"Responsible Statecraft": اليابان المحرقة النووية الوحيدة خلال 80 عاماً
في ذكرى هيروشيما وناغازاكي، سألنا 17 خبيراً: هل "الردع" هو الإرث الحقيقي؟
-
"Responsible Statecraft": اليابان المحرقة النووية الوحيدة خلال 80 عاماً
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول الذكرى السنوية الـ80 لإلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي، ويستعرض تطوّر الحقبة النووية منذ ذلك الحدث المروّع حتى اليوم، من خلال تحليل معمّق لتأثير الردع النووي على العلاقات بين القوى العظمى، ومدى استمراريته وفعاليته، خاصة في ظلّ عالم يشهد تصاعداً في الانتشار النووي وعودة التوتّرات بين الدول الكبرى.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في مثل هذا اليوم قبل 80 عاماً في 16 آب/أغسطس قصفت الولايات المتحدة الأميركية بسلاح أطلق عليه اسم "الصبي الصغير" على مدينة هيروشيما اليابانية، أسفرت عن مصرع نحو 66 ألف ضحية فوراً ونحو 100 ألف آخرين في وقت لاحق معظمهم من السكّان المدنيين.
وبعد 3 أيّام، ألقت الولايات المتحدة قنبلة نووية أخرى باسم "الرجل السمين" على مدينة ناغازاكي اليابانية، قتلت أكثر من 80 ألف ضحية بحلول نهاية العام 1945. وعلى إثرها استسلمت اليابان في أيلول/سبتمبر وحصدت الولايات المتحدة وحلفاؤها النصر في الحرب بالمحيط الهادئ في النهاية.
خلال الـ 80 سنة الماضية استطاعت 9 دول امتلاك ترسانات من الأسلحة النووية، وفقاً لاتحاد العلماء الأميركيين الذي يقدّر العدد الإجمالي للرؤوس النووية الموجودة في العالم بحوالي 12,331 رأساً نووياً بينها 9600 نشطة. وتعد روسيا والولايات المتحدة الأميركية الأكثر امتلاكاً لهذه القنابل، حيث تمتلك روسيا 5,449 رأساً، بينما تمتلك الولايات المتحدة 5,277 رأساً، وذلك حتى عام 2023.
على الرغم من المخاوف التي تشير إلى عكس ذلك، لم تستخدم أيّ أسلحة نووية في النزاعات منذ أن دمرت قنبلتا "ليتل بوي" و"فات مان" مدينتين يابانيتين قبل 80 عاماً من هذا الأسبوع. حدث ذلك رغم أنّ الحرب الباردة بعدها استمرت طوال تلك العقود بين أعظم قوتين في العالم آنذاك الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي.
ما الدرس الأساسي الذي ينبغي أن نستخلصه من هذه الحقيقة في تاريخنا الجيوسياسي، وهل يعني ذلك أنّ الردع النووي بين القوى العظمى يعمل فعلاً. طرحنا هذا السؤال على مجموعة واسعة من المؤرخين، وعلماء السياسة، وناشطين مناهضين للأسلحة النووية، وصحافيين، خاصة فيما يتعلق بتزايد المخاوف من صراع القوى العظمى وما يبدو أنّه عصر جديد من الانتشار النووي حالياً.
يقول الشريك المؤسس لمعهد كوينسي آندي باسيفيتش، يفترض الردع النووي وجود العقلانية. وهو يتطلب من الأطراف جميعها التي تمتلك "السلاح النووي" أن تدرك أنّها تتقاسم مصلحة مشتركة في الاستمرار في عدم استخدامه. مثال، الحالة الأميركية، هل يمكن التأكّد اليوم من أن القرارات في واشنطن نابعة من حساب عقلاني للمصالح والآثار المحتملة للأفعال، أم أنّ الدوافع والأيديولوجيا، والأحقاد، والحاجة إلى تصفية الحسابات هي التي تشكل النهج.
رغم جميع عيوبها فقد أظهرت المؤسسة التقليدية للسياسة الخارجية، التي أصبحت الآن في محل نقد مستحق، مستوى مطمئناً من الحذر فيما يتعلق بالقضايا النووية، على الأقل بعد أن أرعبت أزمة الصواريخ الكوبية الجميع.
وبالنظر إلى الماضي، يمكن رؤية أن المواجهة مع شبح الكارثة في العام 1962 كان لها أثر تعليمي مفيد، خاصة في واشنطن وموسكو. وإذا كان دونالد ترامب وفريقه يؤيدان أو حتى يفهمان الدروس المستفادة من ذلك، فهذا ما يزال غير واضح.
يرى جيمس كاردن، محرر مجلة "ذا رياليست ريفيو"، تعد الأساطير شريان الحياة للمؤسسة الأمنية الأميركية، وما تزال فعالية الأسلحة النووية بعد 80 عاماً أكثر الأساطير تجذراً، فالكثيرون يجادلون بأنّ قرار الرئيس ترومان باستخدامها أنهى الحرب إلّا أنّ ذلك لم يحدث فعلياً.
فلقد كانت اليابان تسعى للاستسلام قبل 6 آب/أغسطس عام 1945 بفترة طويلة. ويقول "مسح القصف الاستراتيجي الأميركي" إنّ الحرب كانت ستنتهي في موعد أقصاه الأول من تشرين الثاني/نوفمبر حتى في غياب غزو أميركي للجزر الرئيسية.
أسطورة أخرى هي أنّ الردع النووي "ينجح" إلى أن يتوقف عن ذلك. ماذا عن الردع ضدّ الهجمات التقليدية، فلقد كنت في مانهاتن قبل خمسة وعشرين عاماً عندما اصطدمت الطائرات بمركز التجارة العالمي. روسيا، التي تمتلك أكبر ترسانة نووية استراتيجية وتكتيكية، وجدت أنّ أسلحتها لم تردع الهجمات على قواعدها العسكرية وبنيتها التحتية. كما تعرضت "إسرائيل" المسلحة نووياً لهجوم على أراضيها في أكتوبر عام 2023. تشكل الأسلحة النووية تهديداً غير مقبول على البيئة البشرية، والأمن العالمي، والحضارة نفسها. فلننهِ التعامل معها.
يقول الباحث براندان كار، لقد أدّى قصف هيروشيما وناكازاكي إلى ظهور العصر النووي، وأنهى صراعاً اعتمد بشكل أساسي على التدمير الشامل على نطاق واسع. ولعلّ أبرز سمات العصر النووي وتجنب استخدامه في أي حرب تقليدية أخرى بين القوى العظمى. وفي الواقع فرضت نهاية الحرب العالمية الثانية فراغاً في القوة سرعان ما ملأه التنافس ثنائي القطب الشرس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، والذي كان عالمي النطاق تماماً مثل الحرب التي سبقته.
وفي مراحل كثيرة خلال الحرب الباردة وما بعدها، اقترب العالم بشدة من استخدام الأسلحة النووية، وهو ما لم تتجنبه البشرية إلا بشق الأنفس. ومع أنّ وجود الأسلحة النووية لم يلغِ مصادر التنافس الأمني، إلا أنه خففه أحياناً، موفراً نوعاً من "سقف" للتصعيد. والحرب في أوكرانيا مثال واضح على ذلك، فخلالها خاصة في بدايتها، كان صناع القرار في روسيا والولايات المتحدة على دراية واضحة بمخاطر وعواقب التصعيد النووي، وعملوا جاهدين لتجنب تلك النتيجة المحتملة.
وليس من الواضح تماماً إذا ما كان ذلك يعني أنّ الردع النووي "ناجح وسيستمر"، وهو سؤال بإجابة قابلة للتغيير في أي وقت. ومع ذلك، من الصعب عموماً القول إنّ وجود الأسلحة النووية ليس العامل الرئيسي الذي ساهم في هذا السلام النسبي بين القوى العظمى لما يقرب من 80 عاماً، مع أنه سلام ليس خالياً من العيوب، ولكنه مع ذلك يتفوق على السلام الذي سبقه.
مديرة حملة القضايا النووية في منظمة "رووتس أكشن" إيما كلير فولي تقول، تكويني الأكاديمي وخبرتي يعلمانني أنّ 8 عقود من دون حرب نووية قد أثبتت أنّ هذه الأسلحة مصدر للاستقرار، وليست عبئاً ثقيلاً، تطرح باستمرار كمبرر لما يبدو أنّه إجماع قوي بين الحزبين في الولايات المتحدة على ضرورة استمرار الأسلحة النووية إلى أجل غير مسمى، وأنّها يجب أن تشعرنا بمزيد من الأمان لا أقل.
إنّ دراسة هذه المسألة، انطلاقاً من النزاهة الفكرية والتأمل الجاد في رهاناتها، ستقرّ بما نواجه كدولة وعالم، إذا ما أظهرت دراسة الحالة التي نعيشها جميعاً أنّ عالماً توجد فيه الأسلحة النووية وترغب دوله في استخدامها سيشهد في الواقع حرباً نووية أكثر من عالم لا توجد فيه. 80 عاماً وفقاً لمعايير التاريخ البشري المسجل وعمرنا الأطول بكثير على الأرض ليست وقتاً طويلاً مطلقاً.
جون ألين جاي المدير التنفيذي لجمعية "جون كوينسي آدامز" يقول، لقد نجحت سياسة الردع النووي حتّى الآن. لا يمكننا معرفة احتمالية نشوب حرب نووية؛ ومن المفترض أنّها ضئيلة لكنّها ليست معدومة. نحن نعرف تكاليف الحرب النووية الكارثية. فإنّ وجود خطر ضئيل لكنه غير معدوم لوقوع كارثة يستحق كامل اهتمامنا.
ويقوم العديد من العاملين في مجال السياسات النووية بعمل حيوي في قضايا وضعية القوة والعقيدة النووية. ومع ذلك، ليست هذه مهمة للخبراء النوويين فقط. فالاستراتيجية الكبرى تؤثر أيضاً في مستوى المخاطر النووية. فإضافة حلفاء جدد تعني توسيع عدد الأماكن التي نكون على استعداد للمخاطرة بحرب نووية من أجلها. أمّا الحفاظ على التحالفات الحالية فيعني قبول المخاطر النووية المرتبطة بهذه التحالفات. والدخول في مواجهات، سواء عسكرية أم سياسية، مع قوى نووية أخرى، يؤدّي إلى زيادة المخاطر النووية مع تلك الأطراف. وإذا تحوّلت هذه المخاطر إلى حرب نووية، فقد يندم أحفادنا على التزاماتنا غير المدروسة، هذا إن تبقّى لنا أحفاد أصلاً.
يقول الباحث لايل غولدشتاين في "معهد واتسون"، بكلّ تأكيد ساهمت الأسلحة النووية في استقرار العلاقات بين القوى العظمى في العالم الحديث. وفي الوقت الحالي، أصبح احتمال نشوب صراع بين القوى العظمى أمراً يكاد يكون غير متوقع. وتعد حرب روسيا وأوكرانيا مثالاً واضحاً على هذه الظاهرة الجديدة. ففي غياب الأسلحة النووية، من المرجح أنّ الولايات المتحدة كانت ستتدخل بشكل مباشر. ومع ذلك، ليس كل شيء على ما يرام، إذ يوجد العديد من الاتجاهات الخطيرة السائدة في عالم اليوم. فالأيديولوجيا، والعسكرة، والسعي الوهمي لتحقيق "التفوق الاستراتيجي كلها تؤدّي دوراً في تقويض العلاقات السلمية بين القوى الكبرى.
ومع ذلك، فإنّ المشكلة الأكبر في تحقيق "السلام النووي تكمن في فشل العديد من خبراء السياسة الخارجية في قبول المبدأ الأساسي لـ"مناطق النفوذ"، وكيف أنّ هذا المبدأ الطبيعي في السياسة العالمية يتوافق مع وجود ترسانات نووية كبرى. بعبارة أخرى، إذا قبلت واشنطن ببساطة أنّ القوى النووية الكبرى الأخرى لديها مناطق نفوذ خاصة بها لا يجوز المساس بها، فإنّ التوترات العالمية، بما في ذلك التوترات النووية، ستنخفض بشكل كبير.
الباحث ويليام هارتونغ يقول، إنّ الفكرة القائلة بأن امتلاك القوى الكبرى للأسلحة النووية قد حافظ على السلام خلال الـ80 عاماً الماضية هي فكرة مطمئنة. لكنها أيضاً خاطئة تماماً. قد تكون الترسانات النووية قد خفّضت من احتمالية وقوع صراع مباشر بين القوى الكبرى، لكنّها في الوقت نفسه عملت كدرع مكّن هذه القوى من التدخل في الجنوب العالمي وعلى حدودها نفسها من دون مساءلة تذكر.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّ الداعمين للأسلحة النووية يسعون الآن إلى تعريف "الردع" بأكثر المصطلحات عدوانية ممكنة. واحتفاظ القوى النووية بأصغر ترسانة ممكنة لردع الخصم عن مهاجمتها أمر مختلف عن تطوير أجيال جديدة من الأسلحة النووية والتراجع عن التدابير التي تهدف إلى تقليل مخاطرها باسم الردع وهو أمر آخر تماماً. والطريقة الوحيدة التي سنكون فيها في مأمن تام من تبادل نووي هي التخلص من هذه الأسلحة بشكل كامل.
يقول الباحث ستيفن كينزر، بعد أن أجرت الهند بنجاح تجارب نووية في عام 1998، أرسلتني صحيفة "نيويورك تايمز" إلى باكستان لانتظار ردّها، بينما العديد من الباكستانيين الذين التقيتهم طرحوا السؤال الواضح، "لماذا ليس نحن"، وبعد أقل من أسبوعين أجرت باكستان تجربتها النووية الخاصة
اليوم يُطرح هذا السؤال في أكثر من دولة. فالقوى المتوسطة ترى الأسلحة النووية بالطريقة نفسها التي رأتها القوى العظمى خلال الحرب الباردة كوسيلة للردع. وخلال قصف العراق وليبيا ومؤخراً إيران، مع ترك كوريا الشمالية من دون تدخل، أرسلت الولايات المتحدة رسالة واضحة، بأنّ الأسلحة النووية توفر لك الحماية، وعدم امتلاكها يجعلك عرضة للخطر.
إنّ الممارسة الجيوسياسية الحديثة تجعل انتشار الأسلحة النووية أمراً حتمياً. وعلينا أن نواجه ذلك بالطريقة نفسها التي يجب أن نواجه بها تغير المناخ، من خلال الاستعداد للتكيّف مع عالم جديد، وليس عبر التظاهر بأنّه لن يأتي.
تقول الناشطة والباحثة سينثيا لازاروف، بينما نحيي الذكرى الـ80 للقصف النووي على هيروشيما وناكازاكي، حان الوقت لتبديد الأسطورة القائلة بأنّنا نستطيع الاعتماد على الردع لمنع نشوب حرب نووية. كما أنّ المفهوم الذي يفترض أنّ القوى الكبرى ستمتنع عن بدء حرب نووية بسبب تهديد الانتقام والفناء المتبادل هو مفهوم معيب من الأساس.
يتجاهل الردع آلاف السنين من السلوك البشري، ويستند إلى افتراض ساذج بأنّ القادة سيتصرّفون بعقلانية وسيقاومون إغراء الضغط على الزرّ أولاً، حتّى في لحظات الأزمات القصوى وضبابية الحرب. كما أنّ الردع لا يعالج أخطار التصعيد غير المقصود والحرب النووية العرضية، بما في ذلك الخطأ، وسوء التقدير، والخلل، والإنذار الكاذب. لقد شهدنا بالفعل العديد من الإنذارات الكاذبة ونجونا بصعوبة من كارثة شاملة. السبيل الوحيد لتجنّب الحرب النووية هو القضاء على الأسلحة النووية قبل أن تقضي علينا، ومعاهدة حظر الأسلحة التاريخية تقدم لناً مساراً ملهماً للمضي قدماً.
منسّقة برامج الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية سوزي سنايدر تقول، أولاً، لقد وقع أكثر من 2000 تفجير نووي منذ أول تفجير في نيو مكسيكو قبل 80 عاماً، بينما لم تحدث حرب نووية أخرى منذ أن قصفت الولايات المتحدة هيروشيما وناغازاكي في عام 1945، وقد تضرّر الآلاف من الناس من اختبارات التفجيرات النووية من دون حرب.
ثانياً، الردع النووي خدعة. لا يوجد دليل على أنّ الأسلحة النووية تردع الحروب إلا ارتباط وجودها بعدم استخدامها في الحروب منذ هيروشيما وناغازاكي. يمكن إرجاع غياب الصراع المباشر بين القوى العظمى إلى عشرات العوامل الأخرى، بدءا من الاقتصادات المتكاملة وصولاً إلى وجود الأمم المتحدة. لا يوجد دليل على فعالية الردع النووي، بل إنّ فشله سيؤدّي إلى عواقب وخيمة ومتراكمة.
أخيراً، ليس من الطبيعي أن تدعي 9 دول حقّها في إلحاق أضرار كارثية بكلّ كائن حي على الأرض في أيّ لحظة. فمبدأ الردع النووي صارم للغاية. فهو يتطلب الاستعداد الدائم لاستخدام الأسلحة النووية، ما يلحق أضراراً عشوائية، بما في ذلك إلحاق الضرر بالأشخاص والدول التي لا علاقة لها بالصراع. ولحسن الحظّ، رفض نصف الدول قانونياً شرعية هذا المفهوم من خلال معاهدة الأمم المتحدة لحظر الأسلحة النووية.
يعتبر الباحث مايكل سوين أنّ القتل الجماعي الذي ارتكبته الولايات المتحدة لعشرات الآلاف من المدنيين باستخدام سلاح نووي لتقليل عدد الضحايا بين الجنود الأميركيين عملاً غير أخلاقي في جوهره. ويفترض أنّه استند إلى فكرة أنّ المدنيين اليابانيين من الأعمار جميعها سيقاتلون الجنود الأميركيين، ومن ثم يعتبرون "مقاتلين" بمعنى ما، وأنّ مثل هذا الهجوم المروع وحده كفيلٌ بإقناع اليابانيين بالاستسلام من دون قيد أو شرط. الافتراضان مثيران للجدل بشدة، مع أنّه لا شيء من هذا يقلل من بشاعة الحكومتين اليابانية والألمانية الفاشية اللتين بدأتا حرباً عالمية. لكنها تُشير إلى مسؤولية الدول المُقاتلة في تجنب الخسائر المدنية، لا زيادتها عمداً إلى حد بعيد.
يختم الباحث جيك فيرنر بالقول، بقدر ما حافظ الردع النووي على السلام بين القوى العظمى خلال الحرب الباردة إلى اعتبار أنّ الحروب بالوكالة أودت بحياة عشرات الملايين من البشر. فقد استند إلى أساسٍ محكم من الرقابة البيروقراطية داخل القوى النووية، وهياكل دبلوماسية متينة فيما بينها لتعزيز ضبط الأسلحة ومراقبتها. لم ينجح الردع النووي من خلال الخوف المباشر، بل من خلال جهاز معقد أدار الخوف وطمأن الأطراف جميعها.
بعد الحرب الباردة، اصطفت القوى العظمى وراء العولمة التي يقودها السوق، وتمتعت بالسلام من دون بذل جهود مكثفة. لكن هذه العملية نفسها أدت إلى تآكل مطرد في جميع أنواع التنظيم البيروقراطي، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة النووية. مع نهاية اتفاق القوى العظمى وتوجه النظام العالمي نحو الاستغلال العلني، نواجه حقبة جديدة من الصراعات الدولية المتفجرة، من دون ضمانات بيروقراطية ولا مصالح سوقية لتقييدها. إذا استمرّ العداء في التصاعد، فسيكون استخدام الأسلحة النووية محل دراسة جدية.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.