"نيويورك تايمز": ترامب خسر أمام الصين
بعد انعقاد القمة الأميركية - الصينية، قد يتفاخر ترامب بمهارته في عقد الصفقات. وقد يقترح مساعدوه أنه يستحق جائزة نوبل للتفاوض، فلا تستغربوا!
-
"نيويورك تايمز": ترامب خسر أمام الصين
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول تداعيات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين خلال عهد دونالد ترامب، مركزاً على الآثار العكسية التي لحقت بواشنطن نتيجة سوء تقديرها لقوة الصين الاقتصادية واستراتيجيتها في السيطرة على المعادن النادرة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
تُعد العلاقة بين الولايات المتحدة والصين العلاقة الثنائية الأكثر أهمية في العالم اليوم، وقد أفسدها ترامب. فقد شنّ حرباً تجارية بدأت واشنطن تخسرها، وفي حال تم التوصل إلى هدنة رسمية بين البلدين، فقد تكون هدنة تُسيطر فيها الصين على الولايات المتحدة وتُضعف نفوذنا.
عندما أعلن ترامب بتهور عن رسومه الجمركية بمناسبة "يوم التحرير" في نيسان/أبريل، أخطأ في حساباته. فقد بدا وكأنه يعتقد بأن الصين في موقف ضعيف لأنها تصدّر إلى الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تشتري منها. ويبدو أنه لم يُقدّر أنّ الكثير مما تشتريه الصين، مثل فول الصويا، يمكن الحصول عليه من مصادر أخرى؛ في حين أنّ بكين باتت اليوم البلد المُصدّر للمعادن الأرضية النادرة، الأمر الذي يتركنا بلا مصادر بديلة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الصين تسيطر على نحو 90% من المعادن النادرة، وهي المورد الوحيد لـ6 معادن أرضية ثقيلة نادرة؛ كما تهيمن على المغناطيسات الأرضية النادرة.
تُعدّ المعادن النادرة والمغناطيسات الأرضية النادرة من العناصر الأساسية للصناعة الحديثة. فهي ضرورية لتصنيع الطائرات المسيّرة، والسيارات، والطائرات، والتوربينات، والكثير من الأجهزة الإلكترونية والمعدات العسكرية؛ وبدونها، ستضطر بعض المصانع الأميركية إلى الإغلاق، وسيتضرر الموردون العسكريون بشدة. وتتطلب غواصة واحدة 4 أطنان من المعادن النادرة.
وقد كان متوقعاً أن تردّ الصين على أي نزاع دولي باستخدام سيطرتها على المعادن النادرة كسلاح، لأن هذا ما فعلته مع اليابان عام 2010. وبالفعل، بعد يومين من إعلان ترامب عن رسومه الجمركية في يوم التحرير، أعلنت الصين أنها فرضت قيوداً على صادرات بعض المعادن النادرة. ثم وسّعت نطاق هذه القيود بشكل كبير هذا الشهر. وسرعان ما أصبح واضحاً أننا بتنا تحت رحمة الرئيس الصيني شي جين بينغ؛ إذ يعتمد اقتصاد الولايات المتحدة على المعادن النادرة الصينية أكثر بكثير من اعتماد الصين على فول الصويا الأميركي.
وأعلن وزير الخزانة سكوت بيسنت أنّ المفاوضين قد توصلوا حالياً إلى "إطار عمل جوهري" لاتفاق تجاري بين ترامب وشي. وإذا صمد هذا الإطار، ستخفّض الولايات المتحدة الرسوم الجمركية وتلغيها، في حين ستعلّق الصين قيودها الأخيرة على صادرات المعادن الأرضية النادرة وتستأنف شراء فول الصويا. قد يبدو هذا الأمر للوهلة الأولى عودةً إلى الوضع الراهن قبل الحرب التجارية، لكنه أقرب إلى استسلامنا وانتهائنا بموقف أضعف بعد الصراع الذي بدأناه. ويرجع ذلك إلى أنّ النزاع دفع الصين إلى استغلال سيطرتها على المعادن النادرة واستخدامها كسلاح ضدنا إلى أجل غير مسمى. في الواقع، سيكون تعليق ضوابط تصدير المعادن النادرة لمدة عام خطوة ذكية من جانب شي، إذ يسمح لبكين بالاحتفاظ بنفوذها على الولايات المتحدة من دون التسبب في اضطراب يدفع الولايات المتحدة ودولاً أخرى إلى بذل جهود حثيثة لكسر احتكار الصين شبه الكامل للمعادن.
وخلال مؤتمر عُقد نهاية الأسبوع الفائت، طلبتُ من خبراء العلاقات الدولية المتواجدين في قاعة كبيرة رفع أيديهم: من ظنّ أن الولايات المتحدة كادت تفوز في الحرب التجارية، ومن آمن بأن الصين ستفوز، ومن ظنّ أنه من السابق لأوانه الحكم؟ فقالت الأغلبية الساحقة إنّ الصين تفوز وتتصدر المعركة حالياً.
واليوم، بعد أن حثّ ترامب الصين على استخدام المعادن الأرضية النادرة كسلاح، لم تعُد لدينا أي وسيلة سريعة لإيجاد مصادر بديلة. وكان ينبغي على الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين على مر السنين أن يبذلوا جهوداً أكبر لتطوير مناجم المعادن النادرة ومصافي النفط. وأشار تيري لينش، الرئيس التنفيذي لشركة "باور ميتاليك ماينز" (Power Metallic Mines) وهي شركة تعدين كبرى مقرها كندا، أن الغرب يحتاج إلى جهد بحجم مشروع مانهاتن لتطوير قدرات المعادن النادرة، ولكن حتى هذه المبادرة الشاملة قد تستغرق من 5 إلى 7 سنوات للحصول على نتائج. وقال: "سيتعيّن علينا في هذه الفترة المؤقتة إبرام صفقة مع الصين".
في الحقيقة، لقد بدأ ترامب حرباً تجارية، وسرعان ما اكتشف أنه غير مستعد بشكل كافٍ لها. وفجأةً، وجد المتنمر التجاري نفسه عرضة للتنمر، فبدأ بالتودد إلى الصين وتقديم التنازلات لها. فخفّض الرسوم الجمركية (قبل أن يُهدد بفرض رسوم جديدة) وخفّف من القيود المفروضة على تصدير الرقائق إلى الصين. كما سمح لتطبيق "تيك توك" بمواصلة العمل في الولايات المتحدة، على الرغم من المخاوف الأمنية الوطنية الخطيرة. ومنع زيارة رئيسة تايوان للولايات المتحدة، وأفادت التقارير بتأجيل صفقة بيع أسلحة لها. وكما وصف مركز التقدم الأميركي (Center for American Progress)، فإن "نهج إدارة ترامب تجاه الصين في حالة انهيار استراتيجي".
وهذا ما يدعوني للقلق في السنوات القادمة. فالرئيس شي يعرف نقاط ضعفنا، وقد أثبت أنه صاحب اليد العليا في العلاقات الثنائية وأن ترامب هو الضعيف الذي سينهار تحت الضغط، بما في ذلك في المسائل الأمنية. ولأن ترامب خان حلفاءه وأثار عداوتهم، فمن المُستبعد أن يتعاونوا معنا في الوقوف بوجه بكين.
قد يُعلّق شي القيود المفروضة على المعادن النادرة لمدة عام، ولكنني أشك في أنه سيسمح لنا ببناء مخازن منها. وأظن أنه سيكون من الصعب على الشركات الأميركية الحصول على المعادن النادرة لصنع الطائرات المقاتلة والغواصات. ولنكون منصفين، فإن شي يفعل بالولايات المتحدة في بعض المجالات ما فعلناه بالصين.
على أيّ حال، قد يكون تعليق تراخيص المعادن النادرة لمدة عام واحد مجرد وسيلة لتذكير القادة الأميركيين - وغيرهم حول العالم، نظراً لطبيعة القيود العالمية - بضعفهم. ومن المفترض أن يكون الهدف هو حثّ بكين على مزيد من الخضوع في القضايا التي تهمّها، من تايوان إلى شكاوى حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ والتبت.
في كتابه "فن الحرب" (The Art of War) قبل 2500 عام، كتب سون تزو، الخبير الاستراتيجي العسكري العظيم: "إن إحراز 100 انتصار في 100 معركة ليس هو الأفضل. بل إن إخضاع العدو من دون قتال هو أفضل ما يكون". ولعل هذا ما يقصده شي، إذ يسمح للصين، بفضل نفوذها التجاري المكتسب حديثاً، بإظهار قوة عسكرية أكبر في غرب المحيط الهادئ من دون إطلاق صاروخ واحد.
وقد يستخدم الرئيس الصيني، بشكل صريح أو ضمنيّ، التهديد بتقييد صادرات المعادن النادرة لتشجيع ترامب على تقليص دعمه لتايوان أو تقليص الدوريات في بحر الصين الجنوبي. وفي حال وافق ترامب على ذلك، فسيُشكّل ذلك انتكاسة كبيرة للولايات المتحدة في آسيا ومكسباً كبيراً للنفوذ الصيني. وسيشعر حلفاؤنا بالقلق من فكرة تراجع القوة الأميركية في المحيط الهادئ، وسيتزايد خطر العدوان الصيني في مضيق تايوان.
لذا، لا تتسرعوا في التهليل لأي إعلان انتصار قد تسمعونه من ترامب ومساعديه بشان اتفاق تاريخي مع الصين. فنحن الأميركيين لم نخسر حرباً تجارية فحسب، بل جزءاً كبيراً من مصداقيتنا ونفوذنا العالمي لسنوات قادمة، بطرق قد يُنظر إليها عالمياً على أنها نذير تراجع أميركي.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.