"الغارديان": آلاف السودانيين الجنوبيين محاصرون وغير قادرين على العودة إلى ديارهم

أصبحت مدينة الرنك، مركز السفر المستمر للأشخاص الفارين من الحرب في السودان بمنزلة عائق، حيث أدى خفض المساعدات إلى تعرض الأسر النازحة للخطر وجعلها في حاجة إلى المساعدة.

0:00
  • "الغارديان": آلاف السودانيين الجنوبيين محاصرون وغير قادرين على العودة إلى ديارهم

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يتناول أزمة العائدين من جنوب السودان العالقين في مدينة الرنك الحدودية بعد فرارهم من الحرب في السودان، ويسلّط الضوء على الخلفية الإنسانية، وتفاقم الوضع المعيشي، وتعليق المساعدات الدولية.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

لا يزال آلاف المواطنين من جنوب السودان، الذين عادوا إلى بلادهم من السودان الذي مزقته الحرب، عالقين في بلدة حدودية بسبب توقف رحلات العودة إلى ديارهم نتيجة خفض المساعدات. فمنذ اندلاع الحرب في السودان في نيسان/ أبريل 2023، اضطر أكثر من 800 ألف جنوب سوداني كانوا يعيشون هناك إلى العودة إلى وطنهم. وكان معظمهم قد دخلوا مدينة الرنك الحدودية في الشمال، حيث قدمت لهم الوكالات الإنسانية المساعدة في مركز عبور لبضعة أسابيع قبل أن تساعدهم المنظمة الدولية للهجرة والحكومة في العودة إلى ديارهم.

لكن في شهر حزيران/ يونيو، اضطرت هيئة الأمم المتحدة إلى تعليق برنامج مساعداتها بسبب نقص التمويل، الأمر الذي ترك آلاف الأشخاص عالقين في ظل محدودية الوصول إلى الخدمات الإنسانية. وقد ارتبط هذا التعليق بتجميد إدارة ترامب للمساعدات الخارجية لجميع البرامج الممولة من وزارة الخارجية، باستثناء الحالات التي قدمت فيها البرامج "مساعدات إنسانية منقذة للحياة".

ويقول موسى رجب، وهو رجل يبلغ من العمر 66 عاماً وصل إلى المركز مع عائلته من مدينة القضارف الواقعة جنوب شرقي السودان في حزيران/ يونيو: "أشعر باليأس، لأن المنظمات أوقفت رحلات العودة. الحياة هنا صعبة، ومن دون المال ستواجه صعوبات كثيرة". ورجب هو واحد من أكثر من 9 آلاف شخص لجأوا إلى مركز الرنك للعبور، بعد أن فروا من الحرب المستعرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية والميليشيات المتحالفة معها.

معظم سكان المخيم هم من العائدين من جنوب السودان. بعضهم لجأ إلى السودان هرباً من الحرب الأهلية التي اندلعت في جنوب السودان عام 2013. وانتقل آخرون بحثاً عن فرص أفضل بعيداً عن وطنهم حديث الاستقلال الذي كان يعاني صعوبات. وقد أدى القتال في السودان إلى ما وصفته الأمم المتحدة بأنه إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في القرن الـ21. فقد قُتل أكثر من 150 ألف شخص، ونزح أكثر من 14 مليوناً من ديارهم، ويحتاج عدد أكبر إلى مساعدات إنسانية.

وتُعدّ مدينة الرنك، الواقعة على الضفة الشرقية لنهر النيل الأبيض مركزا رئيساً للعبور للفارين من الحرب، ولكنها باتت تشكل اليوم عائقاً أمامهم. ومن خلال برنامج النقل المستمر، نقلت المنظمة الدولية للهجرة الأشخاص من مركز العبور إلى مدن استراتيجية باستخدام المراكب والطائرات، ثم إلى وجهاتهم النهائية بوسائل مختلفة. وفي الفترة من أيار/ مايو 2023 إلى منتصف عام 2025، ساعدت المنظمة في نقل أكثر من 250 ألف شخص.

 وقد أدى تعليق المساعدات إلى توقف عملية نقل العائدين إلى ديارهم، ما تسبب في تفاقم الوضع الإنساني في المدينة وتسليط الضوء على معاناة المنظمات الدولية لتقديم الإغاثة بعد خفض المساعدات الخارجية. وتشير فيجايا سوري، رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في جنوب السودان، إلى أنّ نقص التمويل تسبب في محدودية الوصول إلى الغذاء والماء والرعاية الصحية. وتقول: "لا يزيد التأخير من هشاشة الأوضاع فحسب، بل يُعرّض حياة الناس للخطر ويمسّ بكرامة النازحين الذين يُكابدون بالفعل مصاعب لا تُصدّق. ونحن نحثّ الحكومات والمجتمع الدولي على التحرك بسرعة لدعم خدمات النقل هذه، حتى لا تظلّ الأُسر النازحة عالقة ومعرضة للخطر".

وفي الوقت الراهن، يستوعب مركز العبور 3 أضعاف قدرته الاستيعابية. ويعاني اللاجئون والعائدون، الذين مر الكثير منهم بتجارب مؤلمة في السودان، نقصاً في الغذاء والماء والمأوى. ومع استمرار تدفق الناس عبر الحدود، قد يتفاقم الوضع. وفي هذا السياق، يقول فلاديمير ميتكوفسكي، مسؤول العمليات في المنظمة الدولية للهجرة في مدينة الرنك: "العدد في ازدياد وجميع القطاعات متأثرة وتعاني ضغطاً هائلاً". 

وقد حصلت المنظمة الدولية للهجرة مؤخراً على بعض التمويل من وزارة الخارجية البريطانية، وتمكنت من نقل 915 شخصاً خارج الرنك في الأسبوع الأول من شهر أيلول/ سبتمبر. ويقول دينغ أجاك، نائب مدير هيئة الإغاثة وإعادة التأهيل، وهي وكالة حكومية، إن هناك مناقشات جارية لتخصيص أراضٍ إضافية لتخفيف الاكتظاظ. 

وفي المركز، تجمّع الأطفال حول مراكز توزيع المياه حاملين الأوعية، في حين تجمّع الرجال والنساء خارج مبنى من الصفيح في انتظار توزيع الطعام، وقامت النساء بقلي المعجنات وبيعها للنازحين الآخرين. 

كان موسم الأمطار، وكانت هناك برك كبيرة من المياه تغمر الأراضي، وكان العديد من الناس في حاجة ماسة إلى مواد مقاومة للماء لبناء الملاجئ.

لقد سافر موسى، من منطقة أبيي في الشمال، إلى الخرطوم عام 2019 لتلقي العلاج، ثم انتهى به الأمر بالعمل في مدينة القضارف مدرباً ومشغل آلات في شركة زراعية. نجا من عامين من الحرب في المدينة، التي كانت هدفاً بين الحين والآخر لهجمات طائرات مسيرة تابعة لقوات الدعم السريع، وغادرها عندما نظّمت حكومة الولاية رحلة عودة لمواطني جنوب السودان. ثم انتقل مع زوجته وأطفاله الـ5 وأطفال شقيقة زوجته الـ3. وكغيره من العائدين، حصل على مساعدة نقدية قدرها 49 ألف جنيه جنوب سوداني (حوالى 7 جنيهات إسترلينية) عند وصوله إلى مركز العبور. لكنه اضطر لشراء مشمّع بما لديه من مال قليل لبناء مأوى لزوجته وأطفاله، بينما ينام هو في منشأة عامة. ويقول: "الوضع هنا سيئ للغاية. يتحدثون عن توفير بعض الأشياء التي نحتاجها، لكن لا يصلنا شيء. نريد أن نسافر، ولا رغبة لنا في البقاء هنا". 

في المقابل، اضطر آخرون، أمثال عليل أغوث البالغة من العمر 48 عاماً وهي أيضاً من منطقة أبيي، إلى بيع ممتلكاتها لتوفير احتياجات أسرتها. وبرفقة أحفادها الـ5، استأجرت مع آخرين حافلة صغيرة من القضارف، حيث لجأت إليها من أم درمان عندما اندلعت الحرب. كانت الحافلة ستنقلهم إلى مدينة الرنك فحسب. وقد تركت ابنها يُعالج جروحه بعد إصابته برصاصة خلال دخول القوات المسلحة السودانية إلى الخرطوم.

وتقول إنها حصلت على المساعدة النقدية عند وصولها إلى المركز، لكنها لم تتلقَّ أي مساعدة أخرى بعد ذلك. وقد لجأت إلى بيع بعض ملابسها وأغطية أسرتها لتوفير قوت يومها. "نبيع ملابسنا لتوفير الطعام لأطفالنا ولأنفسنا، فليس لديّ أقارب هنا. إن رزقنا الله فرصة السفر، فلن نتردد في الذهاب". 

يعاني جنوب السودان من آثار سنوات من الصراع ونهب الموارد والكوارث الطبيعية، ويعلم الكثيرون في المخيم أنهم عادوا إلى بلد يعاني أنواعاً مختلفة من الأزمات. 

غادر توت دادور، البالغ من العمر 32 عاماً، مدينة بانتيو في الشمال إلى مدينة أم درمان في عام 2019 بعد أن شردته الفيضانات التي غمرت قرى بأكملها، للعمل في مجال البناء. وهو يقيم في الرنك مع زوجته وأطفاله الـ5، وهم حريصون على العودة إلى بانتيو، حيث يخططون للعيش في مخيم للنازحين داخلياً. ويقول دادور: "بانتيو موطني. سأفعل ما يفعله الآخرون فيها وأنا أؤمن بقدرتي على العيش هناك. وعلى الرغم من أننا نفتقر إلى الكثير من الأشياء فيها، ولكننا سنتكيف ونعيش وفقاً لذلك".

نقلته إلى العربية: زينب منعم.