"ذي أتلنتيك": هل تريد إيران التحدّث إلى أميركا؟

إذا تمكّنت إيران وأميركا من التحدّث مجدّداً، فستحاول العديد من القوى الخارجية التأثير في المفاوضات وأوّلها "إسرائيل".

0:00
  • السيد خامنئي وإلى جانبه الرئيس بزشكيان وقاليباف
    السيد خامنئي وإلى جانبه الرئيس بزشكيان وقاليباف

مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية تنشر مقالاً تتناول فيه التطورات المتعلقة بالرسائل بين الولايات المتحدة وإيران في ظل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويركزّ على التكتيكات الإيرانية في إرسال الرسائل.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

الجميع يعرف أنّ دونالد ترامب يحب الرسائل، وكان هذا واضحاً خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى، حين تبادل 27 رسالة مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون على مدى 16 شهراً. كذلك، كان قد كتب رسالة لا تنسى على نحو خاص إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. والآن، وجد ترامب بالفعل صديقاً جديداً على نحو غير متوقّع هو المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي.

وفي مطلع الشهر الماضي، سلّم دبلوماسي إماراتي رفيع المستوى رسالة من الرئيس ترامب إلى المرشد خامنئي، الذي ردّ على رسالة ترامب عبر سلطنة عمان، وسيطة طهران المفضّلة.

وقد اتّسمت رسالة الردّ الإيراني بأنّها مفصّلة، وتترك الباب مفتوحاً للمفاوضات، حسب مصدر مقرّب من المؤسّسة الإيرانية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لأنّه غير مخوّل بالتصريحات إلى الصحافة، وأضاف المصدر أنّه بالإضافة إلى الردّ الرسمي، استخدم الإيرانيون قنوات متعدّدة، من ضمنها قنوات اقتصادية خاصة، لإرسال إشارات إلى ترامب وفريقه.

وقبل نحو شهرين، قال السيد خامنئي إنّ الحديث مع الولايات المتحدة "لم يكن عقلانياً ولا ذكياً ولا مشرفاً". وبدا هذا منسجماً مع موقفه خلال فترة ولاية ترامب الأولى، حين قال في عام 2018، إنّ إيران "لن تتحدّث أبداً مع إدارة ترامب على وجه الخصوص". وفي العام التالي، حين أحضر رئيس وزراء اليابان شينزو آبي، رسالة من ترامب إلى طهران، وبّخه السيد خامنئي أمام الكاميرات، وقال إنّ الرئيس الأميركي "لا يستحقّ" الردّ. وبعد بضعة أشهر، بذل إيمانويل ماكرون قصارى جهده لاستضافة مؤتمر عبر الفيديو بين ترامب ونظيره الإيراني آنذاك الرئيس حسن روحاني، حيث اُتّخذت الترتيبات اللوجستية، لكنّ روحاني لم يحضر الاجتماع.

ومع ذلك، طهران ليس على وشك التخلّي عن مناهضتها للولايات المتحدة، كما سيحافظ المرشد خامنئي على موقفه الراسخ من سياسات الولايات المتحدة. في أثناء ذلك، كانت رسالة ترامب إلى إيران واضحة بمطالبها حول مسألة تخصيب اليورانيوم وتوقّف طهران عن دعم حلفائها الإقليميين، "وافقوا على الصفقة وسأدعكم تزدهرون"، حسب ما جاء في رسالة ترامب.

إنّ إيران في ضائقة اقتصادية تشتد عليها الضغوط من جراء سياسات ترامب التي يمكن أن تلحق أضراراً كبيرة باقتصاد البلاد، إضافة إلى تهديد الولايات المتحدة باتّخاذ خطوات صارمة ضدّ تجارة النفط الإيرانية مع الصين، ما سيحرم إيران من أهمّ مصدر للعملة الأجنبية، كما أنّ الدولار الأميركي يُتداول الآن بزيادة قدرها بنحو 75% تقريباً عن بضعة أشهر مضت.

قد يفسر هذا سبب قبول إيران بالمفاوضات. مع ذلك، المرشد خامنئي أكّد في خطاب ألقاه بمناسبة حلول عيد الفطر منذ أيام، أنّ مواقف "إيران لم تتغيّر، وأميركا والنظام الصهيوني يواصلان تهديدنا بأعمالهما الشرّيرة". كذلك، هدّد "الولايات المتحدة وإسرائيل بضربة قاضية، إذا هاجمتا إيران، وهو أمر غير مرجّح". وأضاف أنّه "على الجميع واجب العمل من أجل القضاء على الكيان الإسرائيلي الشرّير والإجرامي في المنطقة".

كذلك، توالت الردود على التهديدات الأميركية والإسرائيلية من قادة ومسؤولين إيرانيين عسكريين وسياسيين، متوعّدين برد يطال كلّ القواعد الأميركية في المنطقة. وقال علي لاريجاني، وهو سياسي وسطي ومستشار آية الله خامنئي، إنّ إيران لا تنوي بناء سلاح نووي، لكنّها قد تضطر إلى القيام بذلك إذا تعرّضت لهجوم من قبل الولايات المتحدة أو "إسرائيل".

قد تبدو هذه الكلمات تصعيدية، لكنّها تكتيك تفاوضي أيضا تستخدمه طهران، إذ أضاف لاريجاني أنّه يأمل أن تتوصل المفاوضات والدبلوماسية إلى "نتيجة ملموسة" مع الولايات المتحدة، وأشاد بترامب كرجل أعمال "موهوب". كذلك، قدّم مسؤولون إيرانيون آخرون مؤشّرات مماثلة، حتى في الوقت الذي يشكون فيه من "تنمّر" ترامب وتهديداته بقصف البلاد.

وكان وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقتشي قال إنّ إيران "مستعدّة دائماً للتفاوض على قدم المساواة". وبالتزامن، قال مسؤول كبير في مكتب الرئيس مسعود بزشكيان إنّ إيران لا ترفض المفاوضات، و"الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة".

تبدو هذه الرسائل متفاوتة، ذلك لأنّ إيران "أعدّت نفسها للمفاوضات والمواجهة"، كما قال الخبير في المؤسّسة الأمنية الإيرانية مصطفى نجفي. وأضاف أنّ السلطات الإيرانية تواصلت مع فريق ترامب حتّى قبل تنصيبه، لأنّ الدبلوماسية هي المسار المفضّل لديها، لكنّها أعدّت أيضاً دفاعات البلاد في حالة فشل هذا الجهد".

ووفقاً لنجفي، تريد إيران عملية من خطوتين، الأولى، هي إجراء محادثات مباشرة بعد الاتصال غير المباشر الحالي. والثانية، أنّ طهران تفضل أن تتمّ هذه المحادثات بسرّية، وتريد أن تكون قدرات إيران الصاروخية والطائرات المسيرة غير مطروحة على الطاولة. لكن سيكون من دواعي سرورها الحديث عن "تخفيف التوتّرات في المنطقة". وتابع السيد النجفي إنّ "هذا لا يعني إبرام صفقات بما يتّصل بحلفائها في محور المقاومة، الذين يمكنهم بالأحوال كلّها مواءمة أجندة جديدة ناتجة عن أيّ تطوّر".

ويحظى هذا الدفع من أجل المحادثات بوضوح بجمهور في إيران. وقد أشارت عدّة مقالات رأي في الصحف اليومية بأنّ البلاد ليس لديها خيار سوى التوصل إلى اتفاق مع الغرب. وأظهر استطلاع للرأي أجري على الإنترنت أنّ 82% يؤيّدون إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة بينما يفضّل 7% المحادثات غير المباشرة و11% فقط يعارضون أيّ محادثات. حتّى إنّ السفير الإيراني السابق في لبنان والأردن وقطر محمد علي سبحاني، اقترح أن تقدّم إيران فرصاً تجارية للشركات الأميركية لتشجيع إدارة ترامب على إبرام الصفقات التي يحبّها.

وإذا تمكّنت إيران وأميركا من التحدّث مجدّداً، فستحاول العديد من القوى الخارجية التأثير في المفاوضات. وقد تدفع "إسرائيل" ترامب بعيداً عنها، لصالح هجمات يمكن أن تبقي إيران ضعيفة ومزعزعة الاستقرار. وقد يفضل ترامب هذه النتيجة أيضاً. لكن يبدو أنّ الأصوات البارزة في معسكر ترامب تحثه على اتّباع نهج أكثر دبلوماسية.

وكان مقدم البرنامج الحواري تاكر كارلسون، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع الرئيس، يدفع بقوة ضدّ مهاجمة إيران. كذلك بدا مندوب ترامب إلى المنطقة ستيف ويتكوف، منفتحاً على التفاوض مع إيران. كما، كتب وزير الخارجية عراقتشي منشوراً طويلاً على منصة "إكس"، يحثّ فيه على "التواصل الدبلوماسي" مؤكّداً أنّه "لا يوجد بحكم التعريف شيء اسمه خيار عسكري ناهيك بالحلّ العسكري"، وأجابه ويتكوف، "رائع" ثمّ حذف التعليق بعد ذلك.

ومن المرجّحِ أيضاً أن يثني قادة حلفاء أميركا العرب في الخليج ترامب عن زيادة تأجيج المنطقة من خلال مهاجمة إيران، وهذا يتناقض بشكل حاد مع موقفهم في عهد أوباما، عندما كانوا يخشون أن يؤدي الاتفاق النووي مع طهران إلى استبعادهم.

من غير المرجح أن تتطور علاقة الرئيس ترامب مع المرشد خامنئي إلى نوع من علاقة الصداقة التي عاشها مع كيم، وحتّى تلك المحادثات انهارت لأنّها لم تكن مصحوبة بالمفاوضات الفنية اللازمة. لكن إيران تؤكد أنها تمسكت حتى النهاية بالاتفاق النووي القديم، وبنبذ تطوير أسلحة نووية. وعلى ما يبدو أن الإيرانيين يدركون أنّهم إذا أرادوا الحصول على صفقة جديدة مع أميركا، فسيتعيّن عليهم تعلّم أسلوب ترامب، وضمنها حب الرئيس للرسائل.

نقله إلى العربية: حسين قطايا