاقات الوثيقة جداً، ولكن المعقّدة أيضاً، بين إسرائيل وإدارة ترامب، ويبدو لي أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد". استاء فانس وترامب وروبيو أيضاً من تصويت أولي غير ملزم في الكنيست يوم الأربعاء، بالموافقة على تطبيق السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية. وأكد نتنياهو لفانس، في تصريح خاص وعلني، أنّ حزبه الليكود لا يدعم تصويت حلفائه المتشدّدين، وأدان الخطوة ووصفها بأنها "حيلة سياسية" تهدف إلى إحراجه. لم يهدأ فانس.
قال فانس للصحافيين قبل صعوده إلى طائرة الرئاسة الثانية: "إذا كانت حيلة سياسية، فقد كانت حيلة سياسية غبية للغاية، وأنا شخصياً أتقبّل بعض الإهانة". وأضاف: "لن تضمّ إسرائيل الضفة الغربية. ستظل هذه سياستنا. إذا أراد الناس التصويت رمزياً، فيمكنهم ذلك. لكننا بالتأكيد لم نكن سعداء بذلك".
في مقابلة مع مجلة تايم نُشرت يوم الخميس، رفض ترامب أيضاً التصويت على الضمّ المقترح. وقال: "لن يحدث ذلك لأنني وعدت الدول العربية. لن يحدث. ستفقد إسرائيل كلّ دعم الولايات المتحدة لها إذا حدث ذلك".
كما طالب كبار مسؤولي إدارة ترامب خلال زياراتهم "إسرائيل" بإخطار واشنطن مسبقاً بأيّ ضربات على أهداف في غزة تنحرف عن وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ قبل أسبوعين تقريباً.
وقال مصدر أمني إسرائيلي لموقع المونيتور، شريطة عدم الكشف عن هويته: "هذا أيضاً أمر غير مسبوق. لم نعد نملك سلطة تقديرية للتصرّف، ولم تعد لدينا حرية التصرّف. لقد تولّوا مسؤولية الحدث، وهم يديرونه بمفردهم".
هذه ليست المرة الأولى التي ترسل فيها الولايات المتحدة مسؤولين كباراً للتدخّل في سياسات نتنياهو. فقد أرسلت إدارة باراك أوباما كبار المسؤولين من البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية إلى "إسرائيل" قبل 13 و14 عاماً لضمان عدم تنفيذ "إسرائيل" خططاً لمهاجمة البنية التحتية النووية العسكرية الإيرانية.
لم يكن فانس أول نائب رئيس يُحرج من خطوة إسرائيلية مثيرة للجدل خلال زيارته لـ "إسرائيل". ففي آذار/مارس 2010، وبينما كان نائب الرئيس جو بايدن في طريقه إلى عشاء احتفالي مع نتنياهو، أعلنت السلطات الإسرائيلية موافقتها على بناء 1600 وحدة سكنية في حي رامات شلومو بالقدس الشرقية، في تحدٍّ لسياسة إدارة أوباما بشأن السيطرة الإسرائيلية على القدس الشرقية. فكّر بايدن في اختصار زيارته، ووصفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون القرار بأنه "إهانة".
خلاف حول البرغوثي
في حين مارست الإدارات الأميركية السابقة ضغوطاً على الحكومات الإسرائيلية للتأثير على سياساتها، فإنّ الطبيعة العلنية والمفصّلة لانخراط إدارة ترامب تُثير حفيظة المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين.
وقال كبير الدبلوماسيين الإسرائيليين: "إنّ وصف ويتكوف وكوشنر في برنامج "60 دقيقة" لكيفية فرض الاتفاق على نتنياهو - متبوعاً بمقابلة ترامب مع مجلة تايم، التي يتباهى فيها بكلّ هذا ويطالب أيضاً بالإفراج عن مروان البرغوثي - أمرٌ مذهلٌ للغاية".
يقضي البرغوثي، وهو زعيم فلسطيني شعبي يُروّج له الكثيرون كزعيمٍ مُوحِّدٍ محتمل، عدة أحكام بالسجن المؤبّد في سجن إسرائيلي بتهم الإرهاب. وصرّح ترامب لمجلة تايم بأنه يُفكّر في مطالبة "إسرائيل" بالإفراج عنه، وهو ما رفضته "إسرائيل".
وفي اجتماعٍ لمجلس الوزراء الأمني المصغّر لنتنياهو هذا الأسبوع، أدان المشاركون تدخّل ترامب المزعوم نيابةً عن البرغوثي. "أشكّ في أنّ ترامب يعرف حتى من هو البرغوثي"، هذا ما سعى إليه مبعوث نتنياهو، رون ديرمر، لطمأنة المشاركين في الاجتماع، حسبما ذكرت القناة 14.
وأشار أحد المقرّبين من نتنياهو، في حديثه إلى المونيتور، إلى أنّ فكرة ترامب للضغط من أجل إطلاق سراح البرغوثي تأتي في أعقاب مناشدته للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في خطابه أمام الكنيست في 13 تشرين الأول/أكتوبر منح نتنياهو عفواً في قضية الفساد المرفوعة ضده. وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "ترامب عازم على إنهاء الحرب في غزة، مهما كان الثمن، ولا يمكن لنتنياهو معارضته كما فعل مع الرؤساء الأميركيين السابقين".
واتفق كبير الدبلوماسيين الإسرائيليين على أنّ نتنياهو عالق بين المطرقة والسندان، غير قادر على مقاومة الضغوط الأميركية. لا شك أنّ إدارة ترامب متعاطفة للغاية مع "إسرائيل" في مجالات عديدة، كما أقرّ كبير الدبلوماسيين الإسرائيليين، لكنه أضاف: "إلى جانب هذه الحوافز، هناك أيضاً عائق كبير. لقد سيطرت [إدارة ترامب] على زمام الأمور. فهم يحضرون اجتماعات مجلس الوزراء، ويجتمعون بشكل دوري مع كبار المسؤولين العسكريين والدفاعيين. يطالبون، ويقرّرون، ويُملون، ولا يحاولون إخفاء ذلك".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.