"Responsible Statecraft": شبح حرب العراق لا يزال يطارد الجنود والسياسة الخارجية الأميركية

شبح الحرب على العراق لا يزال يطارد الجنود والسياسة الخارجية الأميركية، فلماذا لا تزال قواتنا موجودة هناك حتى يومنا هذا؟

0:00
  • "Responsible Statecraft": شبح حرب العراق لا يزال يطارد الجنود والسياسة الخارجية الأميركية

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً كتبه جندي أميركي سابق شارك في الحرب على العراق. يروي الجندي تجربته، ويقول إنّه ليس هناك سبب لبقاء القوات الأميركية في العراق والشرق الأوسط.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

في يوم القديس باتريك، في 17 آذار/مارس 2003، أصدر الرئيس بوش إنذاره الأخير لصدام حسين. وبعد ليلتين، بدأت حرب الولايات المتحدة على العراق بشكل عاثر. في ذلك الوقت، كنت طالباً جامعياً أعمل في حانة بمدينة نيويورك. فأشار أحدهم إلى التلفاز خلفي وقال: "لقد بدأت الحرب. إنهم يقصفون بغداد!". في العراق، بدأ ذلك في الصباح الباكر من يوم 20 آذار/مارس. 

وصلت إلى المنزل بعد ساعات قليلة لأجد الرسالة الصوتية التي كنت أتوقّعها إلى حدّ ما على المُجيب الآلي الخاص بي: "يُطلب منك التوجّه إلى مستودع الأسلحة غداً صباحاً في موعد أقصاه الساعة 8 صباحاً، مع كلّ العتاد الخاصّ بك". في ذلك الوقت، كنتُ أخدم في وحدة مشاة تابعة للحرس الوطني لجيش نيويورك. وبحلول منتصف النهار، وبعد تجهيز معداتنا، توجّه معظم أفراد سريتي عبر نهر هدسون إلى معسكر سميث، وهو موقع تدريب عسكري في نيويورك. وقد طلبت منا الولاية تنفيذ مهمة أمنية داخلية. ومع بدء الحرب، كان أحد أكبر الأمور المجهولة هو ما إذا كان صدام يملك الموارد والاتصالات اللازمة لتنفيذ ضربات إرهابية في الولايات المتحدة. وبعد أقلّ من عامين من أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، خشي كثيرون أن تتعرّض مدينة نيويورك لهجوم آخر.

أمضت وحدتنا أسبوعاً من التدريب على سيناريوهات مختلفة قد تحدث في نظام النقل بمدينة نيويورك. وفي الليل، كنا نتابع التقارير الإخبارية ونقيّم تقدّم جيشنا في العراق. قبل نيسان/أبريل، كنا ننفّذ مهمة حراسة مترو الأنفاق بالتعاون مع شرطة مدينة نيويورك. وقد تولّيتُ قيادة فريق من 4 أفراد لتأمين الرصيف أسفل مبنى البلدية.

وبحلول الوقت الذي أعلن فيه الرئيس بوش عن لحظة "إنجاز المهمة" في الأول من أيار/مايو، كنت قد عدتُ إلى الجامعة لدراسة العلاقات الدولية، وكنتُ أتوقّع التخرّج في كانون الثاني/يناير المقبل؛ إلّا أنّ هذه المهمّة لم تتحقّق بالكامل. ففي آب/أغسطس، وبينما كنت أستعدّ لبدء الفصل الدراسي الأخير، تلقّت وحدتي إنذاراً شفهياً يفيد بتعبئتنا للانتشار في العراق؛ فتأخّر موعد التخرّج. وفي تشرين الأول/أكتوبر، وجدت نفسي في مدينة "فورت درم" بنيويورك أتدرّب من أجل الذهاب إلى العراق.

ولم يتمّ نشر كتيبتنا، بما في ذلك سريتي، في العراق إلا في أوائل آذار/مارس. وفي مساء 17 آذار/مارس 2004، أي قُبيل أيام قليلة من الذكرى السنوية الأولى للحرب، تعرّضتُ لإطلاق نار مع عشرات من رفاقي ورددنا على مصدر النيران. وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، وبينما كنت أقود مركبة "هامفي" الخاصة بالدوريات عائداً إلى القاعدة، تلقّيتُ نداء استغاثة من قائد كتيبتنا، يُبلغ عن مواجهة مع العدو، ويطالب بتعزيزات وإجلاء المصابين. لم أنتظر الأوامر، بل استدرتُ ببساطة واتجهتُ نحو أرض المعركة.

وقد أسفر الهجوم المعقّد الذي شنّه مقاتلون بأسلحة خفيفة وعبوات ناسفة عن مقتل سيغون أكينتادي؛ وصلنا متأخّرين جداً. هاجر سيغون إلى نيويورك من نيجيريا قبل بضع سنوات، وكان يُلقّب بأوبي وان. عمل في شركة "Bear Stearns" لتأمين نفقات الدراسة، ودرس مثلي في جامعة مدينة نيويورك. كما خدم في فريق الإطفاء الخاصّ بي خلال مهمة تأمين مترو الأنفاق في بداية الحرب.

وقد حلّت المأساة مجدّداً بعد شهر وعلى بُعد عشرات الكيلومترات. فقد أُعيد توزيع عدد من الجنود الذين تركناهم عام 2003 على وحدة أخرى في نيويورك، وتمّ تجهيزهم للدورة التالية من عمليات الانتشار. وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، أودت عبوة ناسفة أخرى بحياة اثنين آخرين من أصدقائي، وكلاهما من رجال الإطفاء في نيويورك. قُتِل رجال تدرّبنا معهم ونعرفهم جيداً وغادرونا باكراً، في حين عانى آخرون من جروح بالغة لكنهم نجوا.

لقد حدث كلّ هذا قبل أكثر من عقدين من الزمن. وفي السنوات اللاحقة، لقي المزيد من جنود تلك البعثة حتفهم في العراق وأفغانستان، وانتحر الكثير منهم في وطنهم. وفي عام 2010، أعاد الرئيس أوباما جميع العسكريين المقاتلين إلى ديارهم من العراق. وهناك إشكاليات عديدة في هذه العبارة، لكن أوضحها هو: "للعدو حقّ التصويت" كما نقول. ففي حال تعرّضتَ لإطلاق نار أثناء خدمتك العسكرية، فأنتَ مقاتل. 

في 20 آذار/مارس 2025، لا يزال لدينا جنود أميركيون في العراق. فهناك نحو 2500 جندي أميركي يخدمون علناً في مهمة "تدريب وإرشاد". هؤلاء الجنود الأميركيون، مثل نظرائهم الحاليين في سوريا والشرق الأوسط، معرّضون للخطر. ويُظهر الهجوم على قاعدة "البرج 22" في الأردن العام الفائت، والذي أسفر عن مقتل 3 جنود احتياط أميركيين شباب، ضعف القوات الأميركية المنتشرة من دون أيّ مصلحة وطنية واضحة للولايات المتحدة. وسيتمّ استغلال هذه الثغرة مرّة جديدة، عاجلاً أم آجلاً، على حساب قواتنا.

خلال الـ22 عاماً التي مضت منذ تلقّيتُ خبر تعبئتي لدعم الحرب في العراق، حارب أكثر من 4000 جندي أميركي هناك وقُتلوا. بعضهم كان عزيزاً عليّ، وكانت الخسائر التي تكبّدتها العائلات مأساوية. ومع هزيمة تنظيم "داعش" منذ فترة طويلة، انتفى السبب المنطقي لوجود القوات الأميركية في العراق.

وبعد 22 عاماً، حان الوقت لإنهاء مهمة "قواتنا على الأرض" في العراق، وتقليص وجودنا في الشرق الأوسط، وعدم المخاطرة بأرواح الرجال والنساء من العسكريين الأميركيين إلا عندما تكون هناك مصلحة وطنية ثابتة.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.