"نيويورك تايمز": الحكومة الإسرائيلية تشكل خطراً على اليهود في كل مكان
إن الحرب في غزة اليوم تُمهّد لإعادة تشكيل جذرية لكيفية نظرة العالم إلى "إسرائيل" واليهود على حد سواء.
-
"نيويورك تايمز": حين يُسمح للمصوّرين والصحافيين الأجانب بالدخول إلى غزة سيصبح حجم الدمار واضحاً للجميع
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقال رأي للكاتب توماس فريدمان، يتناول التحوّل الخطير في صورة "إسرائيل" عالمياً، ولا سيما في نظر اليهود أنفسهم وحلفائهم، نتيجة ممارساتها العسكرية في غزة، ويقدّم تحذيراً داخلياً صادراً عن نخبة من الطيارين الإسرائيليين المتقاعدين بأنّ استمرار الحرب بهذه الوحشية قد يؤدي إلى نتائج كارثية أخلاقياً، وسياسياً، ودولياً، وحتى على اليهود حول العالم.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
يحتاج الإسرائيليون، ويهود الشتات، وأصدقاء "إسرائيل" في كلّ مكان إلى أن يفهموا أنّ الطريقة التي تخوض بها "إسرائيل" الحرب في غزة اليوم تُمهّد لإعادة تشكيل جذرية لكيفيّة نظر العالم إلى "إسرائيل" واليهود على حد سواء.
ولن تكون هذه النظرة إيجابية. فوجود سيارات الشرطة والحراسة الخاصة في المعابد اليهودية والمؤسسات اليهودية سيصبح أكثر فأكثر هو الوضع الطبيعي؛ وستتحوّل "إسرائيل"، بدلاً من أن تُرى من قبل اليهود كملاذ آمن من معاداة السامية، إلى محرّك جديد يغذّيها؛ وسيسعى الإسرائيليون العقلاء للهجرة إلى أستراليا وأميركا بدلاً من دعوة إخوانهم اليهود إلى القدوم نحو "إسرائيل". هذا المستقبل الكئيب لم يحلّ بعد، لكن إذا لم ترَ ملامحه وهي تتجمّع، فأنت تخدع نفسك.
لحسن الحظ، فإنّ المزيد والمزيد من طيّاري سلاح الجو الإسرائيلي المتقاعدين وأولئك الذين يؤدّون الخدمة الاحتياطية، وكذلك ضباط الجيش والأمن المتقاعدون، بدأوا يرون هذه العاصفة المقبلة ويُعلنون أنهم لن يلتزموا الصمت أو يكونوا متواطئين في سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القبيحة والعدمية في غزة. لقد بدأوا في دعوة اليهود في أميركا وأماكن أخرى لرفع أصواتهم والاستغاثة: "أنقذوا سفينتنا قبل أن تصبح البصمة الأخلاقية المتسعة للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة غير قابلة للإزالة".
أولاً، خلفيّة القصة هي أنّ "إسرائيل" دمّرت منذ شهور التهديد الوجودي العسكري الذي كانت تشكّله حماس. بناء على ذلك، كان ينبغي لحكومة نتنياهو أن تُعلن للإدارة الأميركية بزعامة ترامب وللوسطاء العرب أنها مستعدة للانسحاب من غزة بطريقة مرحلية، على أن تحلّ محلّها قوة حفظ سلام دولية/عربية/تابعة للسلطة الفلسطينية، بشرط أن توافق قيادة حماس على إعادة جميع الأسرى الأحياء والقتلى، ومغادرة القطاع.
أما إذا مضت "إسرائيل" قُدماً في تنفيذ وعد نتنياهو بإطالة أمد هذه الحرب إلى أجل غير مسمّى، لتحقيق ما يسمّيه "النصر الكامل" على كلّ عنصر من عناصر حماس، إلى جانب خيال اليمين المتطرّف بطرد الفلسطينيين من غزة وإعادة توطينها بالإسرائيليين، فعلى اليهود في كلّ أنحاء العالم أن يُعدّوا أنفسهم، وأطفالهم، وأحفادهم لواقع لم يعرفوه من قبل يقضي بأن يعلم اليهود أنّهم سيكونون في عالم يرون فيه "الدولة" اليهودية كـ "دولة" منبوذة، ومصدر خزي، لا مصدر فخر.
هذا اليوم سيأتي، حين يُسمح للمصوّرين والصحافيين الأجانب بالدخول إلى غزة من دون مرافقة من "الجيش" الإسرائيلي. وعندما يحدث ذلك، ويصبح حجم الدمار الكامل هناك واضحاً للجميع، قد يكون ردّ الفعل العالمي ضدّ "إسرائيل" واليهود في كلّ مكان عميقاً ومزلزلاً.
إذا لم تقاوم قبيلتي حكومة "إسرائيل" الحالية التي تُظهر لامبالاة مطلقة بعدد المدنيين الذين يُقتلون في غزة اليوم، إلى جانب محاولتها إمالة "إسرائيل" نحو الاستبداد داخلياً من خلال السعي لإقالة المدعي العام المستقل، فإن اليهود في كلّ مكان سيدفعون ثمناً باهظاً.
لست أنا وحدي من أطلق هذا التحذير. في الأسبوع الماضي، نشر طياران سابقان في سلاح الجو الإسرائيلي، العميد أساف أغمون والعقيد أوري أراد (الذي كان أسير حرب في مصر خلال حرب أكتوبر 1973)، رسالة مفتوحة باللغة العبرية في صحيفة "هآرتس"، موجّهة إلى زملائهم الذين لا يزالون يخدمون في سلاح الجو.
كلا الرجلين عضوان في منتدى "555 الوطني"، وهو مجموعة مؤثّرة تضمّ نحو 1700 طيار من سلاح الجو الإسرائيلي، بعضهم متقاعد وبعضهم لا يزال يخدم في الاحتياط، وقد تشكّلت أصلاً لمقاومة محاولات نتنياهو تقويض الديمقراطية الإسرائيلية عبر انقلاب قضائي.
أرسل لي قائد المنتدى "555 الوطني"، طيار المروحيات المتقاعد في سلاح الجو الإسرائيلي، غاي بوران، رسالة أغمون وأراد لأرى إن كان بإمكاني نشرها كمقال ضيف في قسم الرأي بصحيفة التايمز. أخبرتهما أنني أرغب في نشر مقتطف منها بنفسي. فكتبا:
"مع استمرار الحرب في غزة، اتضح أنها فقدت أهدافها الاستراتيجية والأمنية، وأنها خدمت في المقام الأول المصالح السياسية والشخصية للحكومة. وهكذا أصبحت حرباً لا أخلاقية بلا شكّ، وبدت بشكل متزايد وكأنها حرب انتقام..".
"أصبح سلاح الجو أداةً في أيدي من يدّعون، في الحكومة وحتى في الجيش، أنه لا يوجد أبرياء في غزة.. حتى أن أحد أعضاء الكنيست تفاخر مؤخّراً بأنّ أحد إنجازات الحكومة هو القدرة على قتل 100 شخص يومياً في غزة من دون أن يُصدم أحد"
"رداً على هذه التصريحات، نقول: مهما كانت مجزرة 7 أكتوبر مروّعة، فإنها لا تبرّر الاستخفاف التام بالاعتبارات الأخلاقية أو الاستخدام غير المتناسب للقوة المميتة".
بلغت الأمور ذروتها ليلة 18 آذار/مارس، مع استئناف الحرب بعد أن اختارت الحكومة الإسرائيلية، عمداً، انتهاك اتفاق إعادة الرهائن. في غارة جوية قاتلة كانت تهدف إلى قتل عدد من قادة حماس (تختلف التقارير حول عددهم بالعشرات أو أقل)، سُجِّل رقم قياسي جديد. أسفرت الذخائر التي أسقطها طيارو سلاح الجو على الهدف عن مقتل ما يقرب من 300 شخص، بينهم العديد من الأطفال. ولم يُقدَّم حتى الآن أيّ تفسير مُقنع للنتيجة المروّعة للهجوم".
"ومنذ ذلك الحين، واصل سلاح الجو غاراته المتواصلة على غزة.. تُقصف مبانٍ بأكملها فيها أطفال ونساء ومدنيون، ظاهرياً للقضاء على الإرهابيين أو تدمير البنية التحتية للإرهاب. حتى لو كانت بعض الأهداف مشروعة، لا يمكن إنكار الضرر غير المتناسب الذي لحق بالمدنيين غير المتورّطين".
"هذه لحظة حساب. لم يفت الأوان بعد. نناشد زملاءنا الطيارين في الخدمة الفعلية: لا تستمروا في تجنّب طرح الأسئلة.. لأنكم ستتحمّلون العواقب الأخلاقية لأفعالكم لبقيّة حياتكم. ستواجهون أبناءكم وأحفادكم وتشرحون كيف حدث هذا الدمار الهائل في غزة، وكيف هلك هذا العدد الكبير من الأطفال الأبرياء بآلة القتل القاتلة التي قدتموها".
نقله إلى العربية: بتول دياب.