"نيويورك تايمز": رؤساء يستعرضون عضلاتهم ضدّ العدالة الدولية

تحرّك قادة "إسرائيل" وهنغاريا والولايات المتحدة لتحييد السلطة القضائية في الداخل والخارج.

0:00
  • رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان في بودابست
    رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان في بودابست

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول تحدي عدد من الرؤساء مثل رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد المؤسسات القضائية الدولية والمبادئ العالمية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

قليلة هي الدول التي يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارتها، من دون التعرّض للاعتقال. وهذا ما يجعل المعاملة التي حظي بها خلال زيارته لهنغاريا في الأسبوع الماضي جديرة بالملاحظة، في بلد "ديمقراطي" غير ليبرالي.

وكان رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان، قد دعا نتنياهو مباشرة بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال في حقّه في شهر تشرين الأوّل/ نوفمبر الماضي، بتهمة ارتكاب حكومته جرائم حرب وضدّ الإنسانية في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة. وبعد ساعات من وصول نتنياهو إلى بودابست العاصمة الهنغارية في الأسبوع الماضي، أعلن أوربان عن قرار انسحاب بلاده من المحكمة الجنائية الدولية.

ويقول المحللون إنّ هناك العديد من الأمور التي تجمع بين أوربان ونتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، خاصة تجاه المحكمة المذكورة لكونها تمثّل النسخة الأكثر طموحاً ومثالية لقيام نظام قضائي عالمي نافذ لحماية حقوق الإنسان، ويقدّرها معظم الليبراليين، بينما يكرهها أوربان ونتنياهو وترامب.

ولطالما زعم أوربان أمام العالم أنّ بلاده تفعل ما تريد، مثلاً، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي لكنّها غير مقيدة به، وتقول للصين وروسيا إنّها مفتوحة أمامهما للاستثمار والأعمال، بينما يرفع أوربان شعار "هنغاريا أوّلاً" أمام ناخبيه على طول الطريق، وكلّ ذلك في وقت تتداعى فيه المؤسّسات العالمية، ولم يظهر نظام جديد بعد، ولا أحد يعرف ما المسموح وما الممنوع الآن.

رؤساء ضدّ العدالة

ليست هنغاريا أوّل دولة تقدّم استثناءات لـ "إسرائيل"، ولطالما فعلت ذلك الولايات المتحدة وألمانيا وغيرهما. حتّى إنّ المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس، استبعد اعتقال نتنياهو في ألمانيا، حتّى وإن كانت بلاده لا تزال عضواً ملتزماً في المحكمة الجنائية الدولية.

إنّ تحدّي أوربان للمحكمة يتعلّق أيضاً بشيء آخر، هو الرغبة في تهميش القضاة المستقلين في هنغاريا وخارجها. وكان قد قال في مقابلة إذاعية مؤخّراً، بكلّ بساطة: "يا للأسف لقد أصبح بعض المؤسّسات الدولية هيئات سياسية، والمحكمة الجنائية الدولية إحداها، وهي محكمة سياسية". 

لقد أصبح الصراع على السلطة بين الزعماء والقضاة، على حدّ سَواء في المستوى المحلّي أو الدولي، موضوعاً سياسياً مثيراً في العديد من البلدان، من ضمنها "إسرائيل" وهنغاريا والبرازيل والولايات المتحدة.

كما أنّه يُنظر إلى فيكتور أوربان، الذي يتولى السلطة منذ عام 2010، من قبل المحافظين في جميع أنحاء العالم على أنّه رائد في تأكيد سلطته على سلطة القضاء. فقد ملأ المحكمة الدستورية في بلاده بقضاة موالين له، وأجبر آخرين على الاستقالة. وقد حارب محاكم الاتحاد الأوروبي وانتقد "تجاوزاتها القضائية" حين حاولت محاسبة هنغاريا على انتهاكها قواعد بروكسل الأوروبية.

من جهته أيضاً، يندّد نتنياهو بتهم الرشوة والاحتيال الموجّهة إليه في "إسرائيل" باعتبارها محاولة لعرقلة إرادة الناخبين، ويضغط لأجل إجراء إصلاح قضائي مثير للجدل، زاعماً مع حلفائه أنّ القضاء قد منح نفسه سلطة متزايدة، ولا يمثّل التنوّع في المجتمع الإسرائيلي.

كذلك ترامب، الذي أُدين في 34 تهمة جنائية قبل إعادة انتخابه في العام الماضي، يقول، إنّ الدعاوى القضائية العديدة المرفوعة ضدّه كانت بدوافع سياسية. وفي الأسابيع الأخيرة، تحدّت إدارته العديد من أوامر المحكمة بشكل قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى أزمة دستورية. ومنذ نحو شهرين وقع ترامب أمراً تنفيذياً بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ردّاً على مذكّرة اعتقال نتنياهو.

وقد أجرى نتنياهو وأوربان وترامب مهاتفة مشتركة حول المحكمة خلال زيارة نتنياهو إلى هنغاريا، والتي أتبَعَها بزيارة البيت الأبيض أول الأسبوع الجاري، حيث قال مكتبه إنّ المحكمة الجنائية الدولية ستكون مرة أخرى في جدول الأعمال والنقاش.

وقال الأستاذ الزائر في جامعة برينستون والمدير التنفيذي السابق لمنظّمة "هيومن رايتس ووتش" كينيث روث، "لا يمكن من مستبدّ خارج عن القانون مثل أوربان إلّا أن يرحّب بمجرم حرب متّهم مثل نتنياهو عوضاً عن اعتقاله. وما فرض ترامب للعقوبات على المحكمة سوى خطوة متّسقة مع تصرّف أوربان".

"هنغاريا أوّلاً"

يؤدّي أوربان لعبة العلاقات الخاصّة مثل العلاقة مع روسيا، وأخرى مع ترامب، ومع الصينيين، محاولاً تظهير هنغاريا العضو في الاتحاد الأوروبي الذي يمكنه أن يفعل ما يريد. كما تشير أيضاً توجّهات أوربان بشكل استراتيجي إلى الحلفاء والمستثمرين والناخبين بأنّ بلاده لن تكون مقيّدة بالقواعد والأعراف الدولية. وهذا شكل من أشكال بناء الهوية الخاصة، كما يقول أحد المفكرين البارزين في مجال الديمقراطية إيفان كراستيف، ويضيف أنّه "إذا أراد شخص ما الاستثمار في أيّ بلد في الاتحاد الأوروبي، فليذهب إلى هنغاريا، لأنّها تستطيع أن تفعل ما تريد. ويمكنها استخدام حقّ النقض في الاتحاد الأوروبي ضدّ العقوبات التي يصدرها. وأيضاً، يمكنها الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية ببساطة".

ويصف أوربان القادة الأوروبيين بـدعاة الحرب، بسبب دعمهم لأوكرانيا. وهو يضغط علناً من أجل إعادة العلاقات مع روسيا بعد الحرب. وكان ترحيبه بنتنياهو في تحدّ للمحكمة الدولية فرصة أخرى له لإظهار سيادة هنغاريا غير المناهضة لـ "إسرائيل".

لقد وضع أوربان استراتيجية كبرى لبلاده في خطاب طويل ومفصّل في تموز/ يوليو الماضي، والذي حدّد فيه رؤيته لنظام عالمي جديد ناشئ. وكما يرى، فقد خسرت الليبرالية الغربية في مقابل صعود القومية. وتوقّع أنّه خلال العقود أو ربّما القرون المقبلة، سيكون المركز المهيمن على العالم في آسيا.

بالنسبة إلى اقتصاد صغير مثل الاقتصاد الهنغاري، ماذا يعني تجاهل أوربان لأيّ أوامر من بروكسل أو واشنطن لعزل موسكو أو بكين؟ يقول أوربان عن هذا، "لن نتورّط في الحرب ضدّ الشرق، ولن نشارك في تشكيل كتلة تكنولوجية أو كتلة تجارية معارضة له".

وكان الزعيم الصيني الكبير شي جين بينغ، قد وعد خلال زيارته هنغاريا في العام الماضي، بالاستثمار في البلاد وفتح الفرص أمام الشركات الهنغارية للاستثمار في الصين، العرض الذي وصفه رئيس الوزراء فيكتور أوربان بالقول "إن هنغاريا لن تحصل على عرض أفضل منه".

نظام ترامب العالمي

لقد سلّط ترحيب أوربان الجريء بنتنياهو الضوء على المستوى الذي تغير به العالم منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، من خلال التخلّص من كتاب القواعد العالمية بشأن التحالفات والقوانين التجارية القائمة منذ فترة طويلة، حيث منح الرئيس الأميركي الإذن للآخرين بخرق القواعد أيضاً، وهم الآن يختبرون المدى الذي يمكنهم بلوغه، كما يقول كراستيف، لم يعد أحد يعرف ما هو مسموح وما هو ممنوع بعد الآن، "إنّهم يختبرون الحدود".

لكنّ حلفاء ترامب الأيديولوجيين يختبرون أيضاً بشكل مباشر عدم القدرة على التكهّن بتوجّهات إدارته، التي لن تكون سياساتها بالضرورة مواتية لبلدانهم. وتعدّ "إسرائيل" وهنغاريا، وهي موقع إنتاج رئيسي لصناعة السيارات الألمانية، من بين الدول المصدرة الرئيسية التي تعرّضت لرسوم جمركية أميركية كبيرة.

هذه هي المفارقة الجوهرية في شعار "أميركا أولاً" بالنسبة إلى أوربان ونتنياهو، أن يكون هناك قضايا مشتركة مع حليف يشاركك أجندتك القومية شيء، ويصبح شيئاً آخر عندما تضع سياسات "أميركا أوّلاً" أي دولة أخرى في المرتبة الأخيرة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.