"الغارديان": أطفال غزة.. ما الذي يمكن أن يحمله المستقبل لهم؟

جُرح عشرات الآلاف من الأطفال في غزة، وحتى أولئك الذين تم إجلاؤهم للعلاج يواجهون طريقاً مستحيلًا.

  • إلياس وتالين
    إلياس وتالين

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يتناول معاناة الأطفال الفلسطينيين في غزة بسبب الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة، والتي أسفرت عن إصابات جسدية شديدة، مثل بتر الأطراف، فضلاً عن الأضرار النفسية التي لحقت بهم، ويطرح تساؤلات حول مستقبل هؤلاء الأطفال.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

عندما دخلتُ المنزل في شمال شرق فيلادلفيا، أمسك إلياس، وهو طفلٌ مفعمٌ بالحيوية في الرابعة من عمره، بعلبة "كيت كات" أحضرتها معي، وبدأ يُلوّح بها. دار حول نفسه، وهو يصرخ بكلمات غير مفهومة. في مشهدٍ مألوف، حاولت والدته فرض النظام، لكنها رضخت لقوة طفلٍ مُلِحّ على تناول السكر، حبيس المنزل بسبب موجة برد.

كان إلياس وشقيقته تالين (5 سنوات) وشقيقه خالد (9 سنوات) في الولايات المتحدة، لأن إلياس وتالين كانا بحاجة إلى رعاية طبية عاجلة. فقد أصيبا بجروح بالغة نتيجة سقوط صاروخ على المنزل الذي كانوا يحتمون فيه. وأدى الانفجار إلى بتر ساق إلياس اليمنى من أسفل الركبة. كما كانت إصابات تالين بالغة وقد وصلت إلى الولايات المتحدة وفي ساقيها دبابيس وفولاذ مثبتة، بينما كانت تكافح العدوى. وقد رتّب برنامجٌ تُنظّمه وتُديره مؤسسة "شفاء فلسطين" (HEAL Palestine)، وهي منظمة غير ربحية تُساعد في إجلاء الأطفال الجرحى من غزة، سفر الأطفال مع والدتهم آمنة.

عندما التقينا، ابتعدت تالين عني، وانسحبت إلى أريكة واسعة. نظرت إلي من خلف غرتها الكثيفة بينما كنت أتحدث مع متطوع من المنظمة، التي وفرت سكناً للعائلة طوال فترة إقامتهم في الولايات المتحدة. وبمجرد انتهاء علاج الأطفال، سيتعين على الأسرة مغادرة الولايات المتحدة إلى مصر، وهو شرط من شروط وزارة الخارجية.

وكان والد الأطفال لا يزال عالقاً في غزة، ويأمل في الانضمام إلى عائلته في مصر عند إعادة فتح معبر رفح؛ وهو احتمالٌ بات بعيد المنال اليوم مع استئناف "إسرائيل" هجومها على القطاع. في مصر، ستكون حقوقهم وفرص حصولهم على التعليم محدودة. وقد أشارت الحكومة المصرية إلى أنّ الفلسطينيين الذين لجأوا إلى البلاد سيضطرون إلى العودة إلى غزة، وهو احتمال غير مؤكد حتى قبل إعلان دونالد ترامب عن نيته تطهير الأراضي الفلسطينية. فما هو المستقبل الذي ينتظر هؤلاء الأطفال؟

لم تكن تالين قادرة على المشي بشكل جيد، وقد حاول أطباؤها في الولايات المتحدة إصلاح ساقيها على أمل تجنب البتر، وهو احتمال لا يزال قائماً. ورُكّبت ساق اصطناعية لإلياس مكّنته من التنقل في المنزل. كان صاخباً، وعندما قمت بتشغيل آلة التسجيل لمحادثتي مع والدته آمنة، كان صراخه وضحكاته، نقيضاً للأهوال التي كانت آمنة تصفها. أما خالد، البالغ من العمر 9 سنوات، فكان مختلفاً. فقد حُوصر مع والده في مستشفى الشفاء بغزة لمدة 3 أيام في آذار/مارس 2024؛ وكانت تالين وإلياس قد نُقلا جنوباً إلى مدينة رفح مع آمنة بحلول ذلك الوقت. كما شاهد والده وهو يتعرّض للضرب ويُجرَّد من ملابسه ويُجر إلى الشاطئ، حيث استُجوب لمدة يومين؛ بالإضافة إلى هدم القوات الإسرائيلية مقبرة قريبة بالجرافات. وعندما أُجبر خالد على المغادرة في اليوم الثالث من الحصار، شق طريقه، مع جميع الناجين من النساء والأطفال، عبر حقل من الجثث. وكان يعاني من مشكلات نفسية، بحسب والدته.

بحثتُ عن العائلة، وأشخاصٍ مثلهم، لأبدأ في جمع تفاصيل ما حدث لأطفال غزة. قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان الأطفال يُشكلون نحو نصف سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة. وتشير الأرقام الرسمية إلى أنّ عدد القتلى في غزة تجاوز الـ50 ألف شخص، وهو رقمٌ في ازديادٍ مُستمر مع تجديد "إسرائيل" هجماتها. لكن دراسة نُشرت في مجلة "ذا لانسيت" (Lancet) الطبية  تُقدّر أن القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من 64 ألف شخص في الأشهر التسعة الأولى فقط من عدوانها، وهي الفترة التي توافرت لدى مؤلفي الدراسة بيانات عنها. بعبارة أخرى، يُرجّح أن يكون العدد الرسمي أقل بكثير من الحقيقة.

في غضون ذلك، أفادت الأمم المتحدة بمقتل ما لا يقل عن 14,500 طفل، وهو عدد أقل بكثير من العدد الحقيقي. ويُحتمل أن يكون الرقم الحقيقي للوفيات غير معروف، لا سيما أنّ الكثير من العائلات قضت دفعة واحدة، ولم يبق أحدٌ لاحتساب عدد الرضّع أو الأطفال الصغار. وإلى جانب الوفاة الجماعية، تشير الوكالات الدولية إلى إصابة ما لا يقل عن 110 آلاف شخص في غزة، من بينهم 25 ألف طفل على الأقل. وتقدر منظمة "اليونيسف" أنّ ما بين 3000 و4000 طفل في غزة بُتر له طرف أو أكثر. وتُعد هذه البقعة الصغيرة من الأرض حالياً موطناً لأكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف لكل نسمة من السكان مقارنةً بأي مكان آخر في العالم.

إنّ الكثير مما يعانيه هؤلاء الأطفال مخفيّ عن العالم؛ إذ لا يزال الصحافيون ممنوعين من دخول غزة، وقد قُتل الكثير ممن كانوا يقيمون فيها. ومع ذلك، تمكّن عدد قليل من الأطفال من الخروج لتلقي العلاج في الولايات المتحدة وأماكن أخرى. وفي الولايات المتحدة، لا تعني الإصابة التي تُغيّر مجرى الحياة نهاية حياة جديرة بأن تُعاش. فقد وُضعت قوانين لضمان تمتع الأشخاص من ذوي الإعاقة بحقوق وفرص متساوية. أما بالنسبة إلى الأشخاص الذين يمتلكون تأميناً، فتتوفر بنية تحتية طبية متقدمة مع متابعة الرعاية. 

لكن، ماذا يعني البتر في مكانٍ بلا أرصفة، ولا شوارع، ولا منحدرات للكراسي المتحركة، ولا أطراف اصطناعية؟ وما الذي يحمله المستقبل للأطفال الذين أصيبوا في الدماغ، أو بحروق تُضعف قدرتهم على الحركة أو العمل؟ وما النتائج التي قد يواجهها الأطفال الذين لا يستطيعون الوصول إلى علماء النفس أو المعالجين الفيزيائيين أو الحقوق القانونية أو منازلهم؟

آلاف الأطفال المصابين مهمّون. تروي أجسادهم معاً قصةً محفورة في ذاكرة القرن الحادي والعشرين. إنهم بمنزلة منبرٍ تُناقش من خلاله قضايا القانون الدولي وحماية المستضعفين. لكن، إذا كانت الخسارة التي تحمّلها هؤلاء الأطفال قضاءً، فهي أيضاً مقدمة. لأن احتياجاتهم وقدراتهم وحدودهم سترسم معالم المجتمع الفلسطيني وذاكرته إلى الأبد.

في بداية حديثنا، بدت آمنة حذرة مني. لكن، مع الوقت، بدأت الكلمات تخرج من فمها بحرية أكبر. نجت آمنة من حروب إسرائيلية متعددة على غزة، وعاشت حصاراً دام 18 عاماً. ثم وقع هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وجاء ردّ "إسرائيل" المُدمر. قبل ذلك التاريخ، تذكرت آمنة أنّ الحياة كانت صعبة، لكن الوطن كان "جنتي أيضاً". كانت حاملاً عندما بدأ الهجوم على غزة، وأنجبت فارس بعملية قيصرية في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2023. وبعد 10 أيام، أطلق طيار إسرائيلي صاروخاً على المبنى السكني الذي تقطن فيه مع عائلاتها. وقالت لي آمنة: "كان من المفترض أن تكون المنطقة التي كنا فيها آمنة".

أصيبت آمنة وخالد وتالين بجروح بالغة في الهجوم الأول، واحتاجوا إلى غرز في حالة تالين، لإغلاق الجروح في ذراعها ورأسها. فأعطاهم أحد الجيران عنوان ممرضة تسكن في الجوار. فتوجهت العائلة إلى منزلها تحت القصف، وبعد أن انتهت الممرضة من علاج تالين، أصاب منزلها صاروخاً تسبب بمقتل 11 شخصاً. وقالت آمنة: "لقد اختفت الجدران. لم يعد بإمكاننا رؤية أو سماع أي شيء. وللوهلة الأولى، ظننت أن طفلي فارس قد مات، لكنه بقى حياً بعد أن كاد يختنق من الغبار الذي عمّ المكان". 

في غزة، لا يُفسَّر معدّل البتر الاستثنائي بإصابات القوة المؤلمة الناجمة عن القصف الإسرائيلي المتواصل فحسب، بل بالحروق والالتهابات الناتجة عنها أيضاً. ولم يكن من الضروري إجراء الكثير من عمليات البتر. وفي هذا الصدد، قال الدكتور فيروز سيدهوا، متحدثاً من غزة، إنه رأى الكثير من الأطفال يفقدون أطرافهم التي كان من الممكن إنقاذها في ظروف أخرى. وأشار إلى أنّ القوة التدميرية للأسلحة، ومعدلات العدوى المرتفعة في ظل الظروف الصحية في المستشفيات، وندرة المعدات الطبية اللازمة، وسوء التغذية، هي الأسباب الرئيسة التي تساهم في بتر الأطراف. وأضاف: "من الصعب جداً التئام جرحٍ ما إذا لم تتناول البروتين لمدة أسبوع، فما بالك بـ15 شهراً".

وأوضح الدكتور ثائر أحمد، وهو طبيبٌ آخر عمل في غزة، أنّ علاج الحروق يتطلب مواردَ كثيرةً غالباً ما تكون غير متوفرة؛ وأنه في الظروف العادية، قد يكون الطبيب مستعداً للتساهل مع العدوى الناتجة عن الحروق، نظراً لإمكانية علاجها عادةً. ولكن، نظراً للضغط الواقع على النظام الصحي والأطباء في غزة، يُعدّ البتر علاجاً سريعاً نسبياً مقارنةً بالعلاجات الأخرى. وبالتالي، قد لا نعلم أبداً عدد الأطفال الذين يعانون من إصابات قابلة للعلاج، والتي ربما كانت تؤدي في ظروف مختلفة إلى احتفاظهم بأطرافهم.

قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانت غزة تعيش وضعاً صعباً. وبالنسبة إلى الكثيرين، كان التعليم السبيل الوحيد لحياة أفضل، وهذا ما قد يُفسر تجاوز معدلات التعليم للبالغين في غزة نسبة 97.8%. كما انعكس مستوى التحصيل التعليمي في البنية التحتية الطبية المتطورة نسبياً في القطاع. وأفادت منظمة "أطباء بلا حدود" بأنه قبل الهجوم الإسرائيلي، كان هناك 36 مستشفى تقدّم خدماتها لـ2.3 مليون نسمة في غزة، أي بمعدل مستشفى واحد لكل 60,500 نسمة؛ في حين يتمتع سكان الولايات المتحدة بإمكانية وصول أكبر، أي بمعدل مستشفى واحد لكل 23,500 نسمة، إلا أن تطور قطاع الرعاية الصحية تجاوز التوقعات في ظل الحصار الإسرائيلي الطويل على القطاع الفقير.

واليوم، لم يعد معظم تلك البنية التحتية قائماً. وستتطلب إعادة إعمار غزة أكثر من 50 مليار دولار أميركي على مدى 10 سنوات، وفقاً لتقييم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. هذا عدا عن خسارة رأس المال البشري، والأطباء والممرضين، والأشخاص الذين يُعلّمونهم ويشرفون على تدريبهم. وذكرت صحيفة "الغارديان" أن أكثر من 1000 عامل في مجال الرعاية الصحية قُتلوا على يد "الجيش" الإسرائيلي. ومن بين 36 مستشفى في غزة، لا يعمل سوى 16 مستشفى بشكل جزئي اليوم، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة. وإذا كان الأشخاص ذوو الإعاقة الذين أصيبوا بجروح خطيرة في غزة قادرين على عيش حياة كريمة ومنتجة قبل عام 2023، فإن ذلك يبدو مستحيلاً اليوم. 

وقد عملت منظمات مثل "شفاء فلسطين" (Heal Palestine) وصندوق إغاثة أطفال فلسطين (Palestine Children’s Relief Fund) بجدٍّ، على الرغم من الصعوبات الكبيرة لتلبية بعض الاحتياجات. ووصف ستيف سوسبي، رئيس مؤسسة "شفاء فلسطين"، عمل المنظمة بالشامل. ويدير موظفوها مستشفى ميدانياً في غزة، فضلاً عن برنامج للصحة النفسية ومطابخ لتحضير الطعام. كما سهّلت المؤسسة إجلاء 37 طفلاً مصاباً بجروح خطيرة ورعايتهم. وتواصل تقديم الرعاية النفسية لهم حتى بعد شفاء جروحهم الجسدية. وأوضح سوسبي قائلاً: "نوفر لهم الرعاية الطبية التي يحتاجونها، لكنهم لا يستطيعون الحصول عليها. كما نقدم لهم نهجاً شاملاً لشفائهم، يشمل العلاج النفسي والتعليم والدعم المجتمعي".

إنّ الكثير ممن فروا من غزة لتلقي العلاج الطبي ــ بمن فيهم الأطفال الذين التقيتهم في الولايات المتحدة ومصر، غادروا قبل أن تجتاح القوات الإسرائيلية حدود رفح مع مصر في أيار/مايو من العام الماضي. وتضمّنت طلبات إجلائهم لأسباب طبية سلسلة طويلة من التنسيق عبر وزارة الصحة في غزة، والحكومة المصرية، ومنظمة الصحة العالمية، و"الجيش" الإسرائيلي. وكانوا يسافرون عادةً إلى معبر رفح الحدودي مع مصر، ومن هناك يُنقلون في سيارات إسعاف تقطع مسافة 6 ساعات بالسيارة من الحدود إلى القاهرة.

التقيتُ مالك، صبي صغير في الثامنة من عمره، أُصيب إصابة بالغة في رأسه إثر قصف منزله في غزة، بإحدى ضواحي القاهرة. نُقل إلى الولايات المتحدة حيث أجرى له الأطباء عملية جراحية لتقويم الجمجمة وغطت شريحة خاصة من مادة التيتانيوم معظم مؤخرة رأسه. وبعد 3 أشهر من العلاج في فلوريدا، عاد هو ووالدته إلى مصر في آب/ أغسطس من العام الماضي. كان مالك يعاني من صعوبة في الكلام، لكنه كان قد استعاد قدرته على المشي مرة أخرى بحلول الوقت الذي التقينا فيه، ورافقني إلى المتجر لشراء الشوكولاتة له ولأخواته.

وتُعد الحياة في مصر أفضل لمن يعانون من إصابات تُغير مجرى حياتهم مقارنةً بغزة، لكن البنية التحتية العامة هناك لا تكفي لتلبية احتياجات الأشخاص من ذوي الإعاقات. وفي هذا السياق، تحدثتُ مع عالم أعصاب يُدير مختبراً في جامعة بحثية كبيرة في فيلادلفيا. طلب ​​عدم الكشف عن هويته نظراً لاعتماد مختبره على التمويل المُقدّم من المعاهد الوطنية للصحة، وهو تمويل مُعرّض للخطر في ظلّ إدارة ترامب. وأوضح قائلاً: "يعتمد نموّ الدماغ على عملية تحسين الروابط الخلوية بعد الولادة، وتتمتع أدمغة الأطفال بمرونة ملحوظة، ويمكنها التعافي من مشكلات لم تستطع أدمغة البالغين التعافي منها.. ولكن هناك حدود لقدرة الدماغ على إصلاح الضرر وإعادة التأهيل".

وقال إنّ المرضى الذين تعرضوا لإصابات في الدماغ يحتاجون لسنوات من الدعم من "المعالجين الفيزيائيين واختصاصيي العلاج الوظيفي والأطباء المدربين لتحقيق أقصى قدر من التعافي". هذا بالإضافة إلى اختصاصيي علم نفس الأطفال المكلفين بمعالجة اضطرابات ما بعد الصدمة المصاحبة للصدمة.

وأوضح الدكتور حازم ماضي، وهو طبيب فلسطيني من غزة تمكّن من الفرار إلى القاهرة في شباط/فبراير 2024، أنّه في حين تستطيع المستشفيات الخاصة في العاصمة المصرية توفير رعاية صحية عالية الجودة، فإن الكثير من المستشفيات الحكومية تعجز عن ذلك. كما أن الوصول إلى اختصاصيي العلاج الوظيفي واختصاصيي علم نفس الأطفال محدود.

وأفاد تقرير لمنظمة العفو الدولية بأن "نظام الرعاية الصحية العام في مصر يعاني من نقص في أسرّة المستشفيات العامة، بحيث لا يوفر سوى 1.4 سرير لكل 1000 شخص، وهو أقل بكثير من المتوسط ​​العالمي البالغ 2.9 سرير لكل 1000 شخص". وبالتالي، يُعدّ مالك أكثر حظاً من غيره. فقد سهّلت مؤسسة "شفاء فلسطين" علاجه النفسي والجسدي المستمر في القاهرة.

وإلى جانب الرعاية الطبية، لا تسمح السلطات المصرية للاجئين الفلسطينيين من غزة، البالغ عددهم نحو 100 ألف شخص، بتسجيل أطفالهم في المدارس الحكومية. وكان مالك وشقيقتاه يدرسان عن بُعد، بَعد أن نجح المعلمون في غزة في تنظيم التعلم الافتراضي، وإن كان بشكل عشوائي وغير متساوٍ.

بالإضافة إلى ذلك، تبرز مشكلة صعوبة كسب لقمة العيش. إذ تعتمد عائلة مالك على مؤسسة "شفاء فلسطين" لتوفير سكن لها. لكن هذه المساعدة لن تدوم إلى الأبد؛ فالفلسطينيون في مصر يفتقرون إلى تصاريح إقامة ولا يستطيعون العمل. وبالتالي، فإنّ وضعهم، كما هي الحال في كثير من جوانب حياتهم، محفوف بالمخاطر.

تعرّضت آمنة للكثير من الصعوبات، بحيث انفصلت عن زوجها وأولادها المصابين لفترة وخسرت طفلها الرضيع الذي توفي نتيجة نقص في الأكسجين وعدم توفره في المستشفيات. وبعد فترة وجيزة، حصلت آمنة على إذن لمغادرة غزة مع إلياس وتالين. بعد ذلك، سُمح لخالد بالسفر جنوباً في سيارة إسعاف مع ابن عمه المصاب، وانضم إلى والدته وإخوته في القاهرة. وبقي والد الأطفال في جباليا، التي تعرضت للقصف مرة جديدة هذا الشهر. تسجل إلياس وتالين وخالد في مدرسة في فيلادلفيا، وقد تخضع تالين لعملية جراحية أخرى في الربيع، في محاولة لإنقاذ ساقها.

في تشرين الثاني/نوفمبر2024، سافر مئات الإسرائيليين إلى أمستردام لمشاهدة مباراة كرة قدم. وقد حظوا باهتمام كبير عندما هاجموا، وتعرضوا لهجوم مضاد من السكان المحليين هناك. ومع ذلك، لفت انتباهي في كل التقارير أمر واحد مستفز وهو غناء الإسرائيليين: "لماذا المدارس مغلقة في غزة؟"، فيجيبون: "لأنه لم يبقَ أطفال فيها". 

معظم الأطفال الصغار الذين قابلتهم أثناء كتابة هذه القصة كان يحملون نظراتٍ ملؤها الخوف والرعب. سألتهم أسئلةً مثل: "ما هواياتكم؟" و"ما هو برنامجكم التلفزيوني المفضل؟"؛ كانوا يقابلونني بنظراتٍ فارغة. فإلى جانب إصاباتهم الجسدية، تعرّضوا لخسارة لا توصف، تمثلت في تدمير مدارسهم وأحيائهم، واستشهاد الكثير من أحبائهم وإخوتهم وأصدقائهم. 

إذا كانت الطفولة زمناً من البراءة، وآلاماً صغيرة وأفراحاً، وقلقاً في الملاعب ودراما مبالغاً فيها، فإن المشجعين الإسرائيليين، على الرغم من كل حقدهم، كانوا على حق؛ إذ لم يعد للطفولة مكان في غزة.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

 

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.