"ذا إيكونوميست": من هي المدن الرابحة من الحرب؟
تصنيع الأسلحة يُنعش ثلاث مدن في أوروبا. ما هي؟ وما التأثيرات السلبية لارتفاع الإنفاق الدفاعي الأوروبي؟
-
الحرب في أوكرانيا أدّت إلى ازدهار صناعة الدفاع في أوروبا
مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية تنشر مقالاً يناقش الآثار الإيجابية والسلبية لانتعاش الصناعات الدفاعية على المدن الأوروبية الصغيرة نتيجة زيادة الإنفاق العسكري في أوروبا.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
تقع بلدة بورغيس المرصوفة بالحصى في "القطر الخالي" بفرنسا: تلك المساحة المركزية من الأراضي الزراعية التي يمر بها سكان المدينة بسرعة في طريقهم إلى مكان آخر.
في عام 1860، قرّر نابليون الثالث بناء مسبك مدافع وترسانة هناك، في مكان آمن بعيداً عن الحدود الشرقية الهشة لفرنسا.
كانت بورغيس، التي يبلغ عدد سكانها 64 ألف نسمة فقط، تعاني حتى وقت قريب من فقدان الوظائف بسبب قلة طلبات مصنّعي الأسلحة. يتذكّر سيرج ريتشارد، رئيس غرفة التجارة المحلية، قائلاً: "كانت هناك فترة طويلة من الكساد".
ومع ذلك، فإن بورغيس اليوم على أعتاب انتعاش ملحوظ. ترفع حكومات أوروبا إنفاقها الدفاعي في مواجهة العدوان الروسي والتقلّبات الأميركية. تستعدّ المدن المعتمدة على الدفاع، والتي اعتادت منذ فترة طويلة على التراجع الصناعي، للعكس. توضح ثلاثة أماكن، في فرنسا وألمانيا وبولندا، الإمكانات الهائلة، ولكن أيضاً الضغوط التي يمكن أن يجلبها ذلك.
تستعد بورغيس لازدهار اقتصادي. تُدير شركتان أوروبيتان كبيرتان في مجال الدفاع مصانع هناك بالفعل: شركة "MBDA"، وهي شركة تُصنّع الصواريخ وأنظمة الصواريخ، وشركة "KNDS"، وهي شركة فرنسية ألمانية تُصنّع مدافع الهاوتزر "CAESAR" وقذائف من عيار 155 ملم. ومن المتوقّع أن تستثمر الشركتان معاً مبلغاً ضخماً قدره مليار يورو (1.1 مليار دولار) محلياً على مدى السنوات الخمس المقبلة. وعندما أُبلغ يان غالوت، عمدة المدينة اليساري، بهذه المبالغ، قال: "كدت أن أسقط من على كرسيّي. مليار يورو، هل تُصدّقون ذلك؟".
وعلى مشارف المدينة، تهدم شركة "MBDA" المباني القديمة في موقع مجاور لمبانيها الحالية بهدف التوسّع. وفي جميع أنحاء المدينة، ضاعفت شركة "KNDS" إنتاج مدافع "CAESAR" ثلاث مرات منذ عام 2022. ومن المتوقّع أن تُضيف الشركتان معاً 2500 وظيفة على مدى السنوات الخمس المقبلة.
تمتدّ التأثيرات إلى ما هو أبعد من بورغيس لتشمل العشرات من المقاولين الفرعيين الصغار الذين يزوّدون العمالقة، ويشير فرانسوا كورمييه بوليجون، عضو البرلمان المحلي، إلى أنّ هذا التوسّع هائل.
وهذا أمر مرحّب به في معظم النواحي. ستكون الوظائف الجديدة ماهرة وذات رواتب جيدة. وقد استفادت بورغيس بالفعل من الطلبات الجديدة في الشركات، وذلك بفضل زيادة ميزانية الدفاع لمدة سبع سنوات والتي بدأت في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون في عام 2019. وانخفض معدل البطالة من 10.3% في عام 2015 إلى 6.7% في الربع الثالث من عام 2024، وهو أقل من المتوسط الوطني.
ولكنه يجلب تحدّيات أيضاً. أحدها هو تقديم الخدمات كدور الحضانة والمدارس والإسكان والأطباء. وقد كتب غالوت إلى رؤساء بلديات 54 مدينة فرنسية أخرى تعتمد على الدفاع لتنسيق عرض للحصول على مساعدة حكومية إضافية.
أما التحدّي الآخر فهو المهارات. فلكي يستفيد السكان المحليون، يحتاجون إلى برامج تدريبية وفرص تدريب مهني مناسبة. وقد أبلغ رؤساء الشركات بالفعل عن صعوبات في التوظيف. ويخشى بعض السكان من ارتفاع أسعار العقارات.
تتوافق هذه المخاوف مع تلك الموجودة في أونترلوس، وهي بلدة ألمانية مورقة بالقرب من هانوفر محاطة بغابة لوسوالد. صوت الضربات المنتظمة للطلقات التجريبية هو الموسيقى التصويرية للحياة هناك، حيث أكبر موقع إنتاج لشركة الدفاع الألمانية العملاقة، "راينميتال". تهدر الشاحنات الثقيلة عبر المدينة؛ وتؤدي حركة مرور الركاب إلى الشركة إلى ازدحام الطرق في ساعة الذروة. ستوظف راينميتال قريباً عدداً من الموظفين في مصنعها الموسّع - نحو 3500 - تقريباً مثل عدد سكان أونترلوس. وكما هو الحال في بورغيس، فإن هذا يمثّل عبئاً ونعمة في الوقت نفسه.
تتضمّن خطة التوسّع الطموحة لشركة "راينميتال" مصنع ذخيرة جديداً في المدينة، ليضاف إلى تلك التي تصنع بالفعل مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع بالإضافة إلى "لينكس" و"بوما"، وهما نوعان من المركبات المدرّعة. حضر حفل الافتتاح العام الماضي أولاف شولتز، المستشار الألماني آنذاك، وبوريس بيستوريوس، وزير الدفاع. منذ ذلك الحين، ازدادت الضجة والازدحام.
وتوظّف الشركة الآن مئات العمال المهرة وغيرهم بأجور جيدة. تستثمر كاترينا إيبيلينغ، عمدة أونترلوس الديمقراطية المسيحية، 1.3 مليون يورو هذا العام لتجديد محطة القطار وإجراء تحسينات أخرى لمساعدة المدينة على التكيّف.
ومع ذلك، يبدو أنّ العديد من السكان المحليين غير راضين. في الانتخابات الفيدرالية الأخيرة، صوّت 35.7% لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرّف، وهو ما يفوق بكثير المتوسط الوطني البالغ 20.8%. يوجد في المدينة عدد قليل من المتاجر والمقاهي والكنائس. لذلك يعاني السكان المحليون من الضوضاء والتلوّث من دون فوائد مباشرة.
أما في بولندا المجاورة، فالتحدّيات مختلفة نوعاً ما. إذ تعمل البلاد على زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. لكنها تشتري معظم معداتها من الخارج.
إنّ التعامل مع "عائدات الدفاع" مشكلةٌ مُلِحّةٌ تواجهها المدن الأوروبية. إذا استمر الإنفاق الدفاعي في الارتفاع بالمعدلات الحالية، تتوقّع المفوّضية الأوروبية أن يُعزّز ذلك الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي بنسبة 0.5% بحلول عام 2028. أما بالنسبة للمدن نفسها، التي غالباً ما تقع في المناطق الاقتصادية المتعثّرة، فيجب إدارة هذا الأمر بطريقة تُحقّق منافع محلية. وإلّا، فقد تؤدّي خيبة الأمل إلى تعزيز التطرّف السياسي.