"فايننشال تايمز": فرنسا تبدو غير قابلة للحكم

قد تكون هزيمة اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم الأحد انتكاسة مؤقتة. ومع وجود ثلاث كتل سياسية متساوية الحجم تقريباً غير راغبة في العمل مع بعضها بعضاً، تبدو فرنسا غير قابلة للحكم.

0:00
  • ملصقات إعلانية انتخابية لـ : جان لوك ميلانشون وإيمانويل ماكرون ومارين لوبان
    ملصقات إعلانية انتخابية لـ : جان لوك ميلانشون وإيمانويل ماكرون ومارين لوبان

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر مقالاً تتحدث فيه عن الواقع السياسي في فرنسا في إثر نتائج الانتخابات الأخيرة والتوقعات للسنوات المقبلة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

"نصرنا مؤجل فقط".. هكذا حاولت مارين لوبان أن تظهر وجهاً شجاعاً بعد هزيمة حزبها، التجمع الوطني، في الانتخابات البرلمانية في فرنسا يوم الأحد.

في الواقع، المركز الثالث للتجمع الوطني، وفقاً للنتائج الأولية، هو خيبة أمل مريرة. اعتقد الحزب أنّه سيحظى أخيراً بفرصة ليظهر للشعب الفرنسي أنّه قادر على الحكم، ما يمنح الحزب أهم منصة للانتخابات الرئاسية عام 2027، لكن الناخبين الفرنسيين خرجوا بأعداد كبيرة لمنعه.

أحد الأسباب هو أنّ التجمع الوطني أثبت أنّه ليس خالياً من العنصرية تماماً، إذ قدّم مرشحين لهم خلفيات متطرفة أو سجلّ من التصريحات العنصرية، ولكن الأهم من ذلك هو استعداد الأحزاب الوسطية واليسارية للتوحد لإحباط صعود اليمين المتطرف إلى السلطة.

هذا وحده سيسمح للرئيس إيمانويل ماكرون بأن يجادل بأنّ مقامرته الانتخابية أثمرت في النهاية، ولكن أراد ماكرون إجراء انتخابات مبكرة بحملة خاطفة مدتها ثلاثة أسابيع لتكون لحظة "توضيح" سياسي لفرنسا، لكنّها لم توفر أي شيء من ذلك.

أظهر الناخبون ما كانوا ضده، ولكن ليس ما كانوا يؤيدونه، وستواجه البلاد الآن شهوراً، وربما سنوات، من عدم اليقين السياسي وحكومة غير مستقرة. هذا بحد ذاته خبر سيئ لفرنسا وشركائها الأوروبيين.

وفي إثر ذلك، يبدو أنّ فرنسا تعود بالزمن إلى الجمهورية الرابعة، الفترة المتقلبة سياسياً بعد الحرب، عندما كانت الرئاسة أضعف، وكان البرلمان هو المهيمن.

في الأسابيع القليلة الماضية، تحوّلت القوّة من قصر الإليزيه إلى الجمعية الوطنية. تم الحدّ من دور الرئيس الذي كان يدير الأمور بدقة إلى دور ثانوي. ولم يظهر ماكرون مساء الأحد، بل أصدر بياناً يقول فيه إنّه سينتظر "تشكيل" القوى في البرلمان قبل اتخاذ "القرارات اللازمة".

علاوة على ذلك، كان تصويت الأحد بمنزلة انتصار للجبهة الشعبية الجديدة اليسارية التي تشكّلت في غضون أربعة أيام خلف برنامج جذري للضرائب والإنفاق بعد حل ماكرون المفاجئ للبرلمان.

وكان اليسار هو الذي قاد ميثاقاً انتخابياً لحظر اليمين المتطرف، ما وفّر عشرات المقاعد للوسطيين. بعد الجولة الأولى، سحب اليسار بسرعة مرشحيه الذين احتلوا المركز الثالث من المنافسات الثلاثية على المقاعد في جميع أنحاء البلاد لمنع الانقسام في التصويت المناهض للجبهة الوطنية، في حين راوغ زعماء تحالف ماكرون.

وباعتبارها الكتلة الأكبر، فإنّ تحالف اليسار سوف يطالب برئاسة الوزراء والحق في تشكيل الحكومة. وسوف يكون هذا كافياً لإثارة قلق الأسواق، نظراً إلى الزيادات الضخمة التي يعتزم تمويلها نظرياً من خلال زيادات ضريبية هائلة على الأثرياء.

ويأمل معسكر ماكرون أن يتفكك اليسار في نهاية المطاف تحت وطأة تعنّت ميلانشون، وأن يحاول بعد ذلك جمع نوع من الائتلاف مع الاشتراكيين والخضر وغيرهم من المعتدلين.

وقد يستغرق هذا أسابيع إن لم يكن أشهراً. وحتى إذا كانت الأرقام متطابقة، ويبدو الأمر مبالغاً فيه، فمن المرجح أن يطلب يسار الوسط ثمناً باهظاً، مثل عكس قرار ماكرون برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما أو إعادة فرض ضريبة الثروة على الأصول المالية، كما سيريد أن تكون الحكومة تحت سيطرته.

إذا لم يكن هناك طريق إلى الأغلبية، فقد يضطر ماكرون إلى تعيين رئيس وزراء مؤقت بتفويض ضئيل حتى يمكن الدعوة إلى انتخابات جديدة في غضون عام واحد.

ومع وجود ثلاث كتل سياسية متساوية الحجم تقريباً غير راغبة في العمل مع بعضها البعض، تبدو فرنسا غير قابلة للحكم. وخلال الاضطرابات القادمة، يمكننا أن نتوقع أن تقدم لوبان وزميلها جوردان بارديلا نفسيهما باعتبارهما البديل الوحيد الذي يوفّر النظام والاستقرار، وقد تبدو هزيمة يوم الأحد مجرد نكسة مؤقتة.