"The Conversation": النزاع الهندي- الباكستاني يتأجج.. فهل نحن على شفا حرب جديدة؟

خاضت الهند وباكستان حروباً عديدة في الماضي. فهل نحن على شفا حرب جديدة؟

0:00
  • "The Conversation": النزاع الهندي- الباكستاني يتأجج.. فهل نحن على شفا حرب جديدة؟

موقع "The Conversation" الأميركي ينشر مقالاً يتناول تصاعد التوتر بين الهند وباكستان بعد شنّ الهند ضربات عسكرية رداً على هجوم إرهابي في كشمير، مشيراً إلى خطر اندلاع صراع أوسع في ظل غياب وساطة دولية فعّالة، وتزايد الضغوط السياسية الداخلية على الطرفين لاتخاذ مواقف حاسمة. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

شنّت الهند ضربات عسكرية ضد باكستان استهدفت مواقع متعددة في الجزء الخاضع لسيطرتها من كشمير وفي عمق الأراضي الباكستانية. وأفاد مسؤولون أمنيون بأن أنظمة أسلحة دقيقة، بما في ذلك طائرات مُسيّرة، استُخدمت لتنفيذ هذه الضربات. وبينما لا يزال هناك الكثير من الشكوك بشأن ما حدث، يبدو جلياً أنّ كلا الجانبين أقرب إلى صراع كبير مما كانا عليه منذ سنوات وربما عقود.

لقد سبق أن شهدنا مثل هذه الأزمات. فقد خاضت الهند وباكستان عدداً من الحروب الشاملة على مر السنين، في أعوام 1947، و1965، و1971، و1999. كما وقعت هجمات عبر الحدود بين الجانبين في عامي 2016 2019، لكنها لم تؤدِّ إلى حرب أوسع. وكانت هذه الصراعات محدودةً لإدراك الطرفين أنّ التصعيد إلى حربٍ شاملةٍ سيكون خطيراً للغاية، نظراً لامتلاكهما أسلحةً نووية. وقد فرض ذلك بعض السيطرة على الجانبين، أو على الأقل بعض الحذر. وكانت هناك أيضاً ضغوط خارجية من جانب الولايات المتحدة وغيرها في كلتا المرتين لمنع هذه الصراعات من الخروج عن نطاق السيطرة.

وعلى الرغم من إمكانية أن يمارس الجانبان سياسة ضبط النفس على نحو مماثل الآن، فقد يكون هناك ضغط أقل من جانب البلدان الأخرى لإجبارهما على القيام بذلك. وفي هذا الإطار، قد تتصاعد حدّة التوترات بسرعة. وعندما يحدث ذلك، يصعب إقناع الطرفين بالتراجع والعودة إلى الوضع الذي كانا عليه سابقاً. 

لماذا وجّهت الهند ضرباتها في هذا الوقت بالتحديد؟

تقول الهند إنها ردّت على هجوم إرهابي استهدف الشهر الفائت سياحاً هنوداً في إقليم كشمير شديد التحصين، والذي يتنازع عليه الجانبان. وقد أسفر الهجوم عن مقتل 26 شخصاً. وكانت جماعة تدعى "جبهة المقاومة" قد أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، لكنها سحبت بيانها بعد ذلك. لذا، هناك بعض الشكوك حول هذا الأمر. 

وتشير المصادر الهندية إلى أنّ هذه المجموعة، التي تُعدّ جديدة نسبياً، هي امتداد لجماعة مُسلحة موجودة مسبقاً تُدعى "لشكر طيبة" كانت متمركزة في باكستان لسنوات طويلة. وقد نفت باكستان أي تورط لها في الهجوم على السياح. ومع ذلك، كانت هناك أدلة قوية في الماضي تشير إلى أنه حتى لو لم تفرض الحكومة الباكستانية عقوبات رسمية على هذه الجماعات العاملة على أراضيها، فإن هناك جهات في الدولة أو الجيش الباكستاني تدعمها. وقد يكون هذا الدعم أيديولوجياً أو مالياً أو من خلال أنواع أخرى من المساعدة. 

وخلال الهجمات الإرهابية السابقة التي شهدتها الهند، تم الحصول على أسلحة ومعدات أخرى من باكستان. فعلى سبيل المثال، خلال الهجوم الإرهابي على مومباي عام 2008، قدمت الحكومة الهندية أدلة زعمت أنها تُظهر مسلحين كانوا يتلقون توجيهات من مُدرِّبين في باكستان عبر الهاتف. ولكن، حتى هذه اللحظة، ليس لدينا أي دليل يثبت تورط باكستان في الهجوم الذي تعرّض له السياح في كشمير.

وقد طالبت الهند باكستان مراراً بإيقاف هذه الجماعات عن مزاولة نشاطها. وعلى الرغم من سجن قادتها في بعض الأحيان، كان يُفرج عنهم في وقت لاحق، بمن فيهم المتهم بأنه العقل المُدبّر لهجوم مومباي عام 2008. والمدارس الدينية التي لطالما اتُهمت بتزويد الجماعات المسلحة بالجنود لا يزال عملها في باكستان مسموحاً، في ظل سيطرة ضئيلة من الدولة. 

في المقابل، تزعم باكستان أنّ الهجمات التي وقعت في كشمير نفذها كشميريون محليون معارضون "للاحتلال" الهندي، أو أن باكستانيين تحركوا بشكل عفوي واتخذوا هذه الإجراءات. ويبدو أنّ هذين الموقفين لا يتطابقان بأيّ شكل من الأشكال.

التكلفة السياسية المترتبة على عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة

يبقى أن نرى ما التكلفة التي قد يكون كلا الجانبين على استعداد لدفعها لتصعيد حدة التوترات بشكل أكبر.

من الناحية الاقتصادية، ستكون التكلفة على كلا الجانبين ضئيلةً جداً في حال اندلاع صراع أوسع. فالتبادل التجاري بين الهند وباكستان شبه منعدم. ويبدو أنّ نيودلهي قدّرت أنّ اقتصادها سريع النمو لن يتضرر من هجماتها، وأن الدول الأخرى ستواصل التجارة والاستثمار في الهند. كما سيعزز إبرام الاتفاقية التجارية مع المملكة المتحدة، التي تم توقيعها في 6 أيار/ مايو قُبيل الهجمات الباكستانية وبعد 3 سنوات من المفاوضات، هذه الفكرة. 

ومن ناحية السمعة الدولية، ليس لدى أيّ من الجانبين ما يخسره. ففي الأزمات السابقة، سارعت الدول الغربية إلى إدانة الأعمال العسكرية التي يرتكبها الجانبان وانتقادها. أما اليوم، فترى معظم الدول أن الصراع المستمر منذ فترة طويلة قضية ثنائية يتعين على الهند وباكستان تسويتها بنفسيهما. وبالتالي، فإنّ الشاغل الرئيس لكلا الجانبين هو التكلفة السياسية التي سيتكبدانها في حال عدم اتخاذ إجراء عسكري.

قبل وقوع الهجوم الإرهابي في 22 نيسان/أبريل، زعمت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أنّ الوضع الأمني ​​في كشمير آخذ في التحسن، وأن المواطنين الهنود العاديين يستطيعون التنقل بأمان في المنطقة. لكن، ما حدث في ذلك اليوم دحض هذه المزاعم، ما جعل رد الحكومة ضرورياً.

واليوم، إذا لم ترد باكستان على الضربات الهندية، فإن حكومتها، وبالأخص جيشها، ستضطر إلى دفع أثمان باهظة أيضاً. وعلى الرغم من سجله المتفاوت بالنجاحات، لطالما برر الجيش الباكستاني دوره الكبير في السياسة الوطنية بزعمه أنه الوحيد الذي يقف حائلاً بين الشعب الباكستاني والعدوان الهندي. وفي حال لم يتحرك الآن، فقد يبدو هذا الادعاء واهياً.

لا يمكن الاعتماد على وساطة خارجية

إذاً، كيف ستسير الأمور؟ نأمل أن يكون هناك عمل عسكري محدود يستمر لبضعة أيام، ثم تهدأ الأمور سريعاً، كما حدث في الماضي. لكن، لا توجد ضمانات. ومن يرغب في التدخل وإطفاء فتيل النزاع هم قلّة. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب غارق في صراعات أخرى في أوكرانيا وغزة ومع الحوثيين في اليمن، ودبلوماسية إدارته حتى الآن غير كفء وغير فعّالة. وعندما سُئل عن الهجوم الهندي اليوم، وصفه ترامب بـ"المعيب" و"أمل" أن تُحل الأمور بسرعة. وهذا الأمر يختلف كثيراً عن الخطاب القوي الذي عهدناه لدى رؤساء الولايات المتحدة في الماضي عندما وصلت الأمور إلى حد المواجهات بين الهند وباكستان. وبالتالي، قد تضطر نيودلهي وإسلام آباد إلى تسوية هذه الجولة من الصراع بنفسيهما. إلا أنّ من يقرر التراجع أو الاستسلام أولاً، قد يدفع ثمناً سياسياً باهظاً. 

نقلته إلى العربية: زينب منعم.