"فورين بوليسي": الأوهام التي تحرك السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
واشنطن تسعى إلى فرض أفكار قديمة ووضع أهداف غير واقعية.
-
"فورين بوليسي": إنّ نزح سلاح حزب الله أمر شبه مستحيل
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول التناقض بين الرؤية الأميركية والواقع في الشرق الأوسط، من خلال الوهم الأميركي بحلّ الدولتين، وإشكالية نزع سلاح حزب الله وحماس.
النص يقدّم نقداً لسياسات واشنطن في المنطقة، معتبراً أنّها مبنية على أمنيات غير قابلة للتحقق أكثر من استنادها إلى وقائع سياسية واجتماعية معقّدة. فسواء في موضوع حلّ الدولتين أو نزع سلاح حزب الله وحماس، تُظهر الولايات المتحدة ميلاً إلى إسقاط حططها على واقع لا ينسجم معها، مما يقود إلى تكرار الفشل الذي ميّز سياستها في الشرق الأوسط خلال العقود الثلاثة الماضية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
أثق تماماً بأنه لا يوجد مكان في العالم يتجلى فيه التناقض بين الواقع الموضوعي والسياسة الخارجية الأميركية أكثر من الشرق الأوسط. فغزو العراق، و"أجندة الحرية"، ومحاولات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية المختلفة، كلها أمثلة على تقاطع الخيال الأميركي مع الفشل على مدى العقود الماضية. ومع ذلك، لا تزال هذه الأوهام قائمة.
وليس هناك مثال معاصر أفضل على ذلك من التذمر الخافت بين ما لا يقل عن 26 عضواً ديمقراطياً في الكونغرس ممن يؤيدون الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ففي الأسبوع الفائت، وخلال اجتماع رسمي عُقد في مجلس العلاقات الخارجية، أشار النائب رو خانا من كاليفورنيا، الذي يقود هذه العملية، إلى أنّ اعتراف الولايات المتحدة بفلسطين سيعزز حل الدولتين. وقال إنّ هذه الخطوة من شأنها أن "تبعث الأمل في نفوس الناس في المنطقة وتقدم حلاً ملموساً بعيداً عن حماس".
لكنه واجه صعوبة في توضيح كيف سيُحقق هذا الاعتراف النتيجة التي يرجوها، مُتجاهلاً الوقائع السياسية، فقبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان حلّ الدولتين احتمالاً بعيد المنال، وبعد ذلك، والحرب التي تلتها في غزة، بات تخيّل هذا الحل أمراً مستحيلاً.
إن الإشارات المتعددة التي ساقها خانا إلى سياسيين إسرائيليين كانوا غير ذي صلة لفترة طويلة، بما في ذلك إسحاق رابين الذي اغتيل في عام 1995؛ وشيمون بيريز الذي توفي في عام 2016؛ وإيهود باراك الذي تولى رئاسة الحكومة في "إسرائيل" آخر مرة منذ نحو ربع قرن، كشفت عن رغبة أميركية نموذجية في أن يسير العالم بالطريقة التي نرغب بها وليس بالطريقة التي يسير عليها في الواقع.
ولا يقتصر الأمر على خانا وزملائه فحسب، بل إن إدارة ترامب مسؤولة أيضاً عن طرح أمنيات حول نزع سلاح حزب الله وحماس. وعلى الرغم من الضربات العسكرية الإسرائيلية لم يتم القضاء حزب الله. صحيح أنه بات أضعف مما كان عليه، لكنه لا يزال يمتلك أسلحة، وكوادره متحمسة، ولم تستسلم إيران لإعادة بنائه. ولهذا السبب، دأبت "إسرائيل" على فرض وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه واشنطن في لبنان في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بضربات عسكرية من حين لآخر، وهو السبب الذي يدفع فريق ترامب إلى نزع سلاح حزب الله. ولتحقيق هذه الغاية، اقترح السفير الأميركي في تركيا توم براك، وهو المبعوث الثاني في الشرق الأوسط بعد ستيف ويتكوف، خطة من 4 مراحل للقوات المسلحة اللبنانية لتحقيق هذا الهدف.
ولعل براك قد استهان بخطورة نزع سلاح حزب الله. فكيف يمكن لمنظمة قائمة على المقاومة أن تنزع سلاحها؟ والمطلوب إذاً من حزب الله ألا يكون حزب الله الذي عهدناه. وهل يمكن تحقيق هذا الهدف بحلول نهاية العام كما تُطالب إدارة ترامب؟ فعندما قدم القادة العسكريون اللبنانيون خطتهم لتنفيذ نزع السلاح إلى الحكومة في أوائل أيلول/ سبتمبر، انسحب أعضاء الحكومة المنتمون إلى حزب الله.
ولا شك في أنّ الكثير من المواطنين يؤيدون نزع سلاح حزب الله. ومع ذلك، من غير المرجح أن يدعمه عدد كبير من الشيعة. فقد شكّل سلاح حزب الله مصدر قوة للشيعة، الذين يفوق عددهم نفوذهم في النظام الطائفي اللبناني، حيث تُمنح كل طائفة دينية رئيسة في لبنان مناصب محددة. وبالتالي، يكون رئيس الجمهورية دائماً مسيحياً، ورئيس الوزراء سنياً، ورئيس مجلس النواب شيعياً. أما أمين عام حزب الله، الشيخ نعيم قاسم، فيُعد قائداً عسكرياً وسياسياً في آن. والموافقة على نزع سلاح حزبه ستؤدي إلى تقويض شعبيته. ويقول سياسيو حزب الله بأن الخطة التي اقترحها الجيش، والتي لم تُنشر تفاصيلها بعد، تُمثل "استسلام اللبنانيين الكامل للحكومة الأميركية". ويريدون معرفة سبب وجوب تسليم حزب الله سلاحه قبل انسحاب "إسرائيل" من المواقع العسكرية الـ5 التي يسيطر عليها "الجيش" الإسرائيلي في جنوب لبنان.
بالطبع، يمكن للجيش اللبناني استخدام القوة، لكن خطر اندلاع أعمال عنف واضح. ويبدو أن إدارة ترامب وغيرها من الجهات في واشنطن التي تطالب بنزع سلاح حزب الله غافلة عن عواقب تبادل إطلاق النار بين حزب الله والأحزاب اللبنانية الأخرى. وأنا مستعد للمفاجأة. فقد شهد الشرق الأوسط الكثير من الفترات المرعبة خلال العامين الماضيين. ومع ذلك، ما زلت أشك في رغبة القادة اللبنانيين في المخاطرة. ولذلك، قد تبدو المفاوضات والصفقات السرية الأطول والأكثر تعقيداً والتي قد تترك لحزب الله بعض الأسلحة كمساعد للقوات المسلحة، أكثر واقعية وحكمة من خطة براك.
وهناك ديناميكية مماثلة قيد التنفيذ حالياً في ما يتعلق بحماس. فالحركة لن تتخلى عن سلاحها إلا إذا أُجبرت على ذلك، وعلى الرغم من كل جهوده وقوته النارية، لم يتمكن "الجيش" اإسرائيلي من إجبار حماس على الاستسلام. إن مطالبة الجماعة بتسليم سلاحها ليس أمراً سيئاً، ولكن هل هو متوافق مع الواقع؟ كلا. وهذا ليس رأيي وحدي، بل هو أيضاً رأي رئيس أركان "الجيش" الإسرائيلي، الذي نصح الحكومة الإسرائيلية بقبول مقترحات وقف إطلاق النار الأخيرة.
إنّ الواقع يجعل قيام دولة فلسطينية جنباً إلى جنب مع "إسرائيل" ونزع سلاح حزب الله وحماس أهداف شبه مستحيل تحقيقها. والأمر المدهش أنّ خانا، الديمقراطي التقدمي، لا يستعين بكتاب بوش الذي يعود تاريخه إلى عقدين من الزمن في رؤيته للدولتين فحسب، بل أيضاً في ما يتعلق بالمشاركة المكثفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والتي تتطلبها عملية السلام وبناء الدولة.
ومن الغريب أن تكون إدارة ترامب مستعدة للتدخل في قضية نزع السلاح المعقدة، ولا سيما في لبنان. فهذا الأمر يتعارض مع الأفكار التي طرحها الرئيس خلال زيارته للخليج في أيار/مايو، حيث رفض صراحةً هذا النوع من التدخل الأميركي. ومن المثير للإعجاب أن يسعى المسؤولون الأميركيون إلى جعل العالم مكاناً أفضل، ولكن عندما تنحرف سياستكم عن واقع العالم الحالي، فمن المُرجّح أن تكون النتيجة فشلاً ذريعاً. ابحثوا في سجل الولايات المتحدة خلال العقود الـ3 الماضية، وستدركون معنى ما أقوله.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.