"فورين بوليسي": الهجوم الأوكراني على روسيا بالطائرات المسيّرة ليس مهماً

الهجوم الأوكراني على روسيا بالطائرات المسيّرة ليس مهماً، ولا يغيّر الحقائق الأساسية.

0:00
  • "فورين بوليسي": الهجوم الأوكراني على روسيا بالطائرات المسيّرة ليس مهماً

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً تحليلياً يناقش فعّالية الهجمات الأوكرانية بطائرات مسيّرة على العمق الروسي، ويقول إنّه تكتيك ناجح لكنه محدود الأثر الاستراتيجي في سياق الحرب الشاملة بين روسيا وأوكرانيا.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

تُجسّد عملية "شبكة العنكبوت" - الهجوم الأوكراني بطائرات من دون طيّار على قواعد جوية في عمق روسيا - العديد من السمات التي ميّزت الحرب منذ عام 2022.

إنّ الرضا المفهوم الذي شعر به العديد من المراقبين عند علمهم بعملية "سبايدرويب" يعكس أيضاً بعض الأخطاء التي قوّضت الجهود المبذولة لتطوير ردّ فعّال على الغزو الروسي. فالابتكارات التكتيكية البارعة لا يمكنها تعويض التفاوت في القوات أو العزيمة وغياب استراتيجية شاملة فعّالة. بعد ثلاث سنوات من الحرب، لا تزال كييف وداعموها يفتقرون إلى خطة مقنعة لإحباط أهداف الحرب التي يسعى إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإقناعه بإنهاء القتال. لا يبدو أنّ عزم بوتين قد يهتزّ بسبب هذه الحادثة الأخيرة، وقد صدق في كلمته عندما أخبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ بلاده عازمة على الردّ.

والأهم من ذلك، أنّ الابتكار التكتيكي للهجوم الأوكراني لا ينبغي أن يُغفلنا عن عدم أهميته الاستراتيجية. فهجمات الطائرات من دون طيار جديدة، قد غيّرت بالفعل كيفيّة خوض الحروب ومستقبلها، لكنها في نهاية المطاف مجرّد شكل آخر من أشكال القوة الجوية. حتى الضربات الجوية عالية الفعّالية نادراً ما تُحقّق النصر في الحروب بمفردها، مع أن القوة الجوية (بما في ذلك الطائرات من دون طيار) يمكن أن تكون جزءاً قيّماً من عمليات القوات البرية.

من منظور استراتيجي، يبقى كتاب روبرت بيب الصادر عام 1991 بعنوان "القصف للفوز: القوة الجوية والإكراه في الحرب" أفضل دراسة لهذه القضايا. جادل بيب بأنّ القوة الجوية يمكن استخدامها لمعاقبة المدنيين، أو تعريض الأصول الاستراتيجية للعدو للخطر، أو إضعاف قياداته، أو حرمانه من القدرة العسكرية اللازمة لتحقيق أهدافه الحربية. وأظهرت دراساته أنّ الاستراتيجيات الثلاث الأولى نادراً ما تُقنع العدو بالاستسلام، إن وُجدت (على سبيل المثال، قصف المدنيين يميل إلى دفعهم لدعم المجهود الحربي بقوة أكبر)، وأنّ القوة الجوية تكون أكثر فعّالية عند استخدامها بالتزامن مع أصول عسكرية أخرى لهزيمة قوات العدو وإثبات عجزها عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية.

في هذا السياق، تُعتبر عملية الطائرات الأوكرانية المسيّرة الأخيرة - على الرغم من أهميتها من منظور تكتيكي بحت - مجرد عرض جانبي. وبهذا المعنى، فهي لا تختلف عن توغّل أوكرانيا غير المتوقّع والناجح في البداية بالقرب من كورسك، والذي فشل هو الآخر في تغيير مسار الحرب، وانقلبت موازينه تماماً منذ ذلك الحين. إنّ تدمير اثنتي عشرة قاذفة استراتيجية أو أكثر لن يؤثّر فعلياً على قدرة روسيا على مواصلة التقدّم في أوكرانيا أو على شنّ هجمات صاروخية وطائرات مسيّرة إضافية على المدن الأوكرانية.

لا شكّ أنّ العملية قد عزّزت معنويات الأوكرانيين، وعزّزت شعبية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وربما تُجبر روسيا على تخصيص موارد لإحباط عمليات مستقبلية من هذا النوع. بل قد يأمل المرء أن تكون قد زادت من الشكوك داخل نخبة الأمن القومي الروسي حول حكمة الحرب وإدارة بوتين لها، ولكن لا يوجد دليل على أنّ قبضته على السلطة تتأكّل أو أنّ معارضة النخبة أو الرأي العامّ للحرب ستغيّر رأيه.

يترك هذا الوضع أوكرانيا وأنصارها أمام المعضلة نفسها التي واجهوها منذ بدء الحرب: كيفيّة التغلّب على خصم أكبر عددياً يعتبر التوافق الجيوسياسي لأوكرانيا قضية وجودية، وتتضمّن أهدافه الحربية الدنيا ضمان ألّا تصبح حصناً منيعاً للغرب.

على الرغم من أنّ الأوكرانيين قدّموا تضحياتٍ جساماً للدفاع عن بلادهم، إلّا أنّ أياً من شركائهم الاستراتيجيين - بمن فيهم الرئيس الأميركي السابق جو بايدن - لم يُبدِ استعداداً لتعريض قواته أو أراضيه للخطر. ونظراً لهذا التباين، تأمل كييف والغرب أن يُقنع مزيجٌ من العزيمة الأوكرانية، والمساعدات المالية والعينيّة الغربية، والعقوبات الاقتصادية الصارمة على روسيا، موسكو في نهاية المطاف بالتراجع عن مسارها.

لم يحدث ذلك. في هذه المرحلة، يبدو من غير المرجّح بشكل متزايد أن يحدث ذلك على الإطلاق. لم تُغيّر الهجمات الناجحة التي شنّتها أوكرانيا في خريف عام 2022 مجرى الأمور، وكان الهجوم المضادّ اللاحق خلال صيف عام 2023 - والذي تضمّن ألوية جديدة مُجهّزة ومدرّبة من قبل الداعمين الغربيين لأوكرانيا - بمثابة كارثة باهظة الثمن. وكما ذُكر سابقاً، فإنّ التوغّل الناجح في البداية نحو كورسك لم يُغيّر مسار الحرب أو يُوفّر لكييف أوراق مساومة مفيدة، واستمرت القوات الروسية في التقدّم ببطء، وإن كان ذلك بتكلفة باهظة للغاية. حتى ترامب يبدو أنه يُدرك أنّ بوتين ليس لديه حافز كبير لإنهاء الحرب عندما تسير الأحداث في ساحة المعركة في الغالب لصالحه.

إنّ المعضلة الأمنية بين روسيا والغرب أشدّ وطأة الآن مما كانت عليه قبل بدء القتال، وهذا سيجعل صياغة حلّ مستقرّ ومقبول للطرفين أصعب بكثير.

في هذه المرحلة من الحرب، لا ينبغي لأحد أن يبالغ في الثقة بوجود حلّ صحيح، وتحقيق نتيجة مثالية أمرٌ مبالغٌ فيه. لكنّ تعليق الآمال على أسلحة أو تكتيكات جديدة، أو على عمليات جريئة، وإن كانت محدودة، مثل "سبايدرويب"، هو ضربٌ من التمنّي.

ليس من الواضح بأيّ حال من الأحوال أنّ القادة الغربيين متحدون، وعازمون، وواسعو الأفق بما يكفي لاتباع هذا المسار، خاصةً في ظلّ تعامل إدارة ترامب المُتقلّبة مع هذه القضية، وعدائها الكامن للعديد من الحكومات الأوروبية.

وفي نهاية المطاف، فإنّ هذه العوامل السياسية هي التي ستحدّد مصير أوكرانيا، وليس الجهود التكتيكية المثيرة للإعجاب لكن غير الاستراتيجية.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.