"الغارديان": صفقة "تيك توك" تضع المزيد من وسائل الإعلام تحت رحمة الأثرياء
ترامب يمهّد الطريق أمام المستثمرين الأميركيين للسيطرة على منصة تحظى بشعبية كبيرة ويحصل من خلالها الملايين على أخبارهم.
-
"الغارديان": صفقة "تيك توك" تضع المزيد من وسائل الإعلام تحت رحمة الأثرياء
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يتناول سيطرة الأثرياء والمستثمرين على وسائل الإعلام الحديثة وتأثير ذلك على الأخبار والمعلومات، مع التركيز على منصة "تيك توك" في الولايات المتحدة.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
في عام 2020، كانت نسبة ضئيلة من الأميركيين تتابع الأخبار عبر منصة "تيك توك". أما اليوم، فقد ارتفعت هذه النسبة بشكل كبير لتصل إلى 1 من كلّ 5. وبالنسبة للشباب، فإن هذه الأرقام أعلى بكثير، حيث يحصل نحو نصف البالغين دون سن الـ30 على الأخبار عبر هذه المنصة، وفقاً لمركز "بيو" للأبحاث (Pew Research Center). ولكن من سيمتلك هذا المصدر المؤثّر للمعلومات؟ كما هو الحال مع الكثير من وسائل الإعلام الأميركية، من شبكات التلفزيون إلى بعض أكبر الصحف، فإنّ الإجابة تتشكّل لتكون بسيطة وقصيرة مثل أيّ مقطع فيديو يُعرض على "تيك توك": فاحشو الثراء.
ومع تحرّك الرئيس ترامب هذا الأسبوع لتمهيد الطريق لبيع أصول المنصة في الولايات المتحدة لمجموعة من المستثمرين الأميركيين، ينذر هذا الواقع المنتشر المتمثّل في سيطرة الأوليغارشية على وسائل الإعلام بأن يصبح أكثر تطرّفاً. وأحد هؤلاء المستثمرين هو الملياردير لاري إليسون، المتبرّع لحملة ترامب الانتخابية والذي تمتلك شركة ابنه الإعلامية قناة "سي بي أس نيوز" (CBS News) ويُقال إنه يخطط للاستحواذ على شركة "وارنر براذرز ديسكفري" (Warner Bros Discovery)، التي تمتلك بدورها قناة "سي أن أن" (CNN). كما يُقال إنّ المستثمر الآخر هو روبرت مردوخ وابنه لاكلان، المخلصان لليمين والمعروفان بسيطرتهما على قناة "فوكس نيوز".
وقد وصف وزير العمل الأميركي السابق روبرت رايش الوضع بوضوح، وكتب على منصة "تويتر": "أغنى رجل في العالم يمتلك منصة (إكس). وثاني أغنى رجل في العالم يوشك أن يصبح مالكاً رئيسياً لمنصة (تيك توك)". أما ثالث أغنى رجل في العالم، فيمتلك (فيسبوك) و(إنستغرام) و(واتسأب). ورابع أغنى رجل في العالم يمتلك صحيفة (واشنطن بوست)". كان يقصد بالطبع ماسك وإليسون ومارك زوكربيرغ وجيف بيزوس.
سبق ورأينا ما يحدث عندما يسيطر أصحاب المليارات على وسائل الإعلام، ويظلون ملتزمين بالحصول على المزيد من المال والقوة. لقد نجح بيزوس في تحويل قسم الرأي في صحيفة "واشنطن بوست" إلى اليمين بشكل جذري، في إطار سعيه للحصول على ودّ ترامب. وفي الخريف الماضي، سحب المؤسس المشارك لشركة "أمازون" مسوّدة تأييد لكامالا هاريس، ثم عيّن في وقت لاحق محرّر رأي تسبّب في طرد بعض الصحافيين الأكثر احتراماً في الصحيفة. إضافة إلى ذلك، غيّر ملياردير آخر، وهو باتريك سون شيونغ، مضمون الآراء المقدّمة في صحيفته، "لوس أنجلوس تايمز" (Los Angeles Times) خلال فترة تقرّبه من ترامب.
ولا يقتصر الأمر على الأفراد الأثرياء الذين يسيطرون على شركات الإعلام الكبرى. فحتى الصحف المحلية باتت مملوكة إلى حدّ كبير وبشكل مطّرد لسلاسل إعلامية كبيرة، بدلاً من العائلات المحلية التي كانت تملك ذات يوم حصة في المجتمعات التي تخدمها صحفها. إنها مسألة توحيد وسائل الإعلام والسلطة والمال.
تخضع قناة "إيه بي سي نيوز" (ABC News) لسيطرة شركة "ديزني" (Disney)، ومن هنا صدرت القرارات الأخيرة بتسوية دعوى التشهير التي رفعها ترامب، وتعليق عمل مقدّم البرامج التلفزيونية جيمي كيميل بعد تصريحاته على الهواء مباشرة بعد مقتل المحرّض اليميني المتطرّف تشارلي كيرك.
وفي ما يتعلّق بتطبيق "تيك توك"، تُعدّ السيطرة على الخوارزمية المهمة والتي تُحدّد تجربة المستخدمين عند استخدامهم للمنصة، من أكبر التساؤلات. لم تُبرم الصفقة بعد، وهي تنطوي على الكثير من العناصر المتغيّرة. ولا يُمكن لأيّ أمر تنفيذي من ترامب إتمامها، إذ من المُرجّح أن تُؤدّي الخطة إلى إنشاء نسخة أميركية من منصة "تيك توك" الصينية، المملوكة لشركة "بايت دانس" (ByteDance). ولا يزال يتعيّن على المسؤولين الصينيين الحصول على موافقة؛ لكنّ جميع الظروف مؤاتية.
وفي هذا الصدد، قالت إيما بريانت من جامعة نوتردام لصحيفة "واشنطن بوست": "من المثير للقلق مدى السرعة التي يستحوذ بها أباطرة الإعلام على مساحة المعلومات في وقت نشهد قمعاً لحرية التعبير على نطاق أوسع. إنهم يستولون على البنية التحتية التي يحدث من خلالها النقاش السياسي، ويسعون إلى السيطرة على المزيد". وفي حين يصعب قياس الرقابة الذاتية، فإنّ مثل هذه التحرّكات نحو الملكية قد تشجّع صنّاع القرار داخل هذه الشركات المؤثّرة على التراخي في اتخاذ القرارات بدلاً من نشر التقارير من دون خوف أو محاباة.
لديّ شكوكٌ جديةٌ حول ما إذا كانت مقاطع الفيديو القصيرة على "تيك توك"، المُخصصة للمشاركة الواسعة، تُعدّ وسيلةً مثاليةً لإيصال الأخبار إلى الجمهور. فهذا الشكل لا يُضفي تفاصيلَ دقيقةً أو سياقاً مُحدّداً، وهي صفات نادرة أصلاً. لكن تطبيق "تيك توك" يتمتع بشعبية واسعة وتأثير كبير، وهو يواصل انتشاره في عصرنا الذي يشهد تقلّصاً مستمراً في مدى الانتباه. وهذا أمر بالغ الأهمية.
وقد زعم البيت الأبيض أنّ المستثمرين الأميركيين الجدد فاحشي الثراء في "تيك توك" وطنيون يُحبّون بلادهم. لكننا نعلم ما الذي يُحبونه أيضاً. إنه شيء لا يأتي باللون الأحمر والأبيض والأزرق، بل بدرجة مألوفة من الأخضر.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.