"المونيتور":ما هو مستقبل العلاقات التكنولوجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج؟
يُروَّج الكثير من الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين بشكل مبالغ فيه، وهي تفتقر إلى التفاصيل وتثير مخاوف الأمن القومي؛ ولكن في حال نجحت، فإنها قد تضع منطقة الخليج في مركز القوة الثالث في مجال الذكاء الاصطناعي.
-
"المونيتور":ما هو مستقبل العلاقات التكنولوجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج؟
موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يتناول التحول الاستراتيجي في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وبالأخص الإمارات والسعودية، نحو شراكة تكنولوجية متقدمة تركز على الذكاء الاصطناعي، وذلك في أعقاب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة في عام 2025.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في اليوم التالي لتنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كانون الثاني/ يناير 2025، كشف البيت الأبيض عن مشروع "ستارغيت"، وهو مشروع بقيمة 500 مليار دولار يتولى قيادته القطاع الخاص لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة. وبعد 4 أشهر، أصبح المشروع عالمياً عندما أعلنت شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) في 22 أيار/ مايو أنّ هذا المشروع سيتوسع إلى الإمارات العربية المتحدة، من خلال بناء مركز بيانات ضخم في أبو ظبي.
يُعدّ إطلاق مشروع "ستارغيت الإمارات" دليل العصر، إذ يأتي بعد أسبوع من جولة ترامب رفيعة المستوى عبر السعودية وقطر والإمارات، والتي خلّفت وراءها سلسلةً من الصفقات والتعهدات التي تصدرت عناوين الصحف، والتي تجاوز مجموعها 3 تريليونات دولار. وكان محور هذه الزيارة التكنولوجيا على عكس الزيارات الرئاسية السابقة للمنطقة التي لطالما كان محورها النفط والتسلّح والأمن والصراعات.
وقد أبرمت شركات وادي السيليكون العملاقة صفقاتٍ متتالية مع دول الخليج الغنية بالنفط، التي تسعى جاهدةً لإعادة تشكيل نفسها كقوى عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي. ويمكن أن تُمثل هذه الصفقة الضخمة في الوقت الراهن نقطة تحول في الشراكة التكنولوجية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وتُرسخ مكانة المنطقة في فلك التكنولوجيا الأميركية. وعلى الرغم من أنّ الأرقام التي ذُكرت تثير الدهشة، إلا أن الكثير من الاتفاقيات يروّج لها بشكل مبالغ فيه وتفتقر إلى التفاصيل.
أما النتيجة الأبرز والأكثر تأثيراً من زيارة ترامب، فكانت اتفاقيات بيع رقائق ذكاء اصطناعي متطورة لدول الخليج. ومن شأن هذه الخطوة أن تمنح الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية القدرة على الوصول إلى الأجهزة الأميركية عالية المستوى التي جرى فرض قيود عليها في عهد إدارة بايدن، وتوفر الأساس لإنشاء بنية تحتية متطورة للذكاء الاصطناعي.
ومن بين الصفقات الأميركية - الإماراتية المُعلن عنها، خطة لبناء أحد أكبر مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في العالم في أبوظبي. وفي الوقت نفسه، وقّعت شركة الذكاء الاصطناعي السعودية الحكومية "هيومين" (Humain)، التي أُطلقت حديثاً، اتفاقيات مع شركتي صناعة الرقائق "إنفيديا" (Nvidia) و"إيه إم دي" (AMD) لإنشاء بنية تحتية ومصانع للذكاء الاصطناعي في المملكة. وفي حال تحقّقت كل هذه الجهود، فقد تُعزز مكانة الخليج في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي الذي تُهيمن عليه حالياً كلّ من الولايات المتحدة والصين.
في المقابل، تركت رحلة ترامب الكثير من الأسئلة من دون إجابات واضحة. في حديثه إلى موقع "المونيتور"، تساءل أليكسيس سيرفاتي، مدير قسم الجيولوجيا التقنية في مجموعة "أوراسيا" (Eurasia Group) ومقرها نيويورك: "هل ستُنجز معظم المشاريع، إن لم تكن جميعها، في نهاية المطاف؟ وإذا تحقق ذلك، هل ستصبح دول الخليج في مركز القوة الثالث في مجال الذكاء الاصطناعي؟"
لا تزال منطقة الخليج متخلفة كثيراً عن الولايات المتحدة والصين، القوتين العظميين في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم. ولكن بعد زيارة ترامب، يشير سيرفاتي إلى أن هناك إمكانية لأن يحل الخليج محل الاتحاد الأوروبي ومناطق أخرى كمنطقة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في حال نجحت المشاريع الجديدة.
وتتجاوز انعكاسات هذه الرحلة الذكاء الاصطناعي. إذ تأمل دول الخليج أن تُعزز هذه الاستثمارات التكنولوجية جهودها الرامية إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الوقود الأحفوري. وفي هذا الإطار، قال جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي لدى شركة "كابيتال إيكونوميكس" (Capital Economics) لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لموقع "المونيتور": "بعد جولة ترامب الأخيرة، يبدو أن الاهتمام بالذكاء الاصطناعي ومكاسب التكنولوجيا الأوسع في الخليج يمثل مجالاً جديداً للتركيز للمساعدة في تنويع اقتصاداتها".
الصين ورقائق الذكاء الاصطناعي والتساؤلات
قد تُشكّل صفقات ترامب في منطقة الخليج انتكاسةً لبكين في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تعمل فيه الصين على تضييق الفجوة مع الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي المدفوع بالصعود الهائل لشركة "ديب سيك" (DeepSeek) في عام 2025. إلا أنّ البعض في واشنطن يدق ناقوس الخطر بشأن الأمن القومي وسط مخاوف من أن التكنولوجيا الأميركية الحساسة التي يجري نقلها إلى منطقة الخليج قد تصل إلى الصين.
وفي حين أن اتفاقيات ترامب تتضمن، بحسب التقارير، صيغة تمنع الشركات الصينية من الوصول إلى الرقائق، ذكرت وكالة "بلومبرغ" في 15 أيار/ مايو أن بعض كبار المسؤولين في الإدارة يسعون إلى إبطاء وتيرة تنفيذ هذه الصفقات بسبب الخوف من عدم فرض واشنطن حواجز كافية لمنع بكين من الاستفادة من عمليات نقل التكنولوجيا الإقليمية. وقد برزت هذه المخاوف بشكل كبير في ظل إدارة بايدن، التي لعبت دور الوسيط في اتفاقية مع الإمارات العربية المتحدة لتقليص العلاقات التكنولوجية مع الصين كجزء من الاستثمار الاستراتيجي لشركة "مايكروسوفت" بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة الذكاء الاصطناعي "جي 42" (G42) في أبو ظبي في عام 2024. في المقابل، قدمت المملكة العربية السعودية تنازلات أقل.
وينص بيان صادر عن وزارة التجارة الأميركية بشأن الشراكة الجديدة بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة لتسريع الذكاء الاصطناعي، والتي تم الاتفاق عليها خلال محطة ترامب في أبو ظبي، على أن الحكومتين "ستعملان على تعزيز التعاون حول التقنيات الحيوية وضمان حماية هذه التقنيات على أساس مجموعة من الالتزامات المشتركة" وأنه سيتم تشكيل مجموعة عمل مشتركة في غضون 30 يوماً للإشراف على عملية تطبيقها.
وقال سيرفاتي، الذي أشار إلى أنه يشعر بأن دول الخليج ستوافق على نوع من سيطرة الحكومة الأميركية على الوصول إلى مراكز البيانات التي تستخدم الرقائق الأميركية: "في ما يخص حواجز الحماية، لا يزال هناك بعض التفاصيل الرئيسة التي يتعين رؤيتها، ولكنها ستكون تحت السيطرة".
بالنسبة لإدارة ترامب، تبدو الحسابات الاستراتيجية واضحة. وقد أوضح سيرفاتي أنّ صفقات الرقائق قيد التفاوض تُعدّ وسيلة لتحقيق غاية تتمثل في ضمان استخدام الدول الطموحة في مجال الذكاء الاصطناعي للمنتجات الأميركية بدلاً من البدائل الصينية. و"هذا هو الفوز الحقيقي لإدارة ترامب، وهو أكثر أهمية من أي ضمانات".
هناك سؤال آخر يطرح نفسه: ما الذي سيحدث لاحقاً لقوانين الرقائق الأميركية مع قيام فريق ترامب بتعديل قانون انتشار الذكاء الاصطناعي الذي أُلغي مؤخراً في عهد بايدن، والذي فرض ضوابط تصدير على مبيعات الرقائق إلى الشرق الأوسط. لا شك في أن تطوير نهج جديد سيكون أكثر تحدياً من إبرام صفقات مع دول الخليج. وحول المهمة التي تنتظر الإدارة، قال سيرفاتي: "لا يمكنها اتباع نهج ثنائي في المفاوضات كما فعلت مع الإمارات والسعودية. فهي لا تملك الموارد ولا الوقت الكافي. لقد كان قانون الانتشار مفيداً في هذا الصدد، على الرغم من كل عيوبه".
انتقال التصنيع
على الرغم من أن طفرة مراكز البيانات في الخليج تتقدم، إلا أن تصنيع الرقائق الإلكترونية لا يزال شبه معدوم في المنطقة، حتى الآن. وقد لجأت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى شركات تصنيع الرقائق الإلكترونية العالمية. وفي أيلول/ سبتمبر 2024، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن شركتي " Taiwan Semiconductor Manufacturing" و" Samsung Electronics" العملاقتين دخلتا في محادثات بشأن مشاريع ضخمة محتملة لتصنيع الرقائق في الإمارات العربية المتحدة بتكلفة قد تتجاوز 100 مليار دولار، وهو تطور من شأنه إحداث تغيير جذري في قطاع أشباه الموصلات العالمية.
ويبقى أن نرى إذا ما كان تنامي الروابط بين الولايات المتحدة ومنطقة الخليج سيحفّز مشاريع أشباه الموصلات الإقليمية، التي ستواجه عقبات تتعلق بالكفاءات والمعرفة التقنية وسلاسل التوريد. كما أن سياسة "أميركا أولاً" التي تبناها ترامب قد تُعقّد هذه الخطط. وقد فتحت إدارته مؤخراً تحقيقاً بشأن واردات أشباه الموصلات، وهو ما يُرجّح أن يكون تمهيداً لفرض رسوم جمركية تهدف إلى إعادة إنتاج الرقائق الإلكترونية إلى الداخل. ومع ذلك، لا يزال بإمكان دول الخليج الاستفادة من تحالفها الوثيق مع إدارة ترامب.
وكما صرّح محمد سليمان، الباحث البارز في مجال التكنولوجيا بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، لموقع "المونيتور" في نيسان/ أبريل، فإنّ الطريق قد يكون مُهيّأً للتعاون في مجال تصنيع الرقائق. وقال: "أتصوّر سيناريو تظهر فيه دولة الإمارات العربية المتحدة كجزء من قاعدة صناعية تكنولوجية متحالفة مع الولايات المتحدة تساعد في تنويع التركيز المفرط لإنتاج الرقائق في منطقة شرق آسيا".
الفائزون والخاسرون والدروس المستفادة
على الرغم من أن دول الخليج تبدو وكأنها حققت مكاسب استراتيجية خلال زيارة ترامب، فإن طموحات الإمارات العربية المتحدة في مجال التكنولوجيا قد تكون الرابح الأكبر، نتيجة الضغط الهائل الذي فرضه الإماراتيون على ترامب في أوائل عام 2025.
وفي هذا السياق، قال سوانستون من شركة "كابيتال إيكونوميكس" (Capital Economics): "إذا اعتمدنا تصنيفاً نسبياً، فقد تكون الإمارات العربية المتحدة في وضعٍ أفضل لتبني الذكاء الاصطناعي ونشره والاستفادة منه، نظراً لاقتصادها المتنوع وقطاع خدماتها العريض، إضافة إلى حجم ميزانيتها الواسع للإنفاق. وقد يكون أمام المملكة العربية السعودية المزيد من العمل الذي يتعين عليها القيام به، وربما لا تزال جهودها في تنويع اقتصادها تسير بوتيرة بطيئة".
وعلى الرغم من أن البعض يخشى أن يؤدي إرسال الرقائق إلى منطقة الخليج في نهاية المطاف إلى تقويض طموحات الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، لا تزال الشركات الأميركية قادرة على الاستفادة. فعلى سبيل المثال، قد ترى شركة "إنفيديا" (Nvidia) أن الطلبات الضخمة من الخليج ستشكل حاجزاً أمام خسارة أعمالها في الصين في ظل توتر العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، لا بدّ من توخي الحذر. إذ لم تُوفِ القمم الخليجية السابقة رفيعة المستوى دائماً بوعود إبرام الصفقات. وللتوضيح، قام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بجولة في الخليج عام 2023، وحصل على تعهد من الإمارات العربية المتحدة باستثمار 50 مليار دولار في الاقتصاد التركي، إلا أن هذه الخطوة لا تزال عالقة حتى الآن.
في الوقت الحالي، تراهن القوى الخليجية على قدرتها على القفز إلى عصر الذكاء الاصطناعي باستخدام الأجهزة الأميركية، ما قد يجعل زيارة ترامب الرئاسية التاريخية نقطة تحول في الطموحات الإقليمية. وقد تبرز التأثيرات الواضحة الأولى في شكل شحنات الرقائق في وقت لاحق من هذا العام، في حين قد يستغرق تحقيق الرؤية الأكبر، المتمثلة في مراكز الذكاء الاصطناعي ومصانع الرقائق والمنتجات المبتكرة التي ستكون بمنزلة محفزات جديدة للنمو الاقتصادي، وقتاً أطول بكثير.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.