"نيويورك تايمز": ماذا يعني قبول ترامب طائرة فاخرة من قطر؟

إدارة ترامب الثانية تتخطى الحدود في الخلط بين المناصب العامة والمنافع الشخصية.

  • طائرة بوينغ
    طائرة بوينغ "747-8" في مطار بالم بيتش الدولي بعد جولة ترامب فيها

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتحدث عن تصاعد مظاهر الفساد واستغلال النفوذ في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلال ولايته الثانية، ويُحذّر من مرحلة جديدة أكثر جرأة في استغلال المناصب العامة في الولايات المتحدة، يُجسّدها ترامب، إذ تتقلّص المحاسبة، وتُسخّر السلطة لخدمة المصالح الشخصية بشكل علني وغير مسبوق.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

خلال فترة ولاية الرئيس ترامب الأولى، أثارت فكرة قيام جماعات المصالح الخاصة والحكومات بتناول الطعام وحجز غرف في فنادقه مخاوف قانونية وأخلاقية بشأن احتمال حدوث فساد. أما ولاية ترامب الثانية، فتجعل هذه المخاوف تبدو تافهة.

وتُعد خطة الإدارة الأميركية لقبول طائرة فاخرة بقيمة 400 مليون دولار من العائلة المالكة القطرية أحدث مثال على أجواء التحرر المتزايدة التي تشهدها واشنطن خلال فترة ولاية ترامب الثانية. ولن يتمكن الرئيس التنفيذي الشهير بصفقاته من استخدام الطائرة أثناء وجوده في منصبه فحسب، بل من المتوقع أيضاً أن ينقلها إلى مؤسسته الرئاسية بمجرد مغادرته البيت الأبيض.

تظهر إدارة ترامب الثانية ازدراءً صارخاً لمعايير اللياقة السابقة والحواجز القانونية والسياسية التقليدية حول الخدمة العامة. ومن الواضح أنّ هذا التوجه بات أكثر جرأة. يرجع ذلك جزئياً إلى حكم المحكمة العليا العام الماضي الذي منح الرؤساء الحصانة عن أفعالهم الرسمية، وإلى الواقع السياسي الذي يقول إنّ سيطرة ترامب على الحزب الجمهوري تعني أنه لا داعي للخوف من المساءلة.

لقد جمعت لجنة تنصيب ترامب مبلغ 239 مليون دولار من مصالح تجارية ثرية على أمل كسب ودّه أو على الأقل تجنب غضبه، وهو مبلغ يزيد على ضعف الرقم القياسي السابق البالغ 107 ملايين دولار، الذي جمعته لجنة تنصيبه في عام 2017. ولا توجد طريقة لإنفاق ربع مليار دولار على حفلات العشاء والمناسبات، ولم تذكر اللجنة مصير الأموال المتبقية.

قبل عودته إلى منصبه، أطلق ترامب أيضاً عملة "ميم" رقمية تحمل اسمه "$TRUMP"، تتيح لمستثمري العملات الرقمية في العالم زيادة ثروته. وقد حققت عائلته بالفعل ملايين الدولارات من رسوم المعاملات، ويُقدر احتياطيها من العملة الرقمية بمليارات الدولارات على الورق.

 وخلال هذا الشهر، ذهب ترامب أبعد من ذلك بعرض عملته الرقمية للبيع في مزاد علني مقابل لقائه شخصياً، مُعلناً أنّ كبار المشترين سيحصلون على عشاء خاص في أحد ملاعب الغولف التابعة له، وأن أكبر حاملي العملة سيحصلون على جولة في البيت الأبيض. وقد عززت هذه المسابقة الاهتمام بالعملة، رغم أنها لا تحمل أي قيمة جوهرية.

وقد امتدت عملية إزالة هذه القيود لتشمل تطبيق القانون؛ ففي نيسان/أبريل، قامت إدارة ترامب بحل وحدة تابعة لوزارة العدل مخصصة للتحقيق في جرائم العملات المشفرة. وفي وقت سابق، أمر ترامب الوزارة أيضاً بتعليق تطبيق قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة (FCPA)، الذي يحظر على الشركات العاملة في الولايات المتحدة تقديم رشوة لمسؤولين حكوميين أجانب. 

إضافة إلى ذلك، قامت المدعية العامة بام بوندي، التي كانت في السابق عضواً في جماعة ضغط تعمل لمصلحة قطر وتتقاضى أجراً مرتفعاً، بتضييق نطاق تطبيق قانون يلزم جماعات الضغط التابعة للحكومات الأجنبية بتسجيل هذه العلاقات والإفصاح عن الأجور التي يتقاضونها. ولم تنشر الإدارة تحليلاتها القانونية بشأن الاتفاق مع قطر.

وأفاد شخص مُطلع على هذه المسألة بأن بوندي وقّعت شخصياً على مُذكرة صادرة عن وزارة العدل تبارك الخطة باعتبارها قانونية، على الرغم من أنه أضاف أن المذكرة تمت صياغتها وإقرارها من قبل المحامين في مكتب المستشار القانوني في الوزارة.

وللتأكيد، فإنّ جوانب هذا التحول الثقافي تعود إلى ما قبل عهد ترامب؛ ففي عام 2016، صعّبت المحكمة العليا بالإجماع مقاضاة المسؤولين الحكوميين بتهمة الفساد، وذلك بتضييق نطاق ما يُعتبر "عملاً رسمياً" في قوانين الرشوة الفيدرالية، مُلغية بذلك إدانة حاكم ولاية فرجينيا السابق بتهم تتعلّق بالفساد. 

ولطالما كانت واشنطن مكاناً يمكن أن يختلط فيه المال بالسياسة بطرق غير لائقة، ولا يمكن لأي حزب فيه احتواء الأشخاص التوّاقين إلى استغلال المناصب العامة لتحقيق مكاسب خاصة. على سبيل المثال، استقال السيناتور الديمقراطي من ولاية نيوجيرسي، روبرت مينينديز، من منصبه في العام الماضي بعد إدانته بتهمة تلقّي رشاوى، وحصل هانتر بايدن على مقعد مربح في مجلس إدارة شركة غاز أوكرانية عندما كان والده جوزيف آر بايدن جونيور نائباً للرئيس. وكان يُنظر إلى استغلال مكانة والده بهذه الطريقة على نطاق واسع على أنه غير لائق، حتى لو طغت نظرية المؤامرة التي روّج لها اليمين، والتي تشير إلى أنها تضمنت أيضاً رشاوى من أحد الروس الأثرياء. 

وتُعد الفترة الراهنة، التي تأتي في وقت تندمج مقامرة ترامب في مجال العملات المشفرة مع استحواذه المزمع على طائرة قطرية، لافتة بشكل خاص بسبب الانفتاح الذي يُبديه الرئيس وأفراد عائلته والكيانات المحيطة به في استغلال منصبه من دون خجل لتحقيق منافع شخصية أو لتعزيز أجندته الشخصية بشكل منفصل عن صنع السياسات الحكومية.

وقد ضغط ترامب على عدد من شركات المحاماة الكبرى للتبرع بعشرات الملايين من الدولارات من الخدمات القانونية المجانية لقضاياه المفضلة، مستخدماً التهديد بالإجراءات الرسمية مثل منعها مع عملائها من التعامل مع الحكومة، كسلاح (وقد قاومت شركات محاماة أخرى توجيهاته في المحاكم وحققت نجاحاً متزايداً).

كما وجد طرقاً أخرى لجَني الأموال من شركات التكنولوجيا؛ فقد أُفيد بأنّ شركة "أمازون" دفعت 40 مليون دولار في مقابل الحصول على حقوق بث فيلم وثائقي مستقبلي عن السيدة الأولى ميلانيا ترامب. بِدورها، وافقت شركة "ميتا" على دفع مبلغ 25 مليون دولار للمنظمة غير الربحية التي ستتولى بناء متحف ترامب الرئاسي المستقبلي وإدارته، لتسوية دعوى قضائية بشأن تعليق "فيسبوك" لحسابه بعدما بلغت أكاذيبه بشأن انتخابات 2020 ذروتها في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير 2021.

علاوة على ذلك، يُجري أصحاب المؤسسات الإعلامية تسويةً لدعاوى قضائية مع ترامب، والتي اعتبرها الكثير من محامي وسائل الإعلام قابلةً للربح. ووافقت قناة "إيه بي سي نيوز" (ABC News) على دفع مبلغ 15 مليون دولار للمؤسسة التي تتولى إدارة مؤسسة ترامب. كما تدرس شركة "باراماونت" (Paramount)، التي تحتاج إلى موافقة إدارة ترامب لبيعها لاستوديو في هوليوود تسوية مماثلة مع ترامب في دعوى قضائية رفعها ضد شركة "سي بي إس نيوز" (CBS News)، وهي إحدى الشركات التابعة لها، بشأن كيفية قيام برنامج "60 دقيقة" بتحرير مقابلة مع نائبة الرئيس كامالا هاريس العام الفائت. 

ويبدو أن خطة ترامب للطائرة القطرية تتمثل في استخدامها كطائرة رئاسية حتى انتهاء ولايته، ريثما تُنهي شركة "بوينغ" بناء جيل جديد من الطائرات الرئاسية. بعد ذلك، سينقل البنتاغون الطائرة إلى متحفه. وقد أطلق عليه اسم "مكتبة ترامب الرئاسية"، إلا أنّ المكتبات الرئاسية هي مرافق بحثية يديرها الأرشيف الوطني. وغالباً ما تُجاور المتاحف التي تديرها مؤسسات خاصة مُخصصة للرؤساء السابقين.

وقد شبّه ترامب هذه الخطة بخطة متحف رونالد ريغان في منطقة سيمي فالي في كاليفورنيا، حيث تُعدّ طائرة "بوينغ 707" الرئاسية اليوم أحد أبرز معالم الجذب السياحي، لكن تلك الطائرة كانت في نهاية عمرها الافتراضي؛ فقد استُخدمت كطائرة رئاسية من عام 1973 وحتى عام 2001 قبل أن تُخرج من الخدمة.  كما أنها لا تزال ملكاً للقوات الجوية، وهي بمنزلة قرض دائم.

أمّا الطائرة القطرية، فستظل شبه جديدة عام 2029، ما يثير تساؤلات بشأن ما إذا كان متحف ترامب، الذي يديره حلفاؤه، سيسمح له بالاستمرار في استخدام الطائرة بعد انتهاء ولايته. وقد نفى ترامب، يوم الاثنين، أن تكون هذه نيته. 

وحتى لو كان الأمر كذلك، فمن غير الواضح ماذا ستستفيد الحكومة الأميركية من إيقاف تشغيل طائرة باهظة الثمن وشبه جديدة. مع ذلك، فإن عرضها في متحف ترامب مستقبلاً سيساهم في تمجيده.

وأشار ترامب إلى أنه ينظر إلى العرض القطري باعتباره نوعاً من تبادل المنفعة، مؤكداً أنّ الولايات المتحدة وفرت الأمن للدولة الخليجية و"ستستمر في ذلك"، وأضاف أنه اعتبر الهدية "لفتة كريمة" من القطريين، قائلاً "إنّ الشخص الغبي فقط هو من يرفض طائرة مجانية باهظة الثمن".

نقلته إلى العربية: زينب منعم.