"جيروزاليم بوست": التحدّي الأكبر لـ"إسرائيل".. حروب هجينة ولاعبون من دون دول

صحيفة "جيروزاليم بوست" تضيء على التحديات التي تواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي بفعل تشكّل قوى معادية لا تندرج ضمن نطاق الدول والمؤسسات العسكرية التقليدية.

  • التحدّي الأكبر لإسرائيل: حروب هجينة مع لاعبين دون دولة
    التحدّي الأكبر لـ "إسرائيل" حروب هجينة مع لاعبين دون دولة

تناول الكاتب في صحيفة "جيروزاليم بوست" إيهود عيلام الذي يدرس الأمن القومي الإسرائيلي منذ أكثر من 25 عاماً، وعمل باحثاً في وزارة الأمن، ذكرى حرب 1967.

وفيما يلي النص منقولاً إلى العربية:

نحتفل الآن بذكرى حرب الأيام الستة، والنصر الإسرائيلي السريع. في غضون أسبوع تقريباً هزم الجيش الإسرائيلي ثلاثة جيوش عربية (مصر وسوريا والأردن) واستولى على مناطق شاسعة، أكبرها كانت شبه جزيرة سيناء (60.000 كيلومتر مربع). 

كانت الحرب التالية، عام 1973، أصعب بكثير. في العقود الأخيرة، في أعقاب السلام مع مصر والأردن، والتدهور الحادّ في سوريا والعراق، كان هناك احتمال ضئيل لحدوث حرب عالية الشدة مثل تلك التي حدثت عام 1967. بدلاً من ذلك، كان على إسرائيل محاربة منظمات دون دولة، في الأغلب "حماس" وحزب الله.

بعد حرب الاستقلال عامي  1948 - 1949 وصولاً إلى الثمانينيات، واجهت "إسرائيل" تهديداً عربياً كبيراً، بسبب عدم التوازن بين الجانبين فيما يتعلق بحجم السكان والأراضي والموارد الطبيعية. وكان للدول العربية ميزة ساحقة في عدد أنظمة الأسلحة مثل الدبابات والطائرات وما إلى ذلك، وفي عديد القوات. 

تمتّع الجيش الإسرائيلي بمزايا مثل القوة البشرية النوعية، لكنها ربما لم تكن كافية في حربٍ عالية الشدة. في ظروف معينة كان في وسع الجيوش العربية أن تنتصر وتستولي على جزء من "إسرائيل" بل وتدمّر "إسرائيل". زال هذا الكابوس. "إسرائيل" لم تعد تواجه مثل هذا الخطر.

في عام 1967، أقامت "إسرائيل" علاقات ودية مع إيران، لكن منذ عام 1979 أصبحت إيران عدوّاً لــ"إسرائيل". في العقود الأخيرة، نصبت إيران نفسها على أنّها عدو لـــ"إسرائيل". تقدّم إيران الدعم لشركائها، والمنظمات ما دون دون دولة، مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي. حماس، وحزب الله على نحو أساسي، هما أقوى الجماعات الموجودة حول "إسرائيل" من بين حلفاء إيران. 

ومع ذلك، فإنّ أكثر المشكلات إثارة للقلق هي برنامج إيران النووي، الذي يمكن استخدامه لإنتاج أسلحة نووية قد تكون أكبر تهديد تواجهه "إسرائيل" على الإطلاق.

تشكل المنظمات العربية ما دون دولة مشكلة خطرة لــــ"إسرائيل". على الأخيرة ألا تستخف بحماس، فضلاً عن حزب الله الأقوى من حماس. لدى حزب الله ما يصل إلى 150 ألف قذيفة صاروخية وصاروخ، قد تطلق بمعدّل 1500 في اليوم، إذا نشبت الحرب، ما سيتسبب بخسارة وأضرار كبيرة. 

ومع ذلك، لا تستطيع هذه المجموعات الاستيلاء على أي جزء من "إسرائيل" ولا هزيمة الجيش الإسرائيلي، حتى في أسوأ السيناريوهات على  إسرائيل. وهذا فرق كبير قياساً على الفترة، التي واجهت فيها "إسرائيل" الجيوش العربية كما في حرب عام 1967.

في عام 1967، خشي الجيش الإسرائيلي القوات الجوية العربية، وكانت بمعظمها مصرية، لأنّ الأخيرة كانت تمتلك قاذفات يمكن أن تضرب المدن الإسرائيلية. لم يكن الدفاع الجوي الإسرائيلي قادراً على منعها، لذلك اعتمد الجيش الإسرائيلي على سلاح الجو لمهاجمة المطارات العربية، ما أدى إلى تدمير الطائرات العربية على الأرض. عملت هذه الخطة على نحو جيد جداً. 

التحدي الرئيس

يتمثل التحدي الرئيس اليوم في الحد -قدر الإمكان- من نيران القذائف الصاروخية والصواريخ، بما في ذلك النيران على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. يمتلك الجيش الإسرائيلي دفاعاً جوياً يمكنه اعتراض بعض الصواريخ، لا كلها. لذلك، كما في عام 1967، سيعتمد الجيش الإسرائيلي على الطائرات لقصف المناطق المعادية بدقة.

في السنوات التي سبقت حرب عام 1967، أجرى الجيش الإسرائيلي تدريبات عسكرية كبيرة، أعدت القوات لمحاربة الجيوش العربية. كان الجيش الإسرائيلي يفعل الشيء نفسه إزاء تهديد المنظمات العربية غير الحكومية، ولا سيما في المناورة الرئيسة (الأخيرة) التي أجريت في أيار/مايو وأوائل حزيران/يونيو. 

في العقدين الماضيين، طوّرت وسائل جديدة لمراقبة أداء القوات في أثناء التدريبات، فيما تغيّرت طبيعة التدريبات بصورة كبيرة. في الستينيات تدرّب الجيش الإسرائيلي على التغلب على المواقع المحصنة وسحق قوات المدرعات الكبيرة. يركز الجيش الإسرائيلي الآن على حرب المدن والتعامل مع التدابير المضادة للدبابات.

شن الجيش الإسرائيلي ضربة استباقية في حرب عام 1967 جوية وبرية. كان من الضروري على نحو خاص ضربهم من الجو لأنّ ذلك أدى إلى تحييد ثلاثة أسلحة جو عربية في أقل من يوم واحد. 

قد تفكر "إسرائيل" في توجيه ضربة استباقية إلى حزب الله، إذا أنتج الأخير كميات هائلة من الصواريخ الدقيقة. وإذا قصفت "إسرائيل" المواقع النووية الإيرانية، فقد يدفع ذلك حزب الله إلى مواجهة "إسرائيل". 

في كل هذه الحالات، قد تستنتج "إسرائيل" أنّ عليها ضرب حزب الله بقوة، قبل أن يهاجم الأخير "إسرائيل". كما حدث عام 1967، سيكون الأمر فعالاً على نحو خاص إذا أًخذ العدو، حزب الله في هذه الحالة، على حين غرة.

كانت حرب عام 1967 انتصاراً مثيراً للإعجاب، ولكن مصر وعلى الرغم مِن هزيمتها، بدأت حرب استنزاف، ثمّ حرباً شديدة الحدة عام 1973. واستغرق الأمر أكثر من عقد لتوقيع "إسرائيل" ومصر معاهدة سلام. 

الصراع بين "إسرائيل" وسوريا لم ينتهِ. لا يمكن أن تقضي "إسرائيل" على حماس، فضلاً عن حزب الله، بسبب حذره وقوته والتكلفة  التي ستدفعها "إسرائيل" إذا سعت للقضاء عليه قضاءً نهائياً. سيستمر الصراع مع حزب الله وحماس حتى لو وجّه الجيش الإسرائيلي إليهما ضربة قاسية. حزب الله وحماس، على عكس مصر، لن يقبلا أبداً بالسلام مع "إسرائيل".  

وعلى العموم، حلّت الحروب الهجينة مع المنظمات ما دون دولة محل الحروب عالية الشدة مثل حرب الأيام الستة عام 1967، باعتبارها التحدّي الأكبر لـ"إسرائيل" . لقد كان تغييراً كبيراً في مصلحة "إسرائيل" على نحو عام. على الرغم من قدرات المنظمات العربية ما دون دولة، فإنّ الخطر أقل بكثير مقارنة بذاك الذي واجهته "إسرائيل" في الحروب الشديدة. بهذا المعنى، فإنّ "إسرائيل" في مكان أفضل بكثير مما كانت عليه عام 1967.