قصة ثلاث ديمقراطيات: بريطانيا وأميركا وفرنسا

أثبت سوناك في لندن أنه متردد وكارثي، وماكرون، فغالباً ما يكون مكروهاً ولكنه حاسم. وبالنسبة لبايدن فهو ضعيف ويكافح ليربح الانتخابات ويتعرض للانتقاد بسبب أصراره على المضي في تحد خاسر.

0:00
  • قصة ثلاث ديمقراطيات: بريطانيا وأميركا وفرنسا
    قصة ثلاث ديمقراطيات: بريطانيا وأميركا وفرنسا

صحيفة "ذا ناشونال" تنشر مقالاً للكاتب غافين إيسلر يتحدث فيه عن الوضع السياسي في المملكة المتحدة وفرنسا بعد نتائج الانتخابات، وفي الولايات المتحدة التي ينتظرها استحقاق رئاسة آخر العام الحالي.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

لو كتب تشارلز ديكنز اليوم روايته التاريخية "حكاية مدينتين"، لربما كانت حكاية 3 مدن، بإضافة العاصمة الأميركية واشنطن. نشر ديكنز روايته في القرن الـ 18، حيث كانت الصراعات السياسية والاجتماعية والمتغيرات الكبرى تقضّ مضجع فرنسا وبريطانيا بالاضطرابات والفوضى التي انتشرت في عموم أوروبا، مؤثرة كذلك في كل العالم.

ليس اليوم ببعيد عن ذاك التاريخ، فعدم اليقين اليوم في العواصم الغربية المذكورة، يشي بالكثير عن 3 دول غربية، وزعماء لا تشابه بينهم، وهم يتخبّطون في نظام ديمقراطي هشّ للغاية.

لقد تركت انتخابات المملكة المتحدة حزب "المحافظين"، على حد تعبير الصحفي كريس ماسون، "خرابة"، بعد أن مُنيَ بهزيمة شاملة أخرجته من تمثيل المقاطعات والمدن الكبرى في ويستمنستر وويلز وأيرلندا الشمالية واسكتلندا، التي حاز فيها على 3 مقاعد فقط تقع جميعها في مدن على الحدود مع إنكلترا، بمعنى أنّ حزب المحافظين أصبح فقط حزباً لإنكلترا فقط، وليس للمملكة المتحدة.

وحصد حزب "العمال" البريطاني الأغلبية البرلمانية الضخمة بزعامة كير ستارمر، والتي تمنحه القدرة على التحدث باسم المملكة المتحدة، على عكس الوضع في باريس الآن، بعد الانتخابات البرلمانية التي قررها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل مفاجئ لحلفائه قبل خصومه، وعلى عكس رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك الذي تريّث في تحديد موعد الانتخابات.

دعوة ماكرون إلى الانتخابات المبكرة، جاءت كردة فعل متسرعة على انتصارات حزب "التجمع الوطني" اليميني المتشدد بزعامة مارين لوبان في الانتخابات البرلمانية الأوروبية. وهو مثل سوناك، غير محبوب ولا يزال كذلك، ولكنه على عكس سوناك، في اتخاذ الخطوات الحاسمة، حين دعا إلى انتخابات لم تكن ضرورية دستورياً، وعدّها البعض خطوة ربما تكون كارثية سياسياً بالنسبة إليه وإلى حزبه. وافترض العديد من المعلّقين، وربما لوبان نفسها، أنّ الدعم القوي لحزبها في انتخابات البرلمان الأوروبي من شأنه أن يترجم إلى دعم قوي في الانتخابات المحلية الفرنسية، لكن هذا كان خطأ فادحاً.

في فرنسا وأماكن أخرى، لا يهتم الكثير من الناخبين تقليدياً بمن يدير البرلمان الأوروبي. إنهم يهتمون أكثر بمن يدير بلدهم. كانت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية هي الأعلى منذ عام 1986، وأكثر من 20%، مقارنة مع الانتخابات البرلمانية السابقة في عام 2022.

بالطبع، لا يوجد نظام ديمقراطي مثالي. ولا يمكن لأي انتقال للسلطة أن يتم بسلاسة، وليس من الواضح تماماً من "فاز" في الانتخابات الفرنسية، ولكن من الواضح تماماً من الذي خسر، وهي مارين لوبان وحزبها.

هناك فارق كبير بين النظام الانتخابي الفرنسي والمملكة المتحدة، ففي فرنسا، يُعتمد النظام على التمثيل النسبي من نوع معقد. وهذا يعني أنّ الحكومات قد تضطر إلى تشكيل ائتلافات من أنواع مختلفة، ومضطرة إلى إجراء المقايضات بين قوى سياسية تتناقض بشكل واسع أحياناً، على عكس المملكة المتحدة تعتمد على نظام الأغلبية المطلقة بالاستناد إلى تمحور البرامج السياسية حول حزبين رئيسين، وهو نظام يعود إلى القرن الـ 19، وهو ما أتاح الآن الفوز الساحق لحزب "العمال"، بثلثَي عدد المقاعد في مجلس العموم، مع أنّ ثلث الناخبين فقط اختاروا التصويت له.

الواقع أنّ هذا النظام يوفر تشكيل حكومات قوية، كما الحال مع ستارمر اليوم حيث يتمتع بنفوذ هائل، مع أنّ النظام السياسي المستند إلى خلفية الحزبين لا يمثّل بشكل كامل كل المملكة المتحدة التي أصبحت أكثر تنوّعاً عن الماضي ومتعددة القوى والأحزاب. والواقع أنّ ما يفعله هذا النظام هو تحويل حزب "العمال" وحزب "المحافظين" إلى حزبين يتألف أعضاؤهما من ائتلاف واسع من الآراء المتضاربة في بعض الأحيان. وفي الماضي، ساهمت الانقسامات الحزبية الداخلية بين اليسار واليمين في إبقاء حزب "العمال" خارج السلطة لمدة 14 عاماً. أما الانقسامات الحزبية الداخلية بين يمين الوسط وأقصى اليمين فقد دمرت حزب "المحافظين"، ربما لعقد من الزمان.

ورغم أنّ مشكلات تغيير نظام التصويت في المملكة المتحدة بعيدة كل البعد عن أجندة ستارمر المباشرة، فإنها لن تختفي. فالمملكة المتحدة هي الدولة الأوروبية الوحيدة، باستثناء بيلاروسيا، التي تستمر في اتباع مثل هذه الطريقة العتيقة في التصويت، وهذا يقود إلى ورث بعض مزايا وعيوب نظام التصويت في المملكة المتحدة وفي الولايات المتحدة كذلك، التي تواجه اليوم منافسة أخرى بين جو بايدن ودونالد ترامب، حيث تضطر أعظم قوة عالمية إلى الاختيار بين رجلين لا يبدو أنهما يمثلان لأسباب مختلفة للغاية أفضل ما في أميركا. ويبدو أن ترشح ترامب أمر لا مفر منه، مع أن عيوبه موثقة جيداً، لكن العديد من الجمهوريين يتجاهلونها.

في حكاية المدن الثلاث، أثبت سوناك في لندن أنه متردد وكارثي. أما ماكرون، فغالباً ما يكون مكروهاً ولكنه حاسم.  وبالنسبة إلى بايدن فهو لائق ولكن، من المؤسف أن أقول، ربما يكون ضعيفاً، ويكافح ليربح الانتخابات ويتعرض للانتقاد بسبب أصراره على المضي في تحد خاسر.

في هذه القصة التي تدور حول المدن الثلاث، ليس لدينا كرة بلورية، لكن بايدن يحتاج إلى اتخاذ قرار مؤلم للغاية قبل أن يتخذه الآخرون نيابة عنه.

نقله إلى العربية: حسين قطايا