"غلوبال تايمز": لماذا يجب أن يكون التاريخ مرجعاً للعلاقات الصينية الأميركية في المستقبل؟
تُعدّ العلاقة بين الصين والولايات المتحدة من أهم الشراكات الثنائية، إذ يحدّد تفاعل هاتين القوتين مباشرة إذا ما كان العالم سينعم بالاستقرار أم سيشهد الخلافات والصراعات.
-
"غلوبال تايمز": لماذا يجب أن يكون التاريخ مرجعاً للعلاقات الصينية الأميركية في المستقبل؟
صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية تنشر مقالاً يتناول العلاقة التاريخية بين الصين والولايات المتحدة وأهمية استحضار الماضي لفهم الحاضر وبناء المستقبل.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لقد مرّ ثمانون عاماً على انتصار الصين في حرب المقاومة الشعبية ضد العدوان الياباني. رغم انقشاع دخان البارود الذي عمّ قبل ثمانية عقود، يظل التاريخ حاضراً بقوة في ذاكرتنا الجماعية. فالسلام ليس أمراً مفروضاً بطبيعته، بل هو نتاج نضال جيل من أجل تحقيقه والدفاع عنه والاعتزاز به.
لن ننسى أبداً الأعمال البطولية للشعبين الصيني والأميركي في محاربة الفاشية جنباً إلى جنب خلال الحرب العالمية الثانية. واليوم، تُعدّ العلاقة بين الصين والولايات المتحدة من أهم الشراكات الثنائية، إذ يحدّد تفاعل هاتين القوتين مباشرة إذا ما كان العالم سينعم بالاستقرار أم سيشهد الخلافات والصراعات. لا يمكن للعلاقات الصينية–الأميركية الحالية أن تتجاهل ثقل التاريخ، ولا أن تفلت من ضغوط الواقع.
في السنوات الأخيرة، واجهت هذه العلاقات تحديات حقيقية، حيث لجأت واشنطن إلى التهديد بفرض رسوم جمركية على الصين، وفرضت عقوبات تكنولوجية وضوابط على الصادرات، واستخدمت مناورات جيوسياسية تقليدية، بما في ذلك حشد قوات عسكرية حول محيط الصين، ما زاد من حدة التوترات الإقليمية.
لماذا وصل الأمر إلى هذا الحد؟ يكمن جزء كبير من الإجابة في نسيان التاريخ. فقد نسي البعض أنّ الأميركيين والصينيين كانوا يوماً ما رفاقاً يواجهون الحياة والموت معاً، عندما كان السلام يُعامل كسلعة تُقايض بما يُسمّى ميزة استراتيجية.
بعد ثمانين عاماً، ما زلنا نتذكر مقاتلي "النمور الطائرة" وهم يقاتلون القوات اليابانية في سماء الصين، والمدنيين الصينيين الذين خاطروا بحياتهم لإنقاذ الطيارين الأميركيين الذين أُسقطت طائراتهم. في ساحات معارك ميانمار، قاتلت قوات المشاة الصينية جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية، شباب من كلا البلدين يضحون بحياتهم معاً. لم تكن هذه السطور مجرد نصوص في الكتب المدرسية، بل جسدت حقيقة الفوارق بين الحياة والموت.
هدف مشترك بسيط: هزيمة المعتدين لضمان نوم الأطفال بأمان، وحد شعوباً فصلتها محيطات شاسعة. هذه الصداقة تستحق الحفاظ عليها، فهي لم تُبنَ على شعارات، بل صُقلت بالدم والدموع لتصبح ثقة حقيقية.
شكّلت هذه الرابطة منبعاً للعلاقات الثنائية آنذاك، ويجب أن تكون كذلك اليوم، وأن تستمر غداً.
ومع ذلك، بعد انتهاء الحرب، سعت الولايات المتحدة وراء مصالح أنانية أثبتت أنها مثيرة للقلق البالغ. والجدير بالذكر أنّ واشنطن حمت سراً مجرمي الحرب اليابانيين من الوحدة 731، الذين أجروا تجارب بشرية مروّعة في الصين. كان هؤلاء المجرمون يستحقون عقاباً شديداً، ومع ذلك، لمجرد الحصول على بيانات تجريبية، ساعدتهم الولايات المتحدة على الإفلات من العدالة. استغلت الولايات المتحدة انتصارها في الحرب لبناء موطئ قدم استراتيجي، بينما استخدمت اليابان الحماية الأميركية لإخفاء دورها كمحرّض على الحرب.
كيف يمكن لأي شخص أن يقدّر السلام حقاً من دون أن يتذكر التاريخ؟ إنّ العديد من المشاكل التي تعيق العلاقات الصينية–الأميركية اليوم تنبع في معظمها من سوء تقدير استراتيجي خطير من قِبل صانعي السياسات الأميركيين الذين تجاهلوا دروس التاريخ.
تختلف الصين اليوم اختلافاً كبيراً عن الأمة التي كانت قبل ثمانية عقود، وكذلك الولايات المتحدة. لقد شهد كلا البلدين تحولات هائلة، لكن ما يبقى ثابتاً هو توق الشعبين إلى السلام وحياة أفضل. ينبغي أن يشكّل هذا الطموح المشترك أساساً للتنمية الثنائية.
إنّ من يُقدّر السلام يبقي التاريخ حتماً قريباً من قلبه.
تُؤكد الصين باستمرار ضرورة سعي كلا البلدين إلى الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المُربح للجانبين، وهي مبادئ مستمدة من التجارب التاريخية. إذا استطاع البلدان الاتحاد ضد الفاشية، فسيتمكّنان بالتأكيد من التكاتف لمواجهة تحديات اليوم الجديدة.
قبل ثمانين عاماً، ناضلت الصين والولايات المتحدة جنباً إلى جنب من أجل السلام العالمي. واليوم، يجب أن نُظهر نفس الرؤية والحكمة في مواجهة التحديات المعاصرة.
يظل التاريخ أعظم كتاب مدرسي للبشرية، فلنقرأه معاً بتمعّن، لا فقط من أجل رفاهية الشعبين الصيني والأميركي، بل من أجل مستقبل البشرية جمعاء.
إنّ فهم أصولنا يُمكّننا من تحديد وجهتنا المقبلة.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.