"Responsible Statecraft": محادثات إيران والبحرين.. المزيد من غروب شمس الهيمنة الأميركية

توجُّه البحرين لبدء محادثات مع إيران، في سبيل إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ فترة طويلة بين البلدين، ليس حدثاً بسيطاً، ومن شأنه أن يقلق واشنطن التي قد تتحرك لمنعه.

  • لقاء بين وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني ووزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني في طهران
    لقاء بين وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني ووزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني في طهران

موقع "Responsible Statecraft"، ينشر مقالاً للكاتب غراهام فولر، تحدّث فيه عن المحادثات المزمع إجراؤها بين البحرين وإيران في سبيل إعادة العلاقات المقطوعة منذ فترة طويلة بين البلدين، ويشرح أهمية هذا الحدث، خصوصاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

توجُّه البحرين إلى بدء محادثات مع إيران، في سبيل إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ فترة طويلة بين البلدين، ليس حدثاً بسيطاً. ورغم أنّ البحرين بحجمها الصغير لا تتمتع بمساحة فعلية في تقرير سياساتها بسبب سيطرة جارتها العملاقة المملكة العربية السعودية عليها، فإنّ هذا الحدث يحمل أهمية أكبر مما قد يبدو للوهلة الأولى، فالبحرين هي المقر الرئيسي للأسطول الأميركي الخامس الذي ينشط في مياه الخليج والبحر الأحمر وبحر العرب. وهذا من شأنه أن يقلق واشنطن التي قد تتحرك لمنعه.

لا شك أنّ النظام في البحرين قمع الأغلبية الشيعية من سكان البلد، وهم عانوا من التمييز المذهبي، النهج المدعوم إلى حد كبير من الرياض المعادية لإيران والتي تهيمن على السياسة الخارجية للبحرين.

وفي الحقيقة، كل ذلك جزء لا يتجزأ من خطط السياسات الأميركية على مستوى العالم، والتي سعت بشكل روتيني إلى تحديد الأعداء في مختلف المناطق من أجل إقامة "ترتيبات أمنية" تغطّي الهيمنة في أيّ منطقة في الخليج وفي غيره، وهنا تم اختيار إيران باعتبارها "العدو" المفضّل لواشنطن، التي لا تتوانى عن حشد المعارضة العسكرية والسياسية الإقليمية ضد إيران، بدعم وتشجيع قويين من الاحتلال الإسرائيلي.

وليس من المستغرب أن ترد إيران بالمثل، من خلال تقديم الدعم لمختلف قوى المقاومة التي تناهض الهيمنة وأشكال الاستعمار الجديد، في وقت تصرّ على امتلاك الطاقة النووية السلمية. وبغض النظر عن الحجّة المهمّة التي يمكن تقديمها بأنّ الولايات المتحدة لم تكن مضطرة إلى الاستمرار بعدائها لإيران على مدار 45 عاماً، فإنّ مثل هذه السياسة خدمت الهيمنة الاستراتيجية والعسكرية الإقليمية لواشنطن بشكل جيّد. سوف يعرف قرّاء التاريخ أنّه بمجرد أن تحدد الولايات المتحدة دولة ما وتدرجها في "قائمة الأعداء"، يصبح من الصعب على واشنطن وأتباعها تغيير ذلك. وعلى هذا، تمركزت القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة لأجل حماية تدفق النفط، الذي هو حجر الزاوية في السياسة الأميركية في الخليج على مدى عقود من الزمان، لا حماية الحلفاء من "عدو" اخترعته لهم واشنطن.

الصينيون أحدثوا أول ثقب عميق في جدار الهيمنة العسكرية والاستراتيجية الأميركية في المنطقة، حين نجحوا قبل عامين في تحقيق تقارب مذهل بين السعودية وإيران، كان لا يمكن تصوّره عموماً، خاصةً ممن هم في الواقع أعداء البلدين الذين راهنوا على أن تمنع الخلافات المذهبية هذا كله. لكن، الهندسة الصينية الدبلوماسية نجحت مع طهران والرياض في إصدار أول مؤشر كبير على تحولات جيوسياسية تاريخية في الخليج.

والآن، مع تقدّم إصلاح البحرين لعلاقاتها مع طهران، يتضح أنّ الحضور الصيني والروسي في المنطقة، يساهم بفعالية في هذه التحولات المهمة التي لا يمكن للبحرين تبنّيها لولا موافقة السعودية، التي سبقت البحرين في نزع صفة العدو عن إيران.

من ناحية أخرى، لا بدّ من ذكر التحول الثوري في السياسة الإقليمية التركية خلال العقدين المنصرمين، الذي وضعه الأكاديمي ووزير الخارجية حينها أحمد داوود أوغلو، الذي أعلن عن إرادة جديدة في السياسة الخارجية تتعهد فيها تركيا بإصلاح العلاقات مع كل البلدان المحيطة التي كانت تختلف معها لأسباب وسياقات مختلفة تحت شعار جذاب "صفر أعداء" لتركيا. 

لكن داوود أوغلو، كان محل ازدراء شديد في واشنطن على وجه التحديد، باعتباره يقوّض سياسات حلف شمال الأطلسي القائمة على "تحديد الأعداء" لتبرير الانتشار العسكري، في وقت لا تستطيع  أيّ سياسة خارجية أوروبية أن تكون مستقلة أو خارج هياكل حلف "الناتو"، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة بالكامل تقريباً.

توجه داوود أوغلو لتصفير الأعداء، حرّك الأفكار لإيجاد إدارة جديدة للخصومات المستعصية، تفضي إلى قدرة في إحداث تغيير جذري بالمواقف السلبية خاصةً إذا كانت الحكومات صادقة في توجهها، على عكس الولايات المتحدة  المعتمدة على "تحديد الأعداء"، الأمر الذي يتطلب منها انخراطاً عسكرياً ومواجهة تتعمق على الدوام بلا آفاق للحلول.

وفي الوقت نفسه، تعمل الأحداث الأخيرة على تعزيز شرعية إيران إلى حد ما باعتبارها لاعباً إقليمياً مهماً، بالتوافق مع عضويتها الجديدة إلى جانب السعودية في كتلة مجموعة "البريكس"، المنظّمة التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من ظهور الجنوب العالمي الجديد. بطبيعة الحال، لا يمكن أن يكون هناك ألفية في الأفق يسودها السلام في كل مكان. ففي العلاقات الدولية، من المستحيل أن يكون الجميع في وئام تام مع الجميع طوال الوقت، وأن تغيب الصراعات بشكل تام. لكن، من المؤكد أنّه من الطموح الجدير بالاهتمام أن تفترض الدول أنّ العداء  يجب  أن  لايكون مستمراً أو يكون بإيعاز من قوة أخرى، وأن تتمتع كل الدول بالفعل بالقدرة على اتخاذ قراراتها بشأن تعزيز وتحسين العلاقات مع الدول الأخرى أو مفاقمتها. 

مع ذلك، لا تزال السياسة الخارجية الأميركية الأكثر أيديولوجية في العالم، على الأقل منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، ومضيها في "الحرب على الإرهاب"، و "إدخال الديمقراطية إلى العالم من خلال تغيير الأنظمة"، فالدبلوماسية تبدو وكأنّها فن ضائع في واشنطن اليوم، تم حبكها لزيادة التوترات كمسار  لإنتاج يكرس "تحديد الأعداء"، ويؤمن نشر القواعد العسكرية والهيمنة السياسية.

نقله إلى العربية: حسين قطايا