رسالة للناشط المعتقل في الولايات المتحدة محمود خليل.. ماذا قال فيها؟

خريج جامعة كولومبيا وحامل البطاقة الخضراء، والمحتجز في لويزيانا من قبل وكلاء الهجرة لمشاركته في الحراك المؤيّد لفلسطين، يكتب رسالة من مكان اعتقاله.

0:00
  • احتجاجات تطالب بإطلاق سراح النشاط محمود خليل الذي اعتقلته السلطات الأميركية
    احتجاجات تطالب بإطلاق سراح الناشط محمود خليل الذي اعتقلته السلطات الأميركية

خريج جامعة كولومبيا وحامل البطاقة الخضراء، والمحتجز في لويزيانا من قبل وكلاء الهجرة لمشاركته في الحراك المؤيّد لفلسطين، يكتب رسالة نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية، يروي فيها كيف تمّ اعتقاله وظروف احتجازه، ويدعو فيها إلى مواصلة الحراك الداعم لفلسطين، ويؤكّد أهمية الاحتجاجات، خصوصاً مع خرق وقف إطلاق النار واستئناف الحرب على قطاع غزة.

أدناه نص الرسالة منقولةً إلى العربية:

اسمي محمود خليل، وأنا معتقل سياسي. أكتب إليكم من مركز احتجازي في لويزيانا، حيث أستيقظ على صباحات باردة، وأقضي أياماً طويلة أشهد على المظالم المرتكبة ضدّ عدد كبير من الأشخاص المحرومين من حماية القانون.

من له الحقّ في الحصول على الحقوق؟ بالتأكيد ليس البشر المكدّسين في الزنازين هنا. ليس السنغالي الذي التقيته والذي حُرم من حريته لمدة عام، ووضعه القانوني معلّق وعائلته على بُعد محيط منّا. وليس المعتقل البالغ من العمر 21 عاماً الذي التقيته والذي وطئت قدماه بلاد العم سام في التاسعة من عمره، ليتمّ ترحيله من دون أيّ جلسة استماع.

العدالة تفلت من محيط مرافق الهجرة في هذا البلد.

في 8 آذار/مارس، اعتقلني عناصر من وزارة الأمن الداخلي، ورفضوا إصدار مذكّرة توقيف بحقّي، واعتدوا عليّ وعلى زوجتي أثناء عودتنا من العشاء. وقبل أن أستوعب ما كان يحدث، قيّدني العناصر بالأصفاد وأجبروني على ركوب سيارة بلا لوحة أرقام. في تلك اللحظة، كان همّي الوحيد سلامة نور. لم أكن أعلم إن كانوا سيأخذونها هي الأخرى، فقد هدّدها العناصر باعتقالها لعدم مغادرتها المكان. لم تُخبرني وزارة الأمن الداخلي بأيّ شيء لساعات؛ ولم أكن أعرف سبب اعتقالي أو إن كنتُ أواجه الترحيل الفوري. في محكمة الهجرة في نيويورك في مبنى "26 فيدرال بلازا"، نمتُ على الأرض الباردة. وفي ساعات الصباح الأولى، نقلني العناصر إلى منشأة أخرى في مدينة "إليزابيث" في ولاية نيو جيرسي. وهناك، نمتُ على الأرض ورفضوا إعطائي بطانية.

كان اعتقالي نتيجة مباشرة لممارستي حقّي في حرية التعبير، حين طالبت بمنح فلسطين حريتها وإنهاء الإبادة الجماعية في غزة، التي استؤنفت بكامل قوتها مساء الاثنين. ومع خرق وقف إطلاق النار في كانون الثاني/يناير، يجد الآباء في غزة أنفسهم مجدداً في كفنٍ ضيّق، وتضطر العائلات إلى الموازنة بين الجوع والتشرّد وبين القنابل. لذا، يُحتّم علينا واجبنا الأخلاقي مواصلة النضال من أجل حصولهم على حريتهم الكاملة.

وُلدتُ في مخيم للاجئين الفلسطينيين في سوريا لعائلة هُجِّرت من أرضها منذ نكبة عام 1948. قضيتُ شبابي قريباً من وطني، بعيداً عنه؛ إلّا أنّ كوني فلسطينياً يُعدّ تجربة تتجاوز الحدود. وأنا أرى في هذه الظروف التي أعيشها أوجه تشابه مع استخدام "إسرائيل" للاعتقال الإداري، أي السجن من دون محاكمة أو تهم، لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم. أفكّر في صديقنا عمر الخطيب، الذي اعتقلته "إسرائيل" من دون أيّ تهمة أو محاكمة أثناء عودته إلى منزله من السفر. وأفكّر في مدير مستشفى غزة وطبيب الأطفال الدكتور حسام أبو صفية، الذي أسره "الجيش" الإسرائيلي في 27 كانون الأول/ ديسمبر، ولا يزال يقبع في معسكر تعذيب إسرائيلي حتى يومنا هذا. بالنسبة للفلسطينيين، يُعدّ السجن من دون محاكمة عادلة أمراً شائعاً. لطالما آمنتُ بأنّ واجبي لا يقتصر على تحرير نفسي من الظالم فحسب، بل تحرير جلّادي من كرهه وخوفه أيضاً. واعتقالي الجائر ليس سوى دليل على العنصرية المعادية للفلسطينيين التي مارستها إدارتا بايدن وترامب على مدار الـ16 شهراً الماضية، حيث واصلت الولايات المتحدة تزويد "إسرائيل" بالأسلحة لقتل الفلسطينيين ومنعت أيّ تدخّل دولي. ولعقود من الزمن، دفعت العنصرية ضدّ الفلسطينيين إلى توسيع نطاق القوانين والممارسات الأميركية المستخدمة لقمع الفلسطينيين والأميركيين العرب وغيرهم من المجتمعات بوحشية. وهذا هو السبب بالتحديد وراء استهدافي.

وبينما أنتظر صدور قرارات قانونية تُحدّد مصير زوجتي وطفلي، يبقى من سمحوا باستهدافي في جامعة كولومبيا مرتاحين. لقد مهّدت الرئيسات مينوش شفيق، وكاترينا أرمسترونغ، والعميدة كيرين يرها- ميلو الطريق للحكومة الأميركية لاستهدافي من خلال تأديب الطلاب المؤيّدين لفلسطين بشكل تعسفي والسماح بحملات نشر المعلومات الشخصية بشكل واسع، القائمة على العنصرية والمعلومات المضللة، من دون أيّ رادع.

استهدفتني جامعة كولومبيا بسبب نشاطي، وأنشأت مكتباً تأديبياً استبدادياً جديداً لتجاوز الإجراءات القانونية الواجبة وإسكات الطلاب الذين ينتقدون "إسرائيل". كما خضعت للضغوط الفيدرالية من خلال الكشف عن سجلات الطلاب للكونغرس، واستجابت لتهديدات إدارة ترامب الأخيرة. إنّ اعتقالي، وطرد أو إيقاف 22 طالباً على الأقل من جامعة كولومبيا عن الدراسة، بعضهم جُرِّد من درجة البكالوريوس قبل أسابيع قليلة من تخرّجه، إلى جانب طرد رئيس اتحاد الطلاب العاملين في جامعة كولومبيا، غرانت ماينر، عشية المفاوضات بشأن العقود، كلها أمثلة واضحة عن خضوع الجامعة للضغوط. 

في المقابل، يشكّل اعتقالي دليلاً على قوة الحركة الطالبيّة في توجيه الرأي العامّ نحو تحرير فلسطين. إذ لطالما كان الطلاب في طليعة التغيير، بحيث قادوا الانتفاضة ضدّ حرب فيتنام، ودافعوا عن حركة الحقوق المدنية، وناضلوا ضدّ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. واليوم أيضاً، حتى لو لم يستوعب الجمهور الأمر بشكل كامل بعد، فإن الطلاب هم الذين يسلكون بنا طريق الحقيقة والعدالة.

تستهدفني إدارة ترامب في إطار استراتيجية أوسع لقمع المعارضة. وسيُستهدف حاملو التأشيرات، وحاملو البطاقات الخضراء، والمواطنون على حد سواء بسبب معتقداتهم السياسية. وفي الأسابيع المقبلة، يتعيّن على الطلاب والحقوقيين والمسؤولين المنتخبين أن يتحدوا للدفاع عن الحقّ في الاحتجاج من أجل فلسطين. فالأمر ليس متعلّقاً بأصواتنا فحسب، بل بالحريات المدنية الأساسية للجميع. 

أدرك تماماً أنّ هذه اللحظات تتجاوز ظروفي الفردية، إلا أنني آمل رغم ذلك أن أكون حرّاً لأشهد ولادة طفلي الأول.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.