"ذي غارديان": الإبادة في غزّة تنذر بعصر من الفساد الأخلاقي التام

إنّ حرب "إسرائيل" على غزّة، التي تبدو بلا نهاية، تجبر العالم على الاعتياد على مستوى فاحش من الموت والمعاناة.

0:00
  • "ذي غارديان": الإبادة في غزّة تEنذر بعصر من الفساد الأخلاقي التام

صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تنشر مقالاً للكاتبة نسرين مالك، تتحدث فيه عن الإبادة الجماعية في غزّة، وكيف يحاول العالم الدولي و"إسرائيل" جعل العالم يعتاد عليها. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف: 

يوم الأربعاء، تلقى بنيامين نتنياهو تصفيقاً حاراً بعد خطابه أمام الكونغرس الأميركي. بدت هذه اللحظة كأنها تؤذن بمرحلة جديدة من الحرب في غزة، مرحلة من التسامح كونها ضرورة مؤسفة، تتطلب دعماً غير محدود ولا جدال فيه، ومن دون خطوط حمر، ومن دون أي شك. 

إنّ محو "إسرائيل" بلا هوادة للعائلات والمنازل والثقافة والبنية التحتية، من دون نهاية، أو حتى إشارة إلى موعد النهاية، أصبح الآن جزءاً من روتين الحياة.

في الوقت نفسه، تطلق المرشحة الديمقراطية المفترضة، كامالا هاريس، نداءً لا معنى له قائلة: "لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نشعر بالخدر" تجاه ما يحدث، وأنّها "لن تصمت"، في حين أنّ الشيء الوحيد المهم هو أن تواصل الولايات المتحدة تسليح "إسرائيل" وتمويلها.

كل هذا يمثّل حلاً وانتهاكاً ليس فقط للقانون الدولي، بل أيضا للقانون الإنساني الأساسي. وبين التجاوزات، التي تقلب الحياة اليومية رأساً على عقب، ربما يكون الموت بالقتل، كما زُعم، أسوأ الجرائم. 

إنّ قدسية الحياة البشرية، وفكرة أنّه لا يمكن إنهاؤها من دون تبرير أعلى، هما ما يفصلنا عن البربرية.

تم انتشال أول أطفال "رماديين" من تحت الأنقاض. تم التقاط صور للمدنيين العزّل بالكاميرات بواسطة صواريخ من دون طيار. ماتت الطفلة هند رجب، البالغة من العمر خمسة أعوام، وهي تنتظر النجدة بين أقربائها الذين تم قتلهم. وقُتل المسعفون الذين أتوا لنجدتها. تعرّض شاب مصاب بمتلازمة داون لهجوم من كلب تابع للجيش الإسرائيلي في منزله، ثم تُرك ليموت بعد أن أبعد الجنود عائلته ومنعوها من العودة. لكن، على الرغم من ذلك، فإن الحرب لم تتوقف.

بطبيعة الحال، كانت هناك محاولات للمحافظة على القواعد الهشّة للقانون الدولي والإنساني وإنفاذها. ومرة أخرى، كنت تأمل أنه مع صدور الأحكام، فإنّ ذلك سيؤدي إلى نهاية الهجوم، مثل عندما أعلنت محكمة العدل الدولية أنّ الفلسطينيين لديهم حق في الحماية من الإبادة الجماعية، وطلبت إلى "إسرائيل" وقف هجومها على رفح، وعندما تقدمت المحكمة الجنائية الدولية بطلب لإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو، وعندما وجدت محكمة العدل الدولية أنّ "إسرائيل" مسؤولة عن الفصل العنصري.

وانضم إلى هذه الجهود، الملايين من المتظاهرين في جميع أنحاء العالم، الذين عكّرت أفعالهم سياسات بلادهم الداخلية بطريقة تشير إلى أنّ الوضع غير قابل للاستمرار، لكن الحرب وجدت مكانها مرة أخرى، داخل الوضع الراهن. 

وبرزت قضية غزة من خلال سياستنا الضيقة وتداخلت مع سخطها. لقد أنتجت أصواتاً احتجاجية ساعدت على إرسال عدد قياسي من المستقلين إلى البرلمان في المملكة المتحدة، وحققت مفاجآت انتخابية لسياسيي المؤسسة. كما شهدت الجامعات في الولايات المتحدة مشاهد تاريخية عن الاحتجاج وأعمال الشرطة العنيفة.

وعلى الرغم من أنّ ما حدث يمثّل تحولاً تاريخياً في الرأي العام العالمي بشأن "إسرائيل"، فإنه ليس كافياً بالنسبة إلى سكان غزة، الذين جلّ همهم تفادي القنابل والصواريخ، ويجدون جثث موتاهم، ونفد لديهم الطعام.

وبعد كل ذلك، إنّ النتيجة كانت مزيداً من التحدي والعدوان من جانب "إسرائيل"، وإدانة الأحكام القانونية الدولية، وطرد أعداد كبيرة من الأشخاص الذين يريدون وقف القتل وتشويه سمعتهم. وتريد القول للعالم: نعم، هذا هو العالم الذي نعيش فيه الآن. اعتد عليه.

كيف يبدو التعود عليه؟ يبدو الأمر كأنه قبول بوجود مجموعات معينة من الأشخاص الذين يمكن قتلهم. وهذا ما يسميه الفيلسوف أشيل مبيمبي "السياسة الميتة"، أي "ممارسة السلطة إملاء الكيفية التي يعيش فيها بعض الناس، وكيف يجب أن يموت آخرون".

السياسة الميتة تخلق "عوالم الموت"، بحيث توجد "أشكال جديدة وفريدة من الوجود الاجتماعي، بحيث يتعرض عدد كبير من السكان لظروف معيشية تمنحهم وضع الموتى الأحياء". وفي عوالم الموت تلك، يتمّ قتل الآخرين، وتدمير موطنهم من خلال القدرات العسكرية الملحمية التي لم يختبر مواطنو البلدان المسؤولة تأثيرها أبداً.

إن التقليل من قيمة حياة الفلسطينيين ينطوي على فصل حياتنا عن حياتهم، وفصل العالمين القانوني والأخلاقي إلى عالمين - عالم نعيش فيه ونستحق التحرر من الجوع والخوف والاضطهاد، وعالم آخر لا يستحق البشر فيه الأمر نفسه.  

ولهذا السبب يهم المدافعين عن حرب "إسرائيل" أن يزعموا أنّه لا يوجد أبرياء في غزة، وأنّ حماس تختبئ خلفهم. وبمجرد أن تتعلم التوقف عن التماهي مع الآخرين على أساس إنسانيتهم، فإنّ عمل السياسة الميتة يكتمل.

أي عالم سيظهر بعد هذا؟ إنّ الحرب على غزّة كبيرة، والنتيجة النهائية هي تدهور البشرية جمعاء، وعالم عندما يأتي فيه النداء من أجل مساعدة المحتاجين، لن يتمكن أحد من الاستجابة له.

نقلته إلى العربية: بتول دياب

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.