هل الأوروبيون ديمقراطيون حقاً؟

تتعرض النخب السياسية وخاصة "شريحة" أعضاء البرلمان، لانتقادات شديدة لكونها فاسدة، وبعيدة عن التواصل مع احتياجات ومصالح السكان، وغير قادرة على سن تشريعات فعالة.

  • تعتبر الديمقراطية في العديد من دول الاتحاد الأوروبي أكثر هشاشة مما قد يعتقده كثير من الناس
    تعتبر الديمقراطية في العديد من دول الاتحاد الأوروبي أكثر هشاشة مما قد يعتقده كثير من الناس

نشر موقع "irishexaminer"، مقالاً بعنوان "هل الأوروبيون ديمقراطيون حقاً؟"، يتناول فيه واقع الديمقراطية في دول أوروبا، وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

يعتقد ثلث الأوروبيين فقط أن بلادهم تُحكم ديمقراطيًا، ونسبة 20% فقط راضون عن الطريقة التي يعمل بها نظامهم السياسي.

هذا مؤشر قوي على أنّ خللاً يصيب صحة التمثيل السياسي فيي البرلمانات الأوروبية. ففي فرنسا مثلاً، شهد عام 2022 لجوء الحكومة مرارًا إلى المادة 49 من الدستور لفرض إصلاحات من خلال البرلمان، مع أنها مرفوضة من أكثرية شعبية. وهذه المرة المائة التي تختار فيها السلطة التنفيذية في عهد الجمهورية الفرنسية الخامسة استخدام هذه الصلاحيات الخاصة.

مع وضع هذا في الاعتبار، يرى العديد من الفرنسيين الآن أن نظامهم السياسي غير ديمقراطي. وفي أماكن أخرى من أوروبا، استمرت العديد من الدول في تطوير أنظمة سياسية استبدادية إلى حد ما على مدى العقدين الماضيين، ولا سيما في بولندا وهنغاريا. إضافة إلى أنّ كل بلد في القارة تقريبًا، تكتسب فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة زخمًا متصاعداً.

إلى جانب ذلك، تتعرض النخب السياسية وخاصة "شريحة" أعضاء البرلمان، لانتقادات شديدة لكونها فاسدة، وبعيدة عن التواصل مع احتياجات ومصالح السكان، وغير قادرة على سن تشريعات فعالة.

تشهد عدد من البلدان ثورات شبابية بسبب مشاعرالضيق الاجتماعي، وفي مقدمتهم الفرنسيون من الطبقة العاملة في ضواحي المدن، خاصة في العاصمة باريس. كذلك، تساهم الهجمات الإرهابية باضعاف الديمقراطية وتضاعف من الأزمة، وتخفف من ارتباط الحكومات الأوروبية بالديمقراطية، التي تبتعد عن ميثاق الاتحاد الأوروبي، الذي قام أساسّاً على ما تعنيه القيم الديمقراطية في احترام كرامة الإنسان وحريته والمساواة وسيادة القانون، بما في ذلك "الأقليات". 

لكن، الدراسات التي أجريت بين الأوروبيين، تٌظهر أنهم بعيدون كل البعد عن أن يكونوا مواطنين ذوي عقلية ديمقراطية بعد نحو قرن من مزاعم ممارستها. وبالاستناد إلى تحليل نتائج "دراسات القيم الأوروبية _ إي في أس"، وهي دراسة استقصائية رئيسية يجريها باحثون أوروبيون كل 9 أعوام لرصد التغيرات في القيم في أجزاء مختلفة من القارة، تمت مقابلة ما يقرب من 60 ألف شخص في 34 دولة بين اعوام 2017 و2020.

وتكشف البيانات أنه، على عكس ما يعتقده الكثير من الناس، فإن قيم التضامن تتقدم ببطء بين الأوروبيين أنفسهم ومع غيرهم، بمقابل تصاعد الفردانية وتوجهات تتناقض رغباتها، في الاستقلال والحرية وفي مجالات الأسرة والسياسة والعمل وحتى الدين. بهذا المعنى يظهر أنّ ارتباط الأوروبيين بالديمقراطية أقل وضوحًا، مع دعمهم الديمقراطية في الظاهر رغبة أن يكون لهم رأي أكبر في احتياجاتهم في الاقتصادية. وجزء كبير نسبيًا من السكان، يرون أنّ القيم الديمقراطية ليست عميقة الجذور. خاصة، حين حدوث أزمات سياسية، حيث انجذاب السلطات الأوروبية القوي نحو خيانة الديمقراطية.

في حين أن العديد من الأوروبيين ينظرون إلى الديمقراطية نظرة إيجابية، إلا أنهم لا يملكون جميعًا نفس المفهوم عنها. لكن، معظمهم يجتمعون حول ما يعتبرونه السمات المركزية للديمقراطية، في التمثيل و الانتخابات الحرة والحقوق المدنية والمساواة بين الرجل والمرأة.

اختبر الاستطلاع 3 خصائص تعتبر غير ديمقراطية: طاعة من هم في السلطة، واستيلاء الجيش على السلطة، وتدخل السلطات الدينية في السلطة السياسة، مع أنّ هذه القيم لا تعتبر في كثير من الأحيان أساسية للديمقراطية، جاءت النتائج من خارج المتوقع حيث نحو نصف سكان جنوب القارة الأوروبية يتماثلون مع الروس، ويعتبرون أنّ طاعة السلطة سمة قوية للنظام الديمقراطي. 

بشكل عام، تعتبر الديمقراطية في العديد من دول الاتحاد الأوروبي أكثر هشاشة مما قد يعتقده كثير من الناس. ويجب على السياسيين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني النظر في طرق تقوية ارتباط المواطنين بالنظام الديمقراطي. في سياق يتعرض فيه الممثلون المنتخبون لانتقادات شديدة ومحقة، تحتاج الديمقراطيات إلى إعادة إضفاء الشرعية على نفسها.