"فورين بوليسي": الولايات المتحدة في حالة انقسام دائم منذ تأسيسها

دورة الأخبار الحالية هي الدورة التاريخية للولايات المتحدة، والسؤال الذي تم طرحه عند تأسيس البلاد، يتم طرحه من جديد: هل يمكن لهذه الأمة أن تستمر لفترة طويلة؟

0:00
  • "فورين بوليسي": الولايات المتحدة في حالة انقسام دائم منذ تأسيسها

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب نيك براينت، يتحدث فيه عن حال الديمقراطية الأميركية والعنف السياسي في الولايات المتحدة، مستشهداً بأحداث تاريخية. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

الولايات المتحدة خاضت حرباً أهلية في منتصف القرن التاسع عشر، ولا تزال تتجادل حول شروط السلام المنقسم. وكما هو الحال مع عبارة العصر الحديث: "آسف، ولكن لست آسفاً"، التي تستخدم بشكل ساخر للإشارة إلى عدم الندم، فإنّ الحفل القصير الذي أقيم في محكمة أبوماتوكس في فرجينيا في نيسان/أبريل 1865، والذي أنهى القتال المسلّح، كان بمنزلة استسلام، ولكنه لم يكن كذلك فعلياً.

كان المتعصّبون للبيض في ولايات الكونفدرالية القديمة يريدون أن يظلوا هم المسيطرين. وبعد مرور ما يزيد قليلاً على عقد من الزمن، تم استبدال العبودية بالفصل العنصري.

وبين نهاية الحرب الثورية عام 1783، وبداية المؤتمر الدستوري في فيلادلفيا عام 1787، بدا الأمر كما لو أنّ الولايات قد تدخل في اتحادين أو ثلاثة اتحادات كونفدرالية بدلاً من دولة واحدة، فالدستور الذي دفعت واشنطن من أجله، والذي تم التوصل إليه في نهاية المطاف في فيلادلفيا، كان في كثير من النواحي بمنزلة اتفاق على الاستمرار في الاختلاف.

إنّ التنازلات التي أطالت مؤسسة العبودية ووفرت لها الحماية، وهي الصفقة الفاسدة التي أصبحت ثمناً للوحدة الوطنية، خلقت خط صدع كان من المرجح دائماً أن يتمزق وينفجر، وهو يهتزّ حتى يومنا هذا.

يمكن إرجاع العديد من المشكلات المعاصرة إلى تلك الأيام التأسيسية. لقد أصبحت الديمقراطية الأميركية مريضة للغاية، وهي لم تكن على هذا القدر من الصحة في معظم تاريخ البلاد.

"نحن الشعب".. هذه الكلمات المثيرة التي افتتحت ديباجة الدستور لم يُنظر إليها على أنّها بيان شامل أو شعار شامل للديمقراطية الجماهيرية، بل إنّ هذا المصطلح غير المحدد يشير إلى الجسم السياسي. ركّزت الكثير من المداولات في فيلادلفيا على كيفية تقييد هذا الجسد السياسي في قيود مصممة بشكل معقّد، وبالتالي إنشاء آليات مضادة للأغلبية مثل المجمع الانتخابي ومجلس الشيوخ.

إنّ وصف النتيجة بأنّها تجربة في "الديمقراطية" أمر مضلل، فالآباء المؤسسون لم يهتمّوا بهذه الكلمة التي لا يمكن العثور عليها في أيّ مكان، سواء في إعلان الاستقلال أو الدستور.

إنّ الخوف مما سماه بعض المؤسسين "الإفراط في الديمقراطية" يفسّر التفكير الكامن وراء مقولة الرئيس الثاني للبلاد جون آدامز، والتي عادت إلى الظهور خلال سنوات ترامب: "تذكر أنّ الديمقراطية لا تدوم طويلاً أبداً. وسرعان ما تهدر وتستنزف وتنتهي. لم تكن هناك ديمقراطية حتى الآن لم تنتحر".

لم يكن خوف آدامز من السلطة الرئاسية غير الخاضعة للرقابة، بل إنّ الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إليه هو قوة الناس غير الخاضعة للرقابة.

اقرأ أيضاً: "نيويورك تايمز": محاولة اغتيال ترامب قد تؤدي إلى تمزيق أميركا أكثر فأكثر

لم يتم النص على حق التصويت على وجه التحديد في الدستور، وهو الإغفال الذي لا يزال يذهل العديد من الأميركيين. وحتى يومنا هذا، لا يوجد تأكيد إيجابي على حق التصويت. ولسبب وجيه، يُطلق على التصويت في كثير من الأحيان اسم الحق المفقود. ولم تتمكن الولايات المتحدة أخيراً من تحقيق الحق بالاقتراع العام إلا في منتصف الستينيات، مع إقرار قانون حقوق التصويت لعام 1965. وفي الجنوب، تمكّن الأميركيون الأفارقة أخيراً من الإدلاء بأصواتهم من دون أن يتعرضوا "لاختبارات معرفة القراءة والكتابة" المهينة، إذ تُطرح عليهم أسئلة لا يمكن الإجابة عنها، مثل كيفية تفسير البنود الغامضة في دساتير الولايات.

ولكن بعدما أصبح هذا التشريع التاريخي قانوناً، بدأت الجهود الرامية إلى عكسه. وهكذا بدأ ما تبين لاحقاً أنّه حملة دامت عقوداً من الزمن لنزع الديمقراطية. وقد قادها الحزب الجمهوري الذي كان بحاجة إلى تقييد حقوق تصويت الأقليات، لأن خطوط الاتجاه الديموغرافي والانتقال نحو دولة ذات أغلبية من الأقليات كان يُعتقد أنها تحابي الديمقراطيين.

وقد لقيت هذه الجهود الدعم بدرجة مثيرة للقلق من قِبَل المحكمة العليا التي يهيمن عليها المحافظون، إذ أصدرت أحكاماً أضعفت بشكل كبير أحكام قانون حقوق التصويت.

إذاً، لا ينبغي النظر إلى انتفاضة 6 يناير/كانون الثاني 2021 بمعزل عن غيرها. يمثّل هذا الحدث تتويجاً لهجوم طويل الأمد على الديمقراطية سبق صعود ترامب. علاوة على ذلك، استمر الهجوم بعد تفريق المتمردين وتنظيف أرضيات الكونغرس من الفضلات. في تلك الليلة، عاد 147 جمهورياً إلى المجلسين للإدلاء بأصواتهم لتحدي أو إلغاء فوز جو بايدن الرئاسي.

يعدّ العنف السياسي جزءاً أساسياً من قصة الولايات المتحدة، على الرغم من أنّ جزءاً كبيراً من هذا التاريخ غالباً ما تم دفنه وإخفاؤه.

في نهاية الستينيات، خلصت لجنة عينها الرئيس ليندون جونسون للتحقيق في أسباب ميل الولايات المتحدة إلى الاغتيال السياسي إلى أنّ البلاد تعاني من "نوع من فقدان الذاكرة التاريخية أو التذكر الانتقائي الذي يخفي صدمات الماضي غير السارة"، وأنّ "العقيدة الثورية التي يعلنها إعلان استقلالنا بفخر يتم الاستشهاد بها خطأً كنموذج للعنف المشروع".

والحقيقة أنّ انتفاضة 6 من كانون الثاني/يناير أظهرت أنّ العنف السياسي ما زال يُنظر إليه باعتباره مشروعاً، حتى إنه مجيد.

يستلهم العديد من اليمينيين المتطرفين كلمات توماس جيفرسون عام 1787، والتي جاء فيها: "أعتقد أنّ التمرد البسيط بين الحين والآخر هو أمر جيد، وهو ضروري في العالم السياسي.. يجب أن تُنعش شجرة الحرية من وقت لآخر بدماء الوطنيين".

كثيراً ما أتذكر يوم تنصيب بايدن، الذي أقيم على منصة كانت تستخدم قبل أسبوعين فقط كنقطة انطلاق للتمرد. لقد كانت مزينةً بالرايات الحمراء والبيضاء والزرقاء، لكنّها كانت لا تزال تبدو كأنها مسرح جريمة كان ينبغي عزله بشريط أصفر.

والسؤال الذي تم طرحه عند تأسيس البلاد تم طرحه من جديد: هل يمكن لهذه الأمة أن تستمر لفترة طويلة؟ إحساسي -وأملي المتحمس- هو أنّ الظروف غير متوفرة بعد لنزاع مسلّح شامل أو حرب أهلية ثانية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّ الولايات المتحدة راكمت الكثير في التعامل مع حالة الانقسام الدائمة، لكن أيضاً، الظروف غير متوفرة للمصالحة، والتقارب ليس قريباً البتة.

وعلى هذا، فإنّ الولايات المتحدة تحتل موقعاً غريباً: قريبة من الهاوية، ولكنها على بعد خطوة أو خطوتين من الحافة.

ويظل الأميركيون مقيدين بماضيهم المتنازع عليه. دورة الأخبار الحالية هي الدورة التاريخية في عالم مصغر. وعلى حد تعبير لينكولن في رسالته إلى الكونغرس في كانون الأول/ديسمبر عام 1862: "لا يمكننا الهروب من التاريخ".

لذا، حتى لو لم تنزلق الولايات المتحدة إلى حرب أهلية، فمن الصعب أن نتصور أنها ستصل إلى حالة من السلام، وستستمر الحرب إلى الأبد: صراع أميركا الذي لا ينتهي مع نفسها.

نقلته إلى العربية: بتول دياب

الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للرئاسة، دونالد ترامب، يتعرض لإطلاق نار خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا، ويصاب في أذنه، والأمن يقتل مطلق النار.