"نيويورك تايمز": بيبي لم يعد المدلّل.. الكلمة في "إسرائيل" لترامب

منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة حيّز التنفيذ، يبدو أنّ جهود ترامب للحفاظ عليه قد قيّدت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

0:00
  • "نيويورك تايمز": بيبي لم يعد المدلّل.. الكلمة في "إسرائيل" لترامب

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول التحوّل اللافت في العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد سنوات من التحالف الوثيق والدعم غير المشروط، ليتحوّل اليوم إلى علاقة متوترة يغلب عليها التحكّم الأميركي والضغوط السياسية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

أثار موكب مسؤولي إدارة ترامب إلى "تل أبيب" خلال الأسبوع الماضي لضمان التزام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوقف إطلاق النار في غزة، وصفاً جذّاباً في وسائل الإعلام الإسرائيلية، مستغلّين لقب رئيس الوزراء: "Bibi-sitting". (الخاضع).

كان هناك تغيير أكثر وضوحاً. تتوطد مرحلة جديدة ومميّزة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، ولا سيما في العلاقة بين ترامب ونتنياهو.

في ولايته الأولى، أغدق ترامب على نتنياهو هدايا سياسية، بما في ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل" والاعتراف بسيادة "إسرائيل" على مرتفعات الجولان.

في بداية ولايته الحالية أيضاً، انغمس ترامب في نزوات نتنياهو، مُغذّياً لفترة وجيزة أوهام اليمين الإسرائيلي بإخلاء قطاع غزة من سكانه وتطويره ليصبح "ريفييرا" شرق أوسطية. ثم دعم نتنياهو في آذار/مارس عندما خرق وقف إطلاق النار في غزة. وقدّم دعماً جديداً كلياً لـ "إسرائيل" بنشر قاذفات "بي-2" لضرب المواقع النووية الإيرانية في حزيران/يونيو.

قال رؤوفين حزان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في "تل أبيب"، عن ترامب: "كان المصطلح المُستخدم في إسرائيل هو أنه يعمل لصالحنا، واعتقد الجميع سابقاً أنّ ترامب يردّد كلمات كتبها بيبي له".

لم يعد الأمر كذلك. بل إنّ ترامب عبّر بشكل متزايد عن إحباطه من نتنياهو. ومن الأمثلة المبكرة على ذلك انفعاله الشديد على رئيس الوزراء الإسرائيلي بسبب غارة جوية إسرائيلية على إيران في حزيران/يونيو بعد التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في تلك الحرب التي استمرت 12 يوماً.

بعد الغارة الجوية الإسرائيلية الفاشلة على مفاوضي حماس في قطر الشهر الماضي، أجبر ترامب، خلال لقائه مع نتنياهو في المكتب البيضاوي، نتنياهو على الاتصال برئيس الوزراء القطري والاعتذار.

وشرح جاريد كوشنر، صهر الرئيس، الأمر في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" في 20 تشرين الأول/أكتوبر قائلاً: "أعتقد أنه شعر بأنّ الإسرائيليين فقدوا السيطرة على ما يفعلونه، وأنّ الوقت قد حان للتصرّف بقوة ومنعهم من القيام بأشياء رأى أنها لا تصبّ في مصلحتهم على المدى الطويل".

كان كشف كوشنر استثنائياً، إذ أشار إلى أنّ ترامب يعتقد أنه يتصرّف لمصلحة "إسرائيل"، وأنّ نتنياهو ليس كذلك. ثم واصل ترامب الضغط على نتنياهو للموافقة على خطته للسلام في غزة، بما في ذلك الاعتراف بتطلّعات الفلسطينيين إلى إقامة دولة، وهو ما يعارضه الزعيم الإسرائيلي بشدّة. وفي اليوم التالي، صرّح ترامب لموقع "أكسيوس": "لا بدّ أن يكون راضياً عن ذلك. ليس لديه خيار آخر. معي، يجب أن تكون راضياً".

رغم كلّ تصريحاته القاسية تجاه نتنياهو، لا يزال ترامب ومساعدوه داعمين لـ "إسرائيل"، كما أظهر بوضوح خلال زيارته إلى "تل أبيب" هذا الشهر. ويواصل تهديد حماس بإجراءات قاسية إذا لم تفِ بالتزامها بإعادة جميع جثث الإسرائيليين، مع أنه أوضح في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي يوم السبت أنّ "دولاً أخرى" ستكون هي من "تتخذ إجراءات" ضدّ حماس إذا لم تمتثل.

بدأ الإسرائيليون يتساءلون إلى متى ستواصل الولايات المتحدة الضغط إذا أظهر ترامب علامات فقدان الاهتمام.

قال حزان: "إنه لا يملك القدرة على الصمود. لا يمكنه الاستمرار في دور حاضن بيبي. السؤال هو: من سينهار أولاً؟"

لم يكتفِ الرئيس بتأكيد هيمنته على نتنياهو فيما يتعلق بغزة. فقد صرّح ترامب للصحافيين في منتصف تشرين الأول/أكتوبر بأنه عندما يتعلّق الأمر بحلّ الدولتين المحتمل بين إسرائيل والفلسطينيين "سأقرّر ما أعتقد أنه صحيح".

وفي مقابلة مع مجلة "تايم"، سُئل ترامب عمّا إذا كان يعتقد أنه ينبغي إطلاق سراح مروان البرغوثي، الشخصية الفلسطينية الشهيرة التي أُدينت عام 2004 بتهم الإرهاب لدورها في هجمات أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص، من السجن الإسرائيلي.

لم يكن البرغوثي من بين 250 سجيناً فلسطينياً يقضون أحكاماً طويلة والذين أفرجت عنهم "إسرائيل" في صفقة تبادل رهائن محتجزين في غزة. وقال ترامب إنه كان يناقش للتوّ فكرة إطلاق سراح البرغوثي، مضيفاً: "سأتخذ قراراً"، وقال مرة أخرى مؤكداً: "أنا". لا نحن.

كما رفض ترامب، بلهجة حازمة متزايدة، فكرة ضمّ "إسرائيل" لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وهذا هدفٌ راسخٌ لدى شركاء نتنياهو اليمينيين في الائتلاف الحاكم، وقد حظي بدعم منذ اعتراف عددٍ من الدول بالدولة الفلسطينية الشهر الماضي. وقال ترامب في مقابلة مع "تايم": "لن يحدث ذلك. ستفقد إسرائيل كلّ دعم الولايات المتحدة لها إذا حدث ذلك".

لقد أصبح الأمر مختلفاً تماماً عن الأيام التي بدا فيها نتنياهو مستمتعاً بمعاركه مع الرؤساء الأميركيين، وغالباً ما كان ينتصر فيها.

لقد تحدّى نتنياهو الرئيس جو بايدن، قائلاً إنّ الإسرائيليين "سيقاتلون بأظافرهم" إذا أوقف بايدن شحنات الأسلحة. وأيضاً تحدّى الرئيس باراك أوباما بمخاطبة الكونغرس للتنديد بالاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع إيران. وأثار غضب الرئيس بيل كلينتون لدرجة أنّ الأخير سأل، بعبارات لاذعة لا تُنسى، "أي دولة هي القوة العظمى".

تتجه "إسرائيل" إلى عام انتخابي، على الرغم من أنّ موعد التصويت لم يُعرف بعد. وقد قدّم ترامب مراراً وتكراراً هدايا سخية للغاية لنتنياهو قبل حملات إعادة انتخابه.

لكن ترامب يوضح الآن أنه قد يشكّل أيضاً تهديداً لرئيس الوزراء. قال نمرود نوفيك، مستشار رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز والزميل الحالي في منتدى السياسة الإسرائيلية: "أعتقد أنّ بيبي يفهم أكثر من ترامب أنّ ترامب يستطيع تقويض فرصه الانتخابية بمنشور واحد على مواقع التواصل الاجتماعي". وأضاف: "في اللحظة التي ينأى فيها ترامب بنفسه عنه، إما بقوله: "هذا الرجل أخبار سيئة"، أو حتى بتعبير ألطف، بقوله: "سأعمل بشكل وثيق بالقدر نفسه مع أيّ رئيس وزراء إسرائيلي"، "فهذا كافٍ للتأثير على الأمور".

وهو ما يثير سؤالاً خيالياً إلى حدّ ما ولكنه مع ذلك مثير للاهتمام:

إذا استمرّ ضعف نتنياهو السياسي، وشعبية ترامب الهائلة بين الناخبين الإسرائيليين، وسعي ترامب للتوصّل إلى اتفاق سلام، فهل يستنتج نتنياهو أنّ مفتاح بقائه السياسي ليس عرقلة قيام دولة فلسطينية، بل جعلها ممكنة؟

نقلته إلى العربية: بتول دياب.