"فايننشال تايمز": هل يشهد الدولار مزيداً من الانخفاض؟

الطلب على الأصول الأميركية لا يستطيع مواكبة العرض في غياب عملة أضعف.

0:00
  • "فايننشال تايمز": هل يشهد الدولار مزيداً من الانخفاض؟

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر تقريراً يفنّد أسباب وتبعات انخفاض قيمة الدولار الأميركي، من منظور اقتصادي وتحليلي، ويُركّز على العوامل التي تُشير إلى إمكانية استمرار هذا الانخفاض في المستقبل القريب، كما يُقدّم تقييماً لتأثيره على الاقتصاد الأميركي والعالمي.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

كثيراً ما أتهرّب من الأسئلة المتعلّقة بالدولار. لقد علّمتني مجموعة واسعة من المؤلفات الأكاديمية، بالإضافة إلى تجربتي الشخصية كمتنبئ اقتصادي، أنّ التنبؤ بأسعار الصرف أصعب حتى من التنبؤ بالنمو والتضخم وأسعار الفائدة.

ولكن بكل تواضع، أعتقد أنّ الانخفاض الأخير في قيمة الدولار بنسبة 5%، على أساس مرجّح تجارياً، لا يزال أمامه طريق طويل.

تُظهر بيانات الاحتياطي الفيدرالي أنّ القيمة الحقيقية للدولار لا تزال أعلى بنحو انحرافين معياريين من متوسّطها منذ بداية عصر سعر الصرف العائم عام 1973. الفترتان التاريخيتان الوحيدتان اللتان شهدتا مستويات تقييم متشابهة هما منتصف الثمانينيات وأوائل الألفية الثانية. وقد مهّدت كلتاهما الطريق لانخفاضات في القيمة بنسبة 25-30%.

إلى جانب تدفّقات المحافظ الاستثمارية المستمرة إلى الأصول الأميركية والأداء المتفوّق لأسهم البلاد، أدى ارتفاع قيمة الدولار إلى تعزيز حصة الولايات المتحدة بشكل حادّ في محافظ المستثمرين العالميين. ويقدّر صندوق النقد الدولي أنّ المستثمرين غير الأميركيين يمتلكون الآن 22 تريليون دولار من الأصول الأميركية. ربما يُمثّل هذا ثلث محافظهم الاستثمارية المُجمّعة، ونصفها في الأسهم، التي غالباً لا تخضع للتحوّط من مخاطر العملات. لذا، فإن قرار المستثمرين غير الأميركيين بتقليص استثماراتهم في الولايات المتحدة سيؤدي، على الأرجح، إلى انخفاض كبير في قيمة الدولار.

في الواقع، حتى إحجام المستثمرين غير الأميركيين عن إضافة استثمارات إلى محافظهم الأميركية سيؤثر على الدولار على الأرجح. ويرجع ذلك إلى أنّ محاسبة ميزان المدفوعات تعني أن عجز الحساب الجاري الأميركي البالغ 1.1 تريليون دولار يجب تمويله من خلال تدفّق رأسمالي صافٍ قدره 1.1 تريليون دولار سنوياً. من الناحية النظرية، يمكن أن يأتي هذا من خلال المشتريات الأجنبية لأصول المحفظة الأميركية، أو الاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة، أو مبيعات الولايات المتحدة للأصول الأجنبية. ومع ذلك، من الناحية العملية، تتوافق معظم التقلّبات في ميزان الحساب الجاري الأميركي مع تقلّبات في المشتريات الأجنبية لأصول المحفظة الأميركية. إذا لم يرغب المستثمرون غير الأميركيين في شراء المزيد من الأصول الأميركية بأسعارها الحالية، فيجب أن تنخفض هذه الأسعار، ويجب أن يضعف الدولار، أو (على الأرجح) كلاهما.

لن تكون لهذه الملاحظات أهمية كبيرة إذا كان الاقتصاد الأميركي على وشك الاستمرار في التفوّق على نظرائه، كما كان الحال خلال معظم العقدين الماضيين. لكن هذا يبدو مستبعداً، على الأقل خلال العامين المقبلين. في "غولدمان ساكس"، خفضنا مؤخراً توقّعاتنا للنمو في جميع الاقتصادات الرئيسية على خلفية صدمة الرسوم الجمركية، ولكن ليس في أي مكان أكثر من الولايات المتحدة. خفضنا تقديراتنا لنمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي من الربع الرابع من عام 2024 إلى الفترة نفسها من هذا العام إلى 0.5% من 1%. مع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي وأرباح الشركات في أحسن الأحوال، والارتفاع الحاد في مؤشرات عدم اليقين في السياسة الأميركية، والتساؤلات حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، نتوقّع أن يكبح المستثمرون غير الأميركيين شهيتهم للأصول الأميركية.

لا ينبغي الخلط بين انخفاض قيمة الدولار وفقدان مكانته كعملة مهيمنة عالمياً. باستثناء الصدمات الشديدة، نعتقد أن مزايا الدولار كوسيلة عالمية للتبادل ومخزن للقيمة راسخة جداً بحيث يصعب على العملات الأخرى التغلّب عليها. لقد شهدنا تحرّكات كبيرة في أسعار الصرف من دون فقدان مكانة الدولار المهيمنة في الماضي، وتوقّعاتنا الأساسية هي أنّ التحرّك الحالي لن يكون مختلفاً.

ما هي العواقب الاقتصادية لضعف الدولار؟ أولاً، سيؤدي ذلك إلى تفاقم الضغط الصعودي المرتبط بالرسوم الجمركية على أسعار المستهلك. من المرجح أن تؤدي الرسوم الجمركية وحدها إلى ارتفاع التضخم الأساسي - كما يُقاس بمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي - من 2.75% حالياً إلى 3.5% لاحقاً هذا العام، ونُقدّر أنّ انخفاض قيمة الدولار قد يُضيف نحو 0.25 نقطة مئوية أخرى. ورغم أنّ هذه النسبة متواضعة، إلا أنّ انخفاض قيمة الدولار يُعزّز وجهة نظرنا بأنّ "تأثير" زيادة الرسوم الجمركية الأميركية سيقع بالدرجة الأولى على عاتق المستهلكين الأميركيين، وليس المنتجين الأجانب.

ثانياً، لا يؤدي ضعف الدولار إلى رفع أسعار الواردات والاستهلاك فحسب، بل يُخفّض أيضاً أسعار الصادرات (مُقاسة بالعملة الأجنبية). على المدى المتوسط، من المفترض أن يُساعد هذا التحوّل النسبي في الأسعار على تقليص العجز التجاري الأميركي، وهو أحد أهداف إدارة ترامب. لذلك، من غير المُرجّح أن يُعيق صانعو السياسات الأميركيون انخفاض قيمة الدولار، حتى من دون أي نوع من "اتفاقية مار-أ-لاغو".

ثالثاً، يُمكن لضعف الدولار، من حيث المبدأ، أن يُحسّن الأوضاع المالية ويُساعد في إبعاد الاقتصاد الأميركي عن الركود. لكن عوامل انخفاض القيمة مُهمّة. فانخفاض الإقبال على الأصول الأميركية، بما في ذلك سندات الخزانة، قد يُعوّض تأثير ضعف العملة على الأوضاع المالية.

على أي حال، فإنّ أهم مُحدّد لدخول الولايات المتحدة في حالة ركود ليس الدولار. إنّ قرار تطبيق تعريفات جمركية "متبادلة" إضافية بعد فترة التوقّف الحالية لمدة 90 يوماً، أو استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أو فرض تعريفات جمركية إضافية صارمة على السلع، قد يجعل الركود أمراً لا مفرّ منه، بغضّ النظر عن اتجاه الدولار.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.