"لوموند": مخاوف أوروبية من تعطّل القاطرة الفرنسية بعد الانتخابات

لا توجد أغلبية في قصر بوربون وقد تدخل فرنسا فترة من عدم اليقين الكبير، وفي بروكسل، هناك مخاوف من أن تفقد باريس دورها القيادي في أوروبا.

0:00
  • زعيم ائتلاف اليسار الفرنسي جان لوك ميلانشون
    زعيم ائتلاف اليسار الفرنسي جان لوك ميلانشون يحتفل بالفوز في الانتخابات

صحيفة "لوموند" الفرنسية تنشر مقالاً للكاتبة فيرجيني مالينجر، تحدّثت فيه عن مخاوف الساسة الأوروبيين من شلل فرنسا سياسياً واقتصادياً في إثر نتائج الانتخابات الأخيرة. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

بعد هزيمة حزب التجمّع الوطني الفرنسي، هناك مخاوف داخل المؤسسات الفرنسية من أنّه في غياب أغلبية مستقرّة، سوف تفقد باريس دورها القياديّ بين الدول السبع والعشرين.

وفي بروكسل، كان الجميع تقريباً، وجميع الحركات السياسية والقوميات مجتمعة، سعداء برؤية حزب التجمّع الوطني يهبط إلى المركز الثالث في الجمعية الوطنية، خلف الجبهة الشعبية الجديدة.

وقال عضو البرلمان الأوروبي باسكال كانفين، إنّ نتائج الانتخابات "جنّبتنا تراجعاً وشللاً كبيرين في الاتحاد الأوروبي". ومع ذلك، فإن الوضع السياسي الفرنسي لا يزال يثير قلق الأوروبيين. وقال المتخصص في القضايا الأوروبية والأستاذ في كلية التجارة بباريس: "لقد انتقلنا من أزمة الكرسي الفارغ إلى أزمة الكرسي المتذبذب".

في الواقع، لا توجد أغلبية في قصر بوربون، حيث حصل حزب الجبهة الوطنية مرة أخرى على مقاعد، وتدخل فرنسا فترة من عدم اليقين الكبير، وفي غضون عام واحد، سوف يتمكّن إيمانويل ماكرون من حلّ الجمعية الوطنية مرة أخرى.

ودعت عضو البرلمان الأوروبي، فابيان كيلر، فرنسا التي لا تتمتع بثقافة التسوية، إلى الاستلهام من البرلمان الأوروبي، حيث "نحن نعمل منذ فترة طويلة على أساس التسوية مع جميع القوى والتي تتراوح من اليمين الجمهوري إلى اليسار الديمقراطي الاجتماعي".

يقول جان نويل بارو، الوزير المنتدب المكلّف في أوروبا، إنّه لدى الفرق السياسية في فرنسا تقارب في وجهات النظر بما يخصّ أوكرانيا أو السياسات الدفاعية والتجارية والصناعية، لكنّ هناك موضوعاً واحداً، يثير الانقسام، ولن تتمكّن الحكومة من إدارته هو موضوع العودة إلى مالية عامة أكثر صحة".

شبح الأزمة الاقتصادية

ومع وصول العجز والديون إلى 5.5% و110.6% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي في عام 2023، يجب أن تخضع فرنسا في الأيام المقبلة لإجراءات أوروبية بشأن العجز المفرط. وبحلول الـ 15 من تشرين الأول/أكتوبر على أبعد تقدير، يتعيّن عليها أن تقدّم إلى المفوضية خطتها للعودة إلى الامتثال لمعايير "ماستريخت"، والتي تنصّ على بقاء عجز الموازنة تحت السيطرة عند مستوى أقل من 3% من الثروة الوطنية وعدم زيادة الدين العام.

ومن المؤكد أنّ إصلاح ميثاق الاستقرار والنمو يسمح لها بأخذ وقت أطول مما كان متوقّعاً إذا قامت بإصلاحات واستثمارات من المرجح أن تعزّز نموها. لكن، في السياق السياسي الحالي، يبدو الأمر صعباً، خصوصاً بعد أنّ علّق رئيس الوزراء غابرييل أتال، إصلاح التأمين ضدّ البطالة قبيل الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، ويريد اليسار العودة إلى إصلاح المعاشات التقاعدية، مع زيادة عدة بنود. ويبقى، لجلب الأموال إلى خزينة الدولة، إمكانية زيادة الضرائب، وهو ما لا يريد إيمانويل ماكرون واليمين أن يسمعوا عنه.

وحذّرت مجموعة "آفاق وتجديد أوروبا" من "غرق فرنسا في أزمة اقتصادية، في وقت يتعيّن على أوروبا أن تكافح حتى لا تخسر أرضها أمام الولايات المتحدة والصين". كما يصرّ جان نويل بارو على أنّ "أي اتفاق سياسي يجب أن يظهر أنّ فرنسا تشرع في مسار ميزانية يتوافق مع التزاماتها الأوروبية".

في برلين وستوكهولم وفيينا ولاهاي، يُعتقد أنه "إذا لم تعد فرنسا قادرة على الإصلاح، فسوف تصاب بالشلل ولن تعود قادرة على تأدية دور القوة الدافعة"، على حد تعبير دبلوماسي من أحد هذه البلدان. ويبقى أن نرى كيف سيكون رد فعل الأسواق، حيث أنّ فرنسا "تقترض ما بين 300 و500 مليار يورو سنوياً".

أيضاً، يقول القاضي إيف بيرتونسيني إنّه "لبناء أوروبا، تحتاج إلى مهندس معماري وبنّاء، وسيتعيّن على المهندس المعماري ماكرون أن يتخلّى عن خططه الرئيسية ويقوم بأعمال البناء مثل الآخرين وهو ما يمكن أن يريح الألمان".

الدفاع عن السياسات المعقولة

المقترحات أحياناً التي قدّمها الرئيس الفرنسي، خلال خطابه الثاني في جامعة السوربون في نيسان/أبريل الماضي، لم تكن وفق ما يرغبه المستشار أولاف شولتز، الذي يواجه هو نفسه صعوبة في إدارة ائتلافه الحكومي بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وليبراليي الحزب الديمقراطي الحرّ وحزب الخضر.

وفي مواجهة البرلمان الفرنسي الجديد "يجب على ماكرون أن يدافع عن السياسات المعقولة والأقل طموحاً"، كما يقول القاضي الألماني أندرياس شواب، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.

وعلى طاولة مجلس رؤساء الدول والحكومات، حيث يهيمن حزب الشعب الأوروبي، لم يعد إيمانويل ماكرون ذلك الأوروبي الجريء الذي كان عليه، حتى ولو كان لا مفرّ من فرنسا، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

لقد أدرك نظراؤه أنّ السلطة الآن تكمن في الجمعية الوطنية أكثر من قصره في الإليزيه، وقد لاحظوا تراجع قوات ماكرون في برلمان الاتحاد الأوروبي، بعد انتخابات التاسع من حزيران/يونيو. ولن يتمكّن ماكرون من الترشّح مرة أخرى في عام 2027، وهذا الأمر يزيد من ضعفه.

كما لم يتمّ فهم قرار رئيس الدولة الفرنسية بحلّ الجمعية، وبالتالي المخاطرة بجلب حزب الجبهة الوطنية إلى السلطة. وحتى في معسكره، تظهر خيبة الأمل جليّة. لقد اعترف الجميع بماكرون كزعيم أوروبي، لكن الجميع يندمون على الأمر الآن، وفق السياسية الفرنسية ناتالي لوازو.